مما لاشك فيه أن موضوع قيادة المرأة للسيارة أصبح من المواضيع المحورية الخاضعة للنقاش والحوار حتى وإن أصبح لدى البعض توجسات منه، ولدى البعض الآخر اندفاع تجاهه ويظل الأمر طبيعياً وصحياً ما لم يتحول الحوار إلى هرج ومرج، وتبادل للتهم. إن الحوار الراقي هو الذي يعطي لكل طرف الفرصة لأن يقول رأيه بشفافية ومصداقية دون مصادرة أو تسكيت فالنقاش العلمي المبني على الحجج والبراهين والدراسات المنهجية والميدانية التي تحدد الايجابيات والسلبيات والموازنة بينها هو الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، وهو الذي تفهمه العقول الناضجة والنفوس السليمة المتعطشة للأسلوب الراقي في الطرح، واحترام وجههة نظر الآخر خصوصاً اننا في بلد تبنى الحوار أسلوباً للوصول إلى رؤية مشتركة توحد الصفوف وتوحد الآراء والحلول في سبيل الوصول إلى الأفضل. لذلك فإن أسلوب الوعظ والخطب، الذي لا يخلو من التجريح والتهم الذي يتبعه بعض المعارضين لقيادة المرأة للسيارة، وكذلك الأسلوب الذي يحمل الفاظ التجهيل، وكيل التهم الذي يتبعه بعض المطالبين به ليس هما الأسلوب الأمثل. وحيث إن لكل من الطرفين مبرراته وأجندته التي يدعم بها موقفه فإنني سوف ألخص الخطوط العريضة لأجندة كل منهما للمقارنة والاستنتاج. فالمؤيدون والمطالبون بقيادة المرأة للسيارة يوردون حججهم في النقاط الآتية: * إن قيادة المرأة للسيارة سوف تغني عن السائق وهذا سوف يقضي على كثير من المشكلات المترتبة على وجود السائقين سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو أمنية أو تربوية أو عقدية أو غيرها. ناهيك عن كون ذلك حقاً من حقوق المرأة. إن التركيز على مناقشة أفضل السبل التي تتيح للمرأة قيادة السيارة أفضل من الاستمرار في النقاش البيزنطي حول «هل يسمح أو لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة» فاقتراح الأطر والضوابط والاستراتيجيات والحلول التي تحكم قيادة المرأة للسيارة هي الفيصل في منتدى القبول والرفض * إن قيادة المرأة للسيارة سوف يحل المشكلة أمام من لا يملك المقدرة على استقدام سائق وظروف عمله لا تساعده على القيام بجميع حاجات أسرته خصوصاً التي تتطلب استخدام السيارة. * إن قيادة المرأة للسيارة بحد ذاتها ليست محرمة شرعاً وإنما المنع جاء من باب سد الذريعة. * في البداية يقتصر السماح بقيادة المرأة للسيارة على ربة الأسرة مع اشتراط وجود محرم حتى لو كان أحد الأطفال ثم يتم التدرج بعد ذلك طبقاً للنجاح الذي يتم تحقيقه في مجال تطبيق الضوابط والشروط التي تكفل قيادة المرأة للسيارة دون مشكلات. * يمكن إنشاء دوريات مرور نسائية تابعة لأقسام المرور تكون مهمتها ضبط السير والمخالفات المرورية للنساء خصوصاً عند الاشتباه ولزوم الضبط والتفتيش. * أن يتم السماح بقيادة المرأة للسيارة بصورة تدريجية وتتم متابعة الايجابيات والسلبيات المترتبة على ذلك وإيجاد الحلول المناسبة لها وبناء على نجاح الخطة يتم التوسع في مجال السماح أو المنع. * لاشك ان وجود وسائل الاتصال الحديثة من جوال وانترنت قد سهل الموضوع وحل كثيرا من المشكلات العالقة حيث يستطيع من يقود السيارة رجلا كان أو امرأة أن يتصل من أي موقع كان ويطلب المساعدة سواء من الدوريات الأمنية أو الابن أو الأخ أو الزوج أو الزوجة. * إن قيادة المرأة للسيارة سوف تساعد في حل كثير من الأمور الأسرية مثل ايصال الأولاد إلى المدارس أو زيارة المستشفى أو الأهل والأقارب أو التسوق أو غيرها من الأمور التي يفرض واقع الحال القيام بها. ليس هذا فحسب بل إن هناك كثيرا من الطروحات والمبررات التي يقدمها المطالبون بقيادة المرأة للسيارة والتي تبرر وجهة نظرهم. أما المعارضون لقيادة المرأة للسيارة فإنهم يوردون الحجج والمبررات التي تدعم وجهة نظرهم والتي تتمثل في الآتي: * إن قيادة المرأة للسيارة فيه فتنة وإخراج للمرأة من بيئتها الطبيعية المتمثلة في المنزل وإخراجها عن حشمتها ناهيك عن أن ذلك سوف يعرضها لمشكلات هي والمجتمع في غنى عنها ويضربون مثلا لذلك في معاكسة الشباب غير الملتزمين لهن أو التحرش بهن ومضايقتهن أو غير ذلك من الممارسات المشينة. * إن قيادة الشابات للسيارة سوف تكون لها سلبيات تشبه تلك التي يمارسها بعض الشباب مثل السرعة المفرطة والتفحيط وقطع الاشارات وغيرها. ان إساءة استخدام السيارة لن يكون حكراً على جنس دون آخر وهذا فيه مضاعفة للمشكلات القائمة. * إن مجتمعنا كأي مجتمع آخر ليس مثالياً حيث يوجد في كل مجتمع أكثرية ترعى الأمانة وتتسم بالخلق الكريم وكف الأذى ورفض العدوان كما يوجد شوائب من المستهترين والمتجاوزين لحدودهم وهؤلاء هم من يجعل قيادة المرأة للسيارة غير مرغوبة. * إن المطالبة بقيادة المرأة للسيارة هو تقليد للغرب وخضوع لضغوطه المبرمجة لاخراج المرأة المسلمة من حشمتها وهو مقدمة لسفور المرأة ومخالطتها للرجال. * إن قيادة المرأة للسيارة سوف يشغلها عن أطفالها وواجباتها الزوجية والمنزلية ناهيك عن بعض المبررات والحجج الأخرى التي تدعم رفضهم. وعلى العموم فإن الأمر فيه سعة كبيرة حيث يمكن الوصول من خلال الحوار إلى قرار ناجع يؤدي بالجميع إلى الوصول إلى حلول وسط وهذا لا يتأتى إلا أن: * أن يكون موضوع قيادة المرأة للسيارة أحد مواضيع الحوار الوطني التي تعقد بصورة دورية وأن يشارك في ذلك الحوار جميع الأطراف من معارض ومطالب ومحايد على أن يسبق ذلك إعداد دراسات ميدانية واستبانات دقيقة واستقراء للرأي العام ناهيك عن اجراء تجارب ميدانية ودراسة ردود الفعل تجاهها حتى لا يكون الفعل وردة الفعل من قبل عدد محدود جداً ممن نسمع ونقرأ لهم بل يكون من قبل أصحاب الشأن وهم الغالبية العظمى من المتفرجين على ما يدور من نقاش دون الدخول فيه. * ان السماح للمرأة بقيادة السيارة وفق الظروف والمعطيات الحالية يعني مضاعفة عدد السيارات في كل مدينة وقرية. وإذا كنا نعاني الأمرين حالياً من الزحام المروري في المدن الكبيرة ونشتكي من تفشي حوادث المرور قبل السماح للمرأة بالقيادة فما عسى ان تكون عليه الحال إذا سمح لها بذلك ناهيك عن الضغوط الاقتصادية حيث سوف تنادي الفتاة بالمساواة مع أخيها من حيث امتلاك سيارة وقيادتها. * ان الضبط والربط المروري حالياً ليس في أحسن صورة مع نصف المجتمع فما بالك إذا دخل عليه النصف الثاني مع عدم تطوير البنى التحتية التي تكفل استيعاب الجديد القادم. * ان استقدام السائقين ليس ظاهرة صحية ولهم مشكلات متعددة يجب أن تخضع للدراسة والتحليل والاستنتاج ومقارنة سلبياتها وايجابياتها مع سلبيات وايجابيات قيادة المرأة للسيارة وهذا بحد ذاته سوف يكون له أثره الكبير في هذا الخصوص. * لابد أن تقوم الجامعات بدورها وذلك من خلال أقسام الدراسات الإسلامية، والاجتماعية والنفسية والتربوية والاقتصادية حيث يمكن ان يخضع موضوع قيادة المرأة للسيارة لهذه الأبعاد بحثاً وتمحيصاً واستقراء واستنتاجاً من خلال الدراسات والاستقصاءات الميدانية المبنية على حقائق وليس تخرصات على أن يتم ذلك بشفافية ليس فيها آراء أو توجهات مسبقة. * ان العمل على حل مشكلات المرور المتمثلة في الاختناقات المرورية والزحام من خلال حل مشكلات النقل العام وتوسيع خدماته والعمل على تعدد وسائله سوف يغني كلاً من الرجل والمرأة عن الحاجة إلى استخدام السيارة إلا عند الضرورة القصوى، وعند الضرورة القصوى يصبح موضوع قيادة المرأة للسيارة امراً لا مفر منه فهي خير من يستطيع اسعاف أحد أفراد الأسرة عند الحاجة الملحة والمفاجئة فما بالك ببقية متطلبات الأسرة الأخرى. * من المتوقع انه على المدى المتوسط والبعيد ان المرأة سوف يسمح لها بقيادة السيارة وبالتالي من المؤمل ان تتجه الجهات المعنية بوضع استراتيجيات لما يمكن توقعه بحيث تجد حينها ان ذلك التوجه أصبح يحظى برضا وقبول الأغلبية بعد انتفاء ما يمكن ان يعكر صفو ذلك العمل من سلبيات ورفع درجة الايجابيات بما يحقق المصلحة العامة. * ان عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل على المستوى المحلي وبمشاركة جميع أطياف المجتمع لمناقشة قضية قيادة المرأة للسيارة سوف يفضي لا محالة إلى حلول ناجحة تؤطر لهذا الموضوع وتضع الحلول المناسبة له ضمن قواسم مشتركة لا تقييد فيها ولا تفريط. إن التركيز على مناقشة أفضل السبل التي تتيح للمرأة قيادة السيارة أفضل من الاستمرار في النقاش البيزنطي حول «هل يسمح أو لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة» فاقتراح الأطر والضوابط والاستراتيجيات والحلول التي تحكم قيادة المرأة للسيارة هي الفيصل في منتدى القبول والرفض لكنها تظل ميدان حوار وأخذ وعطاء حتى تستوي على الجودي. ويظل الأمر من قبل ومن بعد محكوماً بالمصلحة العامة التي يعكسها رأي الأغلبية الذي دائماً تتبناه قيادتنا الرشيدة التي تعودت على الأخذ بالرأي السديد. والله المستعان.