لاشك أن لكل إنسان حقه في أن يطرح وجهة نظره في الأمور، فبنيوية وجهة النظر كعملية تفكيرية استدلالية هي مجموعة من المعطيات الافتراضية المبنية على منطق دلائلي،وتحقيق الاتفاق الجمعي بين وجهات النظر بدوره يعتمد على تطابق المنطق الدلائلي للأفراد والجماعات الذي يتحرك وفق تواتر نسقي مخصوص،وخصائص الطبيعة الإنسانية الغريزية والنفسية، كما يعتمد على المشترك النوعي لأصحاب المصادر، وتوفر الحالات المشاكلة للاقتران المنتظم للمظاهر؛ مما يقوي الدلالة ويؤكدها في ذهنية صاحب وجهة النظر وأنواع المتلقين عن طريق القدرة التأثيرية الناتجة للاعتقاد ،وهو ما يجعل وجهات نظرنا نحو الأمور تتصف بالمنطقية. كما أن الصواب أو الخطأ كنسبة كيفية نقوّم من خلالها أفكار وجهات النظر تسعى إلى تكثيف لآليات الاقتناع بالرفض أو القبول لمصادر وجهات النظر؛ أي إنتاج «الاعتقاد» وبالتالي فالنسبة الكيفية هي التي تحقق امتلاء كفاية الاعتقاد من المنطق الدلائلي الذي تتحرك في ضوئه وجهات نظرنا وتبني من خلاله سلمها المنطقي الذي ُينتج معيار التصديق أو التكذيب ويؤلف الحقيقة. وهذا يعني أن حاصل ما نعتقده سواء على مستوى الاستقراء الشخصي لأفكارنا أم على مستوى الاستقراء الوظيفي أو التقني أو التقويمي للأشياء يحتمل التصديق والتكذيب وهذه المُسلّمة المشروطة بالمنطقية لا تضمن «مطلق الصواب أو الخطأ» لأي قرار أو إقرار، والوقوف عند هذه القاعدة؛ يعني انتفاء أي حصانة تمنع من ممارسة مساءلة معايير أي قرار أو إقرار، صحيح أن أي قرار يتميز بوجود منظومة الأولويات التي تشكل مقدمة معرفية لسلامة المعايير إلا أن توفر منظومة الأولويات لا تُحصّن القرار من المساءلة وإن أسهمت في منّطقة نوعية النسبة الكيفية للقرار. على العموم لا أريد أن أقدم درسا تنظيريا لما هية الموضوعية وشروط التفكير التقويمي،إنما أريد أن أشارك في الحديث في حالة تحوّلت تدريجيا إلى قضية بقصد أو دون قصد،و أظنها كشفت عن أشياء يجب ألا تمر علينا مرور الكرام، وكيف تحول ما يمكن أن يكون منجزا لأصحابه إلى لعنة على اصحابه، وأقصد جائزة «حائل» للرواية. كان يمكن أن تكون هذه الفكرة منجزا ثقافيا لنادي حائل ولأعضاء لجنة التحكيم للجائزة والمشاركين في الجائزة،لولا أصبح ما كان يسعى إليه لأن يكون منجزا لعنة على الجميع وخاصة «أعضاء لجنة تحكيم الجائزة» وخاصة الدكتورة لمياء باعشن وإن كنت أضع علامة استفهام واحدة حول سبب تحول ذلك المنجز إلى لعنة، فأنا أضع أكثر من علامة استفهام حول سعي بعض المشاركين في التشكيك في نزاهة نتيجة لجنة التحكيم إلى الانتقاص من مؤهلات الدكتورة لمياء باعشن والتشكيك في قدراتها على فنية التقويم وموضوعيته،في حين أن هناك أعضاء في اللجنة لم يوجه لهم أي تشكيك في قدراتهم التقويمية مع أنهم أقل من الدكتور لمياء على مستوى المؤهل العلمي أو المهارة التطبيقية، كما أن الدكتورة لمياء ليست ممن يلبسون عباءة النقد بل هي ناقدة أصيلة تملك المؤهلات العلمية والمهارة التطبيقية ولها دراسات في مجال النقد السردي والدراما السردية. فهل هذا الهجوم على الدكتورة لمياء باعشن من بعض المشتركين والتشكيك في أصالتها النقدية كونها امرأة؟ ولو كان رئيس لجنة التحكيم الغذامي أو البازعي وتوصلت اللجنة إلى ذات نتيجة القائمة القصيرة للروايات، هل كان سيتعرض أحدهما لما تعرضت له الدكتور لمياء با عشن؟. لا اعتقد أن أي أحد منهما سيتعرض لِم تعرضت له الدكتور لمياء باعشن،فلن يجرأ أحد على أن يقول للغذامي أنت ناقد ثقافي ونسوي لا ناقة لك ولا جمل في السرد،ولن يجرأ أحد أن يقول للبازعي أنت ناقد تنظيري ومقارن فكري لا ناقة لك ولا جمل في السرد. ولذلك قد يكون سببا من أسباب هجوم بعض المشاركين الذين لم تحظ روايتها على الاختيار هو حساسية «الرجل» من «تقويم المرأة» له وتفضيلها رجل على رجل، وهي حساسية لا واعية؛ فقد ألفنا أن الرجل هو الذي يقوّم المرأة و يُنجّحها وليست المرأة هي التي تقوّم الرجل وتنّجحه، كما أن طبيعة الرجل يرفض أن تعلن المرأة تفضيلها لرجل غيره حتى في مجال الأدب وبذلك قد تكون هناك مشكلة غير واعية مع المرأة من قبل المهاجمين على دكتورة لمياء. «ذلك جائز» كما أن التلميح بتأثير الشللية أو العلاقة الثقافية بين الدكتورة لمياء وبعض المشاركين الذين وصلوا إلى القائمة القصيرة،لا يعني التشكيك فقط في موضوعيتها بل قد يرمي إلى ما هو أبعد من ذلك مما يتعرض لكرامة المرأة وسمعتها واختصارها في الجانب الوجداني. إضافة إلى أن التشكيك في القدرة الفنية والنقدية والموضوعية للدكتور لمياء باعشن قد يكون سعيا واعيا استباقيا من قبل الطرف الآخر لتخويف أي قناة ثقافية من إشراك ناقدة في أي لجنة تحكيم لأي جائزة،وهذا مؤشر خطير إن كان مقصودا من قبل هؤلاء. طبعا لا أريد أن أمحور «مشكلة الاعتراض» في الثنائية النوعية «رجل وامرأة» وإن كان ما طرحته سابقا من موقف بعض المشاركين من الدكتورة لمياء باعشن افتراض أولي لسبب «مشكلة الاعتراض» ،فغالبا لا وعينا يتحكم في إنتاج وعينا وخاصة إذا كان هناك اتفاق نسقي بينهما،والافتراض الأولي يجب ألا يمنعنا من طرح الافتراض الموضوعي الذي بٌنيت عليه «مشكلة الاعتراض». ولو بدأت بالحديث عن نوعية التصادم سأقول أن التصادم واقع بين «حاصل إقرار لجنة التحكيم للجائزة» وبين وجهات نظر بعض المشاركين في الجائزة الذين لم تحظ نصوصهم الروائية على أي درجة قبول فني من قبل لجنة التحكيم. وهذا الأمر أدخل الطرفين في صراع «جدلية الاستحقاق نوعه وقيمته»،الطرف الأول «لجنة التحكيم» حجته في تأكيد سلامة معاييره وصوابية قراره و أنه يملك منظومة الأولويات المعرفية التي تضمن له حصانة ضمان إقرار الاستحقاق وأن الطرف الآخر لا يملك أي منظومة أولويات معرفية تمّكنه من نقض إقرار الاستحقاق الذي توصلت إليه، أو فهم قيمة الاستحقاق المقرر. والطرف الآخر «الذين لم تحظ روايتهم بالاختيار» يشكك في وجود منظومة الأولويات المعرفية التي بٌني عليها إقرار الاستحقاق وتمييز الروايات الجيدة من اللاجيدة،وأن الاستحقاق بُني على معطيات غير فنية وغير موضوعية وغير نقدية وأن الشللية والإيديولوجية الثقافيتين هما اللتان تحكمتا في تقدير ذلك الاستحقاق. مع العلم أن ليس هناك جائزة في العالم لا تخضع لتأثير إيديولوجية القائمين عليها ولإيديولوجية لجان التحكيم ولولا وجود تلك الإيديولوجية لكان الغذامي من أوائل الفائزين بجائزة الملك فيصل للأدب ولكان أدونيس ممن فاز بجائزة نوبل وغيره من العرب والمسلمين،فمن السذاجة أن نقول أن الجوائز يجب أن تكون غير مؤدلجة وأن لجان التحكيم للجوائز يجب أن تكون معصومة من الأدلجة. والمتأمل للمنظومة التبريرية لكلا الاصطفافين سيجد أننا أمام «أزمة ثقافية» أثارتها جائزة حائل للرواية أو هكذا اعتقد للأسباب الآتية: *إن ملامح الرواية السعودية الفنية والتقنية والسردية لم تنضج بعد، إذا ليس لدينا نموذجا معياريا واعتباريا يؤسس لجائزة ثقافية اعتبارية، كما أن كثيرا من كتاب الرواية لدينا مازالوا ضمن فئة «الهواة» حتى الذين وصلوا إلى القائمة الرباعية لجائزة حائل»،وأظن أن من الطبيعي أن غياب النموذج المتكامل فنيا للرواية، غيّب بدوره ضوابط معايير الاختيار والانتقاء هذا إن لم تخضع مسألة التحكيم للاعتباطية؛ لأن كل جائزة لا تعتمد على كراسة معايير اعتبارية لنموذج اعتباري تصبح مسألة اعتباطية،وهي إحدى حجج الطرف المٌشكك في نتائج لجنة التحكيم، وهي حجة مقبولة في غياب النموذج الروائي المتكامل معياريا واعتباريا. كما أن تذبذب معيار الانتقاء المستخدم للنصوص الفائزة في القائمة القصيرة أي توفر السلامة اللغوية ،ومعيار إبعاد بقية النصوص لعدم توفر السلامة اللغوية الذي صرّح أو لمح به المشككون في نزاهة النتيجة ما قبل النهائية للجائزة،أسهم في توسيع مشكلة الاعتراض،وإن كنت أعتقد أن السلامة اللغوية هي معيار تفاضلي وليس معيارا تقويما وأظن أن هذا ما يذهب إليه المشككون في نتائج الجائزة،إضافة إلى ما صرّحوا به بأن معيار التقويم المبني عليه الاستحقاق لم يتوفر في الروايات التي وصلت إلى المرتبة ما قبل النهائية،وهو دليل كما يرى هذا الطرف يٌدعم التشكيك في سلامة وموضوعية معيار الانتقاء؛على أساس أن المشاركة في الخطأ تُوجِب التساوي في القيمة، وهنا يعود السؤال من حيث بدأ؛ فإذا كان الجميع يتساوى في القصور فعلى ماذا بُني الاستحقاق،وهي حجة تبريرية معقولة كما أنها تكشف عن غياب المعايير الفنية للانتقاء. * إذا كانت هناك ضوابط معيارية للاستحقاق سارت عليها اللجنة في الاختيار والانتقاء فلماذا لم تُنشر كراسة تلك المعايير والمواصفات على الموقع الإلكتروني لنادي حائل قبل استلام الروايات المشاركة لتفادي مشكلة الاعتراض على النتائج ولتحقيق الطمأنينة الموضوعية للمشاركين و تفعيل الثقة الموضوعية لأعضاء لجنة التحكيم من قبل المشاركين وبالتالي تفادي أي مشكلة تشكيك في نزاهة قرار اللجنة مستقبليا. وهل كان لإدارة الجائزة تصور منطقي للمعايير الفنية لانتقاء الروايات الفائزة؟ أم تركت تكوين المعايير لاجتهادات أعضاء لجنة التحكيم ولذوقهم الفني الخاص؟ مما أدى إلى ظهور مشكلة الاعتراض على نتائج لجنة التحكيم. *كشف موقف المشككين في نزاهة نتائج لجنة تحكيم جائزة حائل استمرار علاقة التأزم بين المبدع والناقد،وهو تأزم ظننت أنه انتهى وخاصة بعد تداخل واندماج أدوار الناقد مع الإبداع،وعلاقة التأزم تلك تجبرنا على البحث عن أسباب عدم ثقة المبدع في الحكم الصادر من الناقد،وهل هو تأزم مؤقت حاصل حالة،أم هو تأزم دائم وإن ظل خفيا؟. فهل يعتقد المبدع أن الناقد لدينا لا يملك منهجا يؤهله لفنية النقد وموضوعيته؟ هل يعتقد المبدع أن النقاد الميدانيين هم انطباعيون واعتباطيون و مؤدلجون ولذلك فهم لا يملكون الكفاءة الكفاية لتقدير نوعية الاستحقاق وقيمته؟ أو أن هذا الاعتقاد هو مرتبط بنوعية الأشخاص ومقتضى الحال وليس بكلية المبدأ والمعيار والقيمة؟. وهذه الزاوية من وجهة نظر الطرف الآخر هل تعني على المستوى العام أن هناك «مواصفات خاصة» يجب أن تتوفر في اختيار «أعضاء لجان التحكيم للجوائز» لتصبح تلك المواصفات جزءا من تحقيق موضوعية النتيجة،وهل إدارة أي جائزة كما أن عليها أن تسن كراسة معايير الاختيار والانتقاء للأعمال الروائية عليها أن تسن كراسة مواصفات اختيار أعضاء لجنة تحكيم النصوص؟. كما أن هذه الرؤية تثير سؤالا هو، هل كل ناقد أكاديمي أو ميداني مؤهل ليصبح عضوا في لجنة تحكيم الجوائز؟ وإن سمحت لنفسي بالإجابة أقول بالطبع لا؛وخاصة وأن «كل من هب ودب» اليوم على الساحة الثقافية أصبح ناقدا، وليس كل من لبس عباءة النقد أصبح ناقدا،لذلك وفق ما أعتقد يجب أن يكون هناك حرص من قبل إدارة أي جائزة على انتقاء النقاد الذين سيمثلون أعضاء لجنة التحكيم. وهناك نقطة أخرى أعتقد أن الموضوعية تلزمني بذكرها وهي أن «النقاد الميدانيين» لدينا كأعضاء لجنة تحكيم جائزة حائل باستثناء الدكتور الزهراني برعوا في تحليل الظواهر الاجتماعية والنفسية داخل النصوص الروائية، وقد تكون هذه الملاحظة هي نقطة قوة لمصلحة لجنة التحكيم وقد تكون نقطة ضعف ضدّها والأمر يعتمد على كيف استثمر أعضاء اللجنة ممن لهم خبرة في رصد ودراسة الظواهر المضمونية الروائية في تكوين المعيار التقويمي للنصوص المتقدمة للجائزة،فتوفر ظاهرة مضمونية للعمل الروائي هو معيار مفاضلة وليس معيارا من معايير التقويم كما أنه لا يمثل في ذاته منظومة تقويمية في تحديد الاختيار والانتقاء، ولذلك فخبرة الناقد الميداني قد تفيد موضوعيته كمحِكم أو تضرّها وفق تحديده لوظيفة تلك الخبرة؛ أي أن تصبح آلية من آليات تقويم العمل الروائي،أو معيارا كليا لتحديد القيمة. *إن سنّ جائزة ثقافية اعتبارية يجب أن تؤسس وفق معايير ثقافية صارمة على كافة المستويات،اختيار أعضاء لجان التحكيم،الاختيار الأولي للأعمال، تقسيم الأعمال إلى قوائم،مراحل تصفية القوائم، وحتى تتجنب أي جائزة ثقافية للرواية المحلية أي تشكيك في نزاهة نتيجة لجنة التحكيم،أعتقد أنه من الأفضل أن يتغير أعضاء لجنة التحكيم في كل مرحلة من مراحل الجائزة،وليكن أعضاء المرحلة الأولى من النقاد الأكاديميين وليس من النقاد الميدانيين حتى لا يتهموا بالشللية الثقافية وحتى يكون اختيارهم لقوائم المفاضلة معياري بحت. * وبما أن ليس لدينا نموذجا روائيا معياريا واعتباريا، أعتقد أن من سلامة موضوعية أي جائزة أن يُحدد شرط المسابقة الروائية وفق معيار محدد «كأفضل فكرة» لعمل روائي أو ،»أفضل بناء درامي للشخصية الروائية» أو أفضل»معالجة درامية» ،أي ضبط معيار التحكيم،حتى يعلم المشاركون في المسابقة معيار الانتقاء. ولماذا فازت هذه الروايات ولماذا لم تفز تلك الروايات،وذلكم أمر يشجع كاتب الرواية على «تجويد» صنعته الروائية،وليس فقط التشجيع على كتابة الرواية كيفما اتفق. *وأخيرا أعتقد بما أن كل هذه الاعتراضات التي دارت حول نتائج القائمة الرباعية لجائزة حائل للرواية اقترح على إدارة الجائزة أن يعاد تقويم أعمال هذه القائمة من قبل لجنة تحكيم جديدة من «نقاد أكاديميين» ممن ليس لهم حضور في الميدان النقدي،أو تُلغى نتائج لجنة التحكيم ويعاد تقويم كل الأعمال التي قدمت من خلال لجنة تحكيم جديدة،أو أن تُلغى الجائزة هذا الموسم، وتبدأ الموسم الثقافي القادم بعد توفير سقف مضمون لموضوعية الجائزة وتأسيس كراسة معايير لها.