سألتُكَ أَيُّها الصّبحُ، إِلاّ أخبرْتَنَا عن تنفّسِكَ لمَّا أن يكونَ: «أكسوجين» رئتيكَ الجزئيّ ُ والذريُّ متفاعلاً ب:«أوزونٍ» من: (قرآن فجر) يأتي غضّاً طريّاً بصوتٍ نديٍّ ما منْ أحدٍ إلاّ وهو يحبُّ أن يسمعَهُ من: «الدَّاوودِي مِزماراً» عبدِالله الجهني. أمّا أنتم..، فَسَلوا«المصلينَ» يوم أنْ تكونَ إمامَتُهُمْ لصلاةِ الفجرِ قائمٌ في محرابِهَا: «الجهنيُّ» لا يفصلُهُ حينذاكَ عن جوفِ الكعبةِ سوى بضعِ آياتٍ بيناتٍ. سلوهم إذنْ عن السكِينَة وهيَ تتنَزّلُ عليهم مثنى وثلاث ورباع. لعلهم إذ يجيبونكم أن تبرقَ من سيما: «تجليَّاتهم» حالُ من استغنى ب:«قرآن الفجر» فرأى فقرَ كلِّ شيءٍ بين عيني الدنيا، ذلك أن: «القرآن» لا ريب فيه إذ يجعلُ من عالمِ الغيبِ شهادةً في مقاماتٍ من ملكوتِ: «اليقين» تتمحضُ فيها «العبوديّةُ» لله وحده، ليخترقَ: «العبدُ القرآنيُّ» الحُجُبَ في مراقي الصعودِ حيثُ المعارجُ من منازلِ: «إياك نعبد وإياك نستعين». ذُقْ لذةَ الذكرِ إنْ شئتَ في إشهَادِكَ قرآن الفجر.. وأطلْ فينا أمدَ القراءةِ أيها الجهنيُّ. ولئن شئتم فاسألوا:«جبالَ مكةَ» هلْ: أَوَّبَتْ معه والطير؟.سلوا الكعبةَ. سلوا الحطيمَ. سلوا زمزماً. سلوا صحن الحرم. سلوا كلَّ الأشياءِ وهي تكتسي كلها حُلَلَ الجمالِ ب: «جلال قرآنٍ» يتلوه: «الجهنيُّ» قائماً بصلاة الفجر. واسألوا «أهلَ الذكرِ» من العارفين كيفَ أن :«تلاوةَ الجهني» كانَ من شأنِهَا أنْ تطوي لك مسافة الدنيا حتى ترى: «الآخرة» أقرب إليك منك؟! إنها: «صلاةُ الفجر» وقرآنُها: مشهدٌ من أيام الله تعالى -في الحرم- وهي تفتَحُ لك كوةً من باب «الأنس» بالله تعالى لعلك بذلك أن توصد باب «الخلق» ابتغاء أن تتعلمَ كيف تستوحش منهم في سبيلِ أن يكونَ أُنٍْسُكَ الحقيقيُّ بربك وحده... هذا الكتابُ الذي منْ قامَ يسمعُهُ كأنما خاطبَ الرحمنَ بالكَلِمِ. وبكلٍّ..، فإن تلاوة الجهني قد امتازت عن سواها بأشياء يمكنني أن أشير إلى بعض منها بما يلي: •إحساسُه اليقظ ب:علم التجويد وما يلحقه من علمِ الصوتيات.. وله ذائقة جمالية سماعية ب«المقامات» ما يجعل تلاوتَه ذاتها ترجماناً بيناً لمعاني الآيات. • توافر على إتقانِ :«الوقف» و:«علم بالقراءات» مع دراية ظاهرة للغة بصورةٍ تتجسدُ إبان تلاوته :«المعاني» ، وبداهةً أن الترتيلَ ليس مجرد قواعدَ يتقنها القارئُ ليكون جراءها من القُرّاء. •انفراده بأداءٍ غير مسبوق وبخاصةٍ لما أن يقرأَ بمقامِ:«الرست» إذ في الأخير مرونةٌ واستعراضٌ لجماليات طبقات «الصوت» وإثراؤه يتحقق في الجواب والقرار وهو ما يحَفِّزُ انتباه المتلقي سماعاً إن في الصلاة أو خارجها ابتغاء التدبر. •في تلاوته أداءٌ :« تصويريٌّ» وكأنك ترى آيات القصص أو آيات الوعد والوعيد رأيَ العينِ وبخاصةٍ لما أن يقرأ فجراً بمقامِ:«الصّبا» ذلك أنه نمط قرائي ٌّ كلهُ شجن وحزن وبكائية وحسبي أن «أهلَ الاختصاصِ» يعرفون له أكثرَ مما ذكرتُ. كل الذي أتمنّاهُ على شؤون الحرمين -وعلى معالي الشيخ صالح بخاصةٍ- أن يدَعوا «الفجرَ» صلاةً للجهني وأن لا ينازَع في هذا ومن ابتغى فضيلةَ الإمامةِ بالحرمِ فله في الظهر والعصر مندوحةٌ عن الفجر.