لا يوجد في الدنيا كلها حشد من الناس يجتمع كل يوم جمعة لمدة ساعة من الزمن يستمعون فيها تطوعاً إلى خطبة الجمعة دون أن ينطقوا بكلمة أو حتى يهمسوا ويظلون طوال الوقت يصغون للخطبة بكل اهتمام ويؤدون الصلاة بعدها في صفوف متراصة وآداب جمة، أقول لا ترى هذا المشهد إلا في بلاد المسلمين عامة وبلاد الحرمين خاصة، إن استيعاب الجوامع يتراوح بين بضع مئات أو بضعة آلاف أو بضع مئات الآلاف أو ما يربو على المليون من المصلين كما هو الحال في مكةالمكرمة والمدينة المنورة شرفهما الله. ولأن يوم الجمعة هو أفضل الأيام فقد جعله الله عيداً للأمة وهو يوم للتربية والتعليم وللوعظ والإرشاد ولهذا فهناك مسؤولية عظيمة تقع على خطيب الجمعة أو خطيب الجامع تتمثل في حسن اختيار موضوعاته وتقديم الموعظة بأسلوب يلامس وجدان الحضور ويؤثر فيهم مع الحرص على الإيجاز والحرص الكامل على تعزيز كل ما يجمعهم ونبذ ما يفرقهم وأن يحدثهم ويعظهم بما يفهمونه وأن يتجنب المفردات النادرة أو السجع أو أي تكلف في الخطبة. هذه المسؤولية العظمى الملقاة على خطيب الجامع تستوجب محاسبته لو انصرف عمّا هو مأمول منه، واستغلال المنبر لتوظيف أمر سياسي أو أي أمر جدلي يلزم معاقبة الخطيب بأشد العقوبات الرادعة لاسيما وأن حجم الأذى الذي يحدثه يعم ولا يخص. لقد سرنا جميعاً الخطوة المباركة في إقامة ورشة (المسجد وخطبة الجمعة) وكلمة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة في الافتتاح كانت جامعة شاملة وحوت معاني الشريعة والحضارة ومضامين عديدة واستهدفت إثارة همة الخطباء نحو التنمية والارتقاء بالمجتمع تأكيدًا للدور الكبير الذي يلزم أن يضطلع به خطيب الجامع. وأستشهد بالتالي: في أحد مؤلفات الأديب الراحل الأستاذ محمد علي مغربي قبل عشرين عاماً أشار إلى ما جاء في كتاب إتحاف فضلاء الزمن عن شاعر يصف خطباء العصر في مكة يقول: لقد كانت الخطبة فيما مضى لمن له في العلم أوفى نصيب حتى اضمحلت بأناس أتوا من فارط الجهل بشيء عجيب قيل ذلك عن بعض الأئمة في ذلك الزمن، وفي خضم ارتقاء الوعي فإن أئمة المساجد فيهم الخير، وكل ما نرجوه أن يساهم كل بدوره في الارتقاء بالمجتمع وتنميته.