سهام القحطاني - الجزيرة السعودية في «ثقافة الإيجاب» التي طرحها أستاذنا الجليل الدكتور عبدالله الغذامي على «تويتر» والتي صاحبت «مشروع مسكني» هي «مسألة فكرية» تلزم «التأمل والتدبّر» ليس على مستوى المحتوى الإجرائي فقط بل وعلى المستوى التنظيري. فثقافة الإيجاب بقدر ما أرادها أستاذنا الجليل «دليلا للكيفية وكفاية القيمة» أصبحت من خلال وجهة نظري «جدلية لثقافة تداولية القيمة»؛ أي تحوّل القيمة إلى ثقافة؛ بمعنى «كفاية الاقتناع» و»تنفيذية الكفاية المقررة»، وهي كفاية تساوي في نوع الثقافة رغم اختلاف مؤسسِات كفاية الاقتناع. ومدى إمكانية صناعة ما ليس قيمة وفق تقدير الظنية والعمومية إلى قيمة، ومدى إمكانية تحول ثقافة الإيجاب إلى إستراتيجية تفاعلية لإدارة كفايات التواصل بين الأفراد، بمعنى أن الأفراد سيجدون أنفسهم أمام توزيع أفقي للكفايات تتضمن تحقيق أفعال اجتماعية على المستوى الأفقي وإقامة علاقات نوعية على المستوى العمودي بين المتكلم ونوع الكفاية المنتجة أو المقولة المنتجة المؤِسسة للفعل والإنجاز والمقصد. ولكن تحقيق تلك الأمور يعتمد على توافر عناصر «حلقة تداولية القيمة»، وهي «وجود قيمة» وفق شرط «كفاية الاقتناع» لأن إثبات تلك الكفاية هي مُشرّع تداولية القيمة التي تؤسس «ثقافة الإيجاب» وقاعدة بناء بقية العناصر. وتنبني كفاية الاقتناع على الذهن المنطقي، ويقصد بالذهن المنطقي الصفة الإيجابية التي يملكها الفرد والتي ترسم له الكيفية النافعة لفهم الموقف وإنتاجه، وبذلك فكفاية الاقتناع تجمع بين «حتمية الجوهر» بمعنى ضرورة وجود جوهر، و لازمية الكيفية المنشِئة للكيفية النفعية أو الذهن المنطقي. وتوفر شرط «كفاية الاقتناع» يتضمن فاعلية الوجود وفاعلية التنفيذ، فكل قيمة لا يلزم وجودها فاعلية تنفيذ تفقد شرط «كفاية الاقتناع» وكذلك كل قيمة لا تتضمن وجودها فاعلية تنفيذ تفقد أيضا شرط «كفاية الاقتناع». لكن كيف تتحقق «كفاية الاقتناع»؟ والأقرب الى طبيعة المسألة الكيفية الإرادية؛ أي كيف نحقق «كفاية الاقتناع»؟ والكيفية الإرادية هي التي ينبني عليها «ثقافة الإيجاب»، وهذا هو الفرق بين الكيفية الإرادية والكيفية الاختيارية؛ فالكيفية الاختيارية لا تصنع «ثقافة إيجاب «، وإن رأى البعض أن الكيفية الاختيارية تصنع ثقافة الديمقراطية، وهنا لا اختلف على مبدأ القول أو مجمل القول، لكن الكيفية الاختيارية التي تصنع ديمقراطية هي كيفية مشروطة بمعنى تحولها بصورة أو أخرى إلى كيفية إرادية وخضوعها «لكفاية الاقتناع»، والفروق بين الكيفية الإرادية والكيفية الاختيارية هو مبحث عميق لأنها تخضع لأنواع الكفايات وظرفياتها والبيانات الأيديولوجية التي تتحرك في ضوئها والمؤثر في تطور الفكر التداولي. لكن الكيفية الإرادية والاختيارية تشتركان في تأليف التصور الذي يُنتجه الذهن المنطقي. و»الكيفية الإرادية « هي التي تنتج «كفاية الاقتناع»؛ باعتبار أن «كفاية الاقتناع» ردة فعل وفي ذات الوقت هي الدافع لنشوء الفعل أي «الكيفية الإرادية» باعتبارها هي الفعل الصوري للدافع المسبق والنتيجة التالية؛ لذلك اعتبرت كفاية الاقتناع هي أول عنصر من عناصر « حلقة تداولية القيمة» للدور المزدوج الذي تقوم بها تلك الكفاية. و الكيفية الاختيارية بدورها هي «منظومة نسقية» في أصلها لأنها تعتمد على «سلم الأخلاقيات الاجتماعية» وهذا ما أدركه الغذامي عندما ربط «ثقافة الإيجاب» لتحريك مشروعه «سكني» بالمنظومة النسقية لعقيدة المجتمع من خلال «قيمتي التكافل والعطاء» بل وجعل تلك القيمتين جزءا من ثقافة الإيجاب ليضمن «سهولة» تحقيق «كفاية الاقتناع» لأن كلما اعتمدت الكيفية الإرادية في تأسيس كفاية الاقتناع على معلوم إيجابي نسقي تسهّل تحققها لأن استثمار «الميل» أو إقامة الاعتقاد يُعزز «كفاية الاقتناع»؛ باعتبار إقامة الاعتقاد هي الدافع للسلوك، بل لا أبالغ إن قلت هو سبب حيوي في تكوين تلك الكفاية لأننا نقتنع بما نؤمن به عقلا ووجدانا وأخلاقا، والإيمان بالشيء أساس « كفاية الاقتناع»، فكل محفز للفعل يُشتق من إيمان. ومعزز كفاية الاقتناع بدوره ينبني على مجموع الأدلة؛ باعتبار أن التمثيل أو «عينة الواقع» هي التي تقيم الاعتقاد، بدرجاته وأنواعه وبذلك فهي معزز للكفاية الاقتناعية، و الأدلة تنتج بدورها آليات الكفاية وأدواتها التي تحول المسألة من فعل تنظيري إلى فعل قضوي وقياسي قادر على التصاعد والإنجاز. وبالتالي يمكنني على سبيل الإيجاز القول إن «سلم تكوين كفاية الاقتناع « التي تؤسس ثقافة الإيجاب ينبني وفق قاعدة تأسيس كفاية الاقتناع ومعززات كفاية الاقتناع وأدلة تحفيز كفاية الاقتناع» و»آلياتها وأدواتها» ثم «المشروع الممثل لكفاية الاقتناع»، ولا يمكننا القفز إلى مشروع كفاية الاقتناع قبل تأسيس «أوليات وأولويات كفاية الاقتناع» المبني عليها ثقافة الإيجاب، ففعل تأسيس الثقافة قبل فعل الإيجاز، أو هكذا أعتقد.