يشكل عام 2011 مرحلة فاصلة بالنسبة لحجم النفقات العامة في السعودية, وهي خطوة نراها صحيحة ومن شأنها تعزيز القوة الاقتصادية للمملكة. وبشكل محدد، تم تخصيص 155 مليار دولار كنفقات للسنة المالية 2011 من جهة, وصدور أوامر من خادم الحرمين الشريفين بصرف ما مجموعه 130 مليار دولار على عديد من البرامج الاجتماعية من بناء مساكن جديدة، وتقديم علاوات متنوعة، والتسهيلات للمواطنين من جهة أخرى. اللافت أن مجموع 155 مليار دولار و130 مليار دولار وبالتالي 285 مليار دولار تساوي نحو ثلاثة أرباع مخصصات خطة التنمية التاسعة في السعودية للفترة ما بين 2010 حتى 2014. بل ليس من المستبعد أن تزيد السلطات القيمة المالية المخصصة للخطة التنموية وقدرها 385 مليار دولار. صحيح أن الرقم 130 مليار دولار ليس مخصصا للسنة المالية الجارية فقط، لكنه يؤكد عن وجود نية لزيادة النفقات العامة بطريقة أو أخرى. فوائد جمة من شأن تعزيز النفقات العامة المساهمة في تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في جعل الاقتصاد السعودي من بين أفضل عشرة اقتصادات جذبا أو تنافسية في العالم. فحسب تقرير التنافسية الاقتصادية لعام 2010 الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل السعودية المرتبة رقم 21 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم. وتمكنت السعودية من تحسين ترتيبها سبع مراتب في غضون سنة واحدة, وعليه حلت في المرتبة الثانية بين الدول العربية والإسلامية متخلفة فقط عن قطر, التي بدورها حلت في المرتبة رقم 17 على مستوى العالم. كما يتوقع أن تسهم المصروفات العامة في تعزيز مكانة الاقتصاد السعودي بالنسبة للمستثمرين, تعد هذه المعلومات حيوية بالنسبة للمستثمرين المحللين منهم والدوليين. حقيقة القول، تتربع السعودية على عرش الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة في منطقة غرب آسيا برمتها, وذلك استنادا إلى تقرير الاستثمار العالمي لعام 2010، الذي أصدره مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية ""أونكتاد"". فقد بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسعودية 35.5 مليار دولار في 2009, ما يعني 52 في المائة من حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة لمنطقة غرب آسيا، التي تشمل الإمارات وتركيا. التنمية البشرية من شأن تخصيص أموال ضخمة نسبيا للتعليم والتدريب والصحة تحسين ترتيب السعودية على مؤشر التنمية البشرية. وكان تقرير التنمية البشرية لعام 2010، الذي يصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، قد منح السعودية المرتبة 55 من بين 169 بلدا. وكانت السعودية قد تقدمت أربع مراتب في التقرير الأخير كنتيجة مباشرة لزيادة النفقات العامة التي تخص أمورا معيشية وحيوية مثل الصحة والتعليم. يتمتع التقرير السنوي بسمعة عالية نظرا لجهة الإصدار وتحديدا برنامج الأممالمتحدة الإنمائي, فضلا عن محتوى التقرير. وهناك نقطة جوهرية تسهم في تميز التقرير, أي اعتماده على ثلاثة معايير وهي: العمر المتوقع عند الولادة، ونسبة المتعلمين, إضافة إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وعليه يتميز تقرير التنمية البشرية باعتماده على ثلاثة متغيرات وليس متغيرا واحدا فقط مثل متوسط دخل الفرد. النمو الاقتصادي فيما يخص عام 2011، هناك توقعات تسجيل نسبة نمو قدرها 3.8 في المائة للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة أي بعد التخلص من عامل التضخم. وعاود تهديد شبح التضخم في الفترة الأخيرة (سنتين) نتيجة أسباب متباينة تشمل ارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا، التي بدورها توفر الأرضية لقيام جهات مستوردة للنفط بزيادة أسعار صادراتها مثل المنتجات الزراعية. تعد نسبة النمو هذه أي 3.8 في المئة بالأسعار الثابتة مميزة في ظل ظروف دولية ما زالت تعاني تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تم الكشف عنها في 2008, الأمر الذي أدى إلى تصدع الثقة بالاقتصاد العالمي. بل ليس من المستبعد تسجيل نسب نمو مرتفعة متميزة لفترة زمنية, وذلك على خلفية القدرة المتنامية للمملكة على زيادة النفقات العامة بالنظر لارتفاع وبقاء أسعار النفط مرتفعة خلال المستقبل المنظور. المعروف أن السعودية قامت في الآونة الأخيرة برفع مستوى إنتاجها النفطي كضامن لتوافر كميات كافية من النفط الخام, وذلك بسبب المشكلات المرتبطة بالتطورات السياسية والأمنية في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها ليبيا وهي البدل العضو في منظمة أوبك. تعد السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، كما يمثل القطاع النفطي حجر الزاوية في إيرادات الخزانة العامة. ختاما، ليس من المتوقع أن تتسبب زيادة النفقات العامة في عودة شبح التضخم كما كان عليه الحال في 2007 و2008 لأسباب موضوعية. فأسعار النفط حتى لو كانت مرتفعة فهي أقل من تلك التي كانت سائدة في السنوات القليلة الماضية، حيث وصلت إلى 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) من عام 2008, الأمر الذي شكل الأرضية لقيام بعض الدول المصدرة برفع أسعار منتجاتها في ظل تراجع قيمة الدولار الأمريكي، مسببة ما عرف بظاهرة التضخم المستورد. باختصار، تتمتع السعودية بظروف اقتصادية إيجابية في الوقت الحاضر.