وجود السيناريو البديل، أو ""الخطة ب"" كما يسمونها أحيانا، هو الفارق بين من يهمهم فعلا كسب المعارك، وبين من يكتفون بانتظار النتائج. خلافا لسيرتها المعتادة لم تقف الجامعة العربية موقف المتفرج على الأزمة السورية، كما حصل في قضايا سابقة. دورها الإيجابي يشجعنا اليوم لدعوتها لوضع خطة عمل تستجيب للتطورات المتوقعة في حال انهارت الحكومة السورية. أقول هذا لأن الاحتمالات تبدو محصورة بين اثنين: حرب أهلية واسعة في حال صمدت الحكومة، أو انهيار شامل للنظام العام في حال سقطت. ثمة احتمال ثالث، قائم لكنه مستبعد، وهو نجاح الثوار، أو نجاح قوة ثالثة في السيطرة على زمام الأمور، وتأمين انتقال سريع للسلطة يحول دون انهيار مؤسسة الدولة. خلال الأسبوع الماضي، بدا واضحا أن الواجهة السياسية للثورة السورية لم تعد جزءا من اللعبة. المجلس الوطني وهيئة التنسيق وتنسيقيات الثورة وبقية الفصائل، تحولت إلى ما يشبه المراكز الإعلامية التي تعلن مواقف وتنقل أخبار ما يجري على الأرض، لكنها ليست صاحبة قرار ولا هي جزء من القرار. الجيش السوري الحر الذي ظهر في الأشهر الماضية كمؤسسة تتمتع بتسلسل قيادي واضح، كان في الأسابيع الأربعة الماضية أشبه بعنوان لعشرات من المجموعات المحلية المستقلة التي لا يربط بينها غير الاسم. من المحتمل أن يتجه الجميع، في نقطة معينة، إلى التلاقي والتوافق على المرحلة التالية. لكن هذا مستبعد دون تدخل خارجي ضاغط. كانت الجامعة العربية قد عقدت اجتماعا في القاهرة لإقناع المعارضة بتشكيل جهة موحدة تقدم بديلا مقبولا عن النظام القائم، إلا أن هذا المسعى لم يكتب له النجاح. رفض العسكريون الخضوع للسياسيين، وأخفق السياسيون في الاتفاق على الخطوط الأساسية للعمل. في الأسبوع الماضي قدم المجلس الوطني الكردي نموذجا عن الوضع في اليوم التالي لسقوط النظام. سيطر الأكراد على أربع مدن، عند مثلث الحدود مع العراق وتركيا. هذه المنطقة ستكون قاعدة لكردستان سورية. هذا النموذج قابل للتكرار في منطقتين أخريين على الأقل هما منطقة الساحل وجبل العرب. هذا تطور يشير إلى انهيار الدولة المركزية، وربما يجعل الحرب الأهلية خطرا داهما. المعلومات التي تنقل عن عمليات تطهير قومي وطائفي تجعل فكرة الانقسام البغيض ملجأ لا بديل عنه. من هنا فإن الضرورة تقضي بقيام الجامعة العربية ومن وراءها الدول الأعضاء بوضع خطة عاجلة للتعامل مع الاحتمالين المذكورين بما يحفظ وحدة الأراضي السورية ويحول دون الحرب الأهلية أو انهيار النظام العام. رغم تشعبات الأزمة فإن بعض الدول العربية تملك أوراقا مؤثرة في أطراف الأزمة، وهي قادرة - فيما أظن - على إقناع الثوار بالتوافق على إستراتيجية خروج، تؤمن انتقالا إلى نظام جديد بحد أدنى من الخسائر. لو وقعت الحرب الأهلية - لا قدر الله - فإن نارها لن تحرق السوريين فقط، بل قد تطول أيضا لبنان والأردن، وهذا ما لا يريده أحد.