لا تكتسب بالزواج.. تعديلات جديدة في قانون الجنسية الكويتية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    يونس محمود ينتقد ترشيح المنتخب السعودي للقب كأس الخليج    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنبؤات بتسارع معدلات النمو الاقتصادي لتصل إلى 3.9% ونمو القطاع الخاص 3.7% في نقطة تحول للأعمال التجارية
تحسن بطيء للاقتصاد السعودي 2010م ولكنه مؤكد

من المرجّح أنْ يتخذ تعافي الاقتصاد السعودي منحى تدريجياً وثابتاً خلال العام الجاري. إذ من المتوقّع أنْ يتسارع النمو الاقتصادي بعد سنة صعبة اتسمت بالركود. لكنّ معدلات التضّخم ستظل قابلة للإدارة بسهولة، مع أنها ستسجّل مستويات تاريخية مرتفعة. وسيسير القطاع الخاص نحو الأفضل وسط توسيع البنوك السعودية لنشاطها الائتماني. ومن خلال برنامج الانفاق العام لتحفيز الاقتصاد، ستواصل الحكومة السعودية قيادتها لعملية تعافي الاقتصاد الوطني. كما أنّ متوسط سعر برميل النفط السعودي البالغ حالياً نحو أربعة وسبعين دولاراً والمستويات المنخفضة للدين العام، يعزّزان الوضع المالي للمملكة. أما ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات أعلى، فإنه قد يمكّن المملكة من تسجيل فائض مريح في ميزانيتها وحسابها الجاري.
وعلى الرغم من توافر العديد من مقومات دعم تعافي أكبرِ اقتصاد في الشرق الأوسط، إلا أننا خفّضنا بشكل طفيف معدّل نمو الاقتصاد السعودي المتوقّع لعام 2010، من 4% إلى 3.9%، وذلك انطلاقاً من قناعتنا بأنّ توسيع النشاط الاقتصادي سيكون تدريجياً ومشوباً بالحذر. في هذه الأثناء، تبدي الحكومة السعودية التزاماً ثابتاً بمواجهة شحّ السيولة. كما يُحتمل أنْ تخفف البنوك من ممانعتها لإقراض القطاعيْن العامّ والخاص، التي مثلت إحدى العقبات التي واجهها نمو القطاع الخاص في عام 2009. ففي العام الماضي، تراجع حجم القروض التي منحتها البنوك للقطاعيْن العام والخاص بنحو 5% بعدما نما بنسبة 30% في عام 2008. لكنْ في العام الجاري، ستضطر البنوك إلى الاقراض بسخاء بعد خروجها من فترة اتسمت بالعائدات الضئيلة، فضلاً عن البيئة غير الملائمة للإحجام عن الاقراض بسبب تدنّي أسعار الفائدة.
ولم تكن البنوك المحليّة الجهة الوحيدة التي عرقلت نمو القطاع الخاص غير النفطي في عام 2009، لأنّ شُحّ القروض الدولية دفع الشركات السعودية الخاصة إلى تأجيل أو الغاء العديد من المشروعات، فاحتفظت بمواردها المالية وأعادت هيكلة نفسها. ولا يقل تقييم مدى إقبال القطاع الخاص على التوسّع أهميّةً عن تحديد مدى استعداد البنوك للاقراض. نحن نرى أنّ القطاع الخاص السعودي يرغب في الاستثمار والنمو لكنْ بمستويات أكثر تحفظاً من مستويات عام 2008.
إلى جانب ظاهرة تلافي المخاطر التي بدأت تتلاشى تدريجياً، سُجّل مؤخراً تراجع ملحوظ في انتاجية القطاعيْن العامّ والخاص، وهو ما يتطلّب دراسة دقيقة. إذ يمثّل انخفاض الانتاجية أحد أسباب تباطؤ النمو الاقتصادي خلال السنوات الأربع الماضية، بما فيها عام 2007 وعام 2008، حيث عزّزت أسعار النفط المرتفعة مستوى الازدهار الاقتصادي الاقليمي. ففي الشهر الماضي، خفّضت الحكومة السعودية المعدليْن الحقيقييْن لنمو إجمالي الناتج المحلي في عام 2007 (من 3.3%) إلى 2%؛ وفي عام 2008 (من 4.45%) إلى 4.3%.
إذاً، لم يتجاوز معدّل النمو الحقيقي للاقتصاد السعودي حدّ الخمسة في المائة منذ عام 2005. كما أنّ وتيرة توسيع القطاع الخاص الذي نما بأكثر من 5% سنوياً بين عاميّ 2004 و2007 انخفضت إلى مستويات نعتبرها غير كافية لخلق كميات فرص العمل التي تمكّن المملكة من تلبية احتياجات سكانها الذين يشكلون ثلثي مجموع سكان منطقة مجلس التعاون الخليجي، وتنمو أعدادهم بنحو 2% سنوياً. فقد نما القطاع الخاص بمعدّل 2.5% فقط في عام 2009، ونتوقّع أن يرتفع هذا المعدّل إلى 3.7% في عام 2010.
سجّل الانفاق المالي العام في المملكة مستوى قياسياً تاريخياً مرتفعاً وقطع شوطاً كبيراً نحو إعادة كامل الزخم إلى الاقتصاد الوطني. لكنّ فاعلية الانفاق العام في إنعاش الاقتصاد ودعم القطاع الخاص ظلّت دون توقعات الحكومة، التي تسعى جاهدة لتعزيز دور الأخير في إيجاد فرص العمل في المستقبل. كما أنّ الشركات الصغيرة والمتوسطة لم تكن من ضمن المستفيدين الرئيسيين من الأموال العامة التي ضُخّت في الاقتصاد السعودي.
ولطالما منحت الحكومة السعوديّة الشركات الوطنية الكبيرة عقوداً ضخمة لتوسيع قطاعي النفط والبتروكيمياويات. لكنْ ينبغي على مثل هذه العقود أن تجلب العديد من الأعمال غير المباشرة للبنوك وشركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة وشركات مواد البناء والتجّار، لتشكّل بذلك دعامةً قويّة لنمو الشركات الصغيرة والمتوسطة. بالتالي، من الممكن فعل الكثير لأجْل إنعاش قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، الذي اختفى تقريباً منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
ليس هذا وحسب، بل إنّ إنتاجية القطاع الخاص انخفضت بعدما سجلت معدلات مرتفعة خلال الجزء الأكبر من العقد الماضي. وهذا، بحدّ ذاته، يمثّل تحدياً كبيراً ستواجهه الحكومة السعودية خلال السنوات المقبلة في إطار جهودها الرامية إلى تعزيز إنتاجية القطاع العام وإرساء الأسس الكفيلة بتسريع وتيرة نموه. إذ تمثّل الانتاجية المرتفعة محرّكاً رئيسياً للتنمية الاقتصادية المستدامة. فرفع الانتاجية يُعزّز الازدهار الوطني وقدرة الشركات الوطنية على المنافسة. كما يسمح بتحقيق النمو من دون تضخم ويوفّر أرضية صلبة للتنمية الاجتماعية. ومن وجهة نظرنا، ستظلّ الانتاجية على المدى البعيد المحرّك المستدام الوحيد لإيجاد فرص عمل جديدة في القطاع الخاص.
تركي الحقيل
التحوّل الطفيف
في عام 2009، سجّل الاقتصاد السعودي معدّل نمو فاق التوقعات قدره 0.15%، بينما تراجع إجمالي الناتج المحلي الاسمي بنسبة 21% تقريباً جرّاء تقلّبات أسعار النفط، طبقاً للتقديرات الرسمية السعودية. وانخفضت عائدات قطاع النفط بأقل من المستوى المتوقع، حيث انخفضت بنسبة 6.4%، ما سمح بنمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة في العام الماضي؛ بينما عانى معظم اقتصادات العالم الرئيسية من الركود. لقد توقّعنا انكماشاً بنسبة 9.1% في قطاع النفط، ما يعني أننا قللنا من شأن دور استثمارات شركة أرامكو السعودية في توسيع قطاع النفط السعودي.
وانحسر إقبال القطاع الخاص على الاستثمار وكذلك طلب المستهلك المحلي، ما أسهم في تراجع أداء القطاع الخاص غير النفطي. إذ انخفض معدّل نمو القطاع الخاص بشكل حاد إلى 2.5%، بالمقارنة مع 4.7% في العام السابق. وكان الائتمان الدولي والمحليّ شحيحاً، ما دفع العديد من الشركات إلى تأجيل أو إلغاء العديد من المشروعات وتفضيل الاحتفاظ بمواردها المالية. بالنتيجة، سجّل معدل نمو القطاع الخاص في عام 2009، أدنى مستوى له منذ أربعة عشر عاماً.
وازداد حذر العديد من الشركات الخاصّة لأنها حاولت الوفاء بالتزاماتها الائتمانية وسط تفاقم أزمة الائتمان العالمية وانهيار أسواق الأسهم. وحتى صفقات العقارات توقّفت خلال الربع الثاني، فظلت أسعار العقارات الأساسية ثابتة عملياً لأنّ بضعة مستثمرين فقط قرروا شراء أو بيع عقارات. كما أنّ مبيعات السيارات، وهي أحد مؤشرات طلب المستهلكين، تراجعت بأكثر من 25% في بعض شهور النصف الأوّل من السنة. لكنّ معدّل الانخفاض السنوي العام لمبيعات السيارات بلغ 7% تقريباً، لأنّ الطلب عليها عاد إلى النمو في وقت لاحق من السنة.
نحن نشعر بتفاؤل حذر إزاء إمكانية تحسّن أداء القطاع الخاص في عام 2010، لأننا نستبعد أنْ ينمو بمعدّلات مرتفعة. وترتبط السلبيات ذات العلاقة برغبة البنوك في الاقراض واستعداد القطاع الخاص للاستثمار. بالتالي، نتوقّع أنْ ينمو الناتج الاجمالي للقطاع الخاص بنسبة 3.7% في العام الجاري، ليساهم بأكثر من 47% من معدّل نمو إجمالي الناتج المحلي إذا بقيت الأسعار ثابتة.
وفي ظل أسعار النفط التي تناهز الثمانين دولاراً للبرميل حالياً وبداية عودة اقتصادات العالم الرئيسية إلى النمو، يبدو أنّ المملكة التي تُعدُّ من أكبر مصدّري النفط والبتروكيمياويات في العالم، ستستفيد من تحسن أوضاع الاقتصاد العالمي. لذا، نتوقّع نمواً حقيقياً في الاقتصاد السعودي بمعدّل 3.9% في العام الجاري ونمواً حقيقياً في إجمالي الناتج النفطي بمعدّل 4.1% (أي 28% من معدّل نمو إجمالي الناتج المحلي). ونتوقع أنْ يرتفع معدّل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 4.8% في عام 2011، أي بأسرع وتيرة خلال السنوات الستّ الأخيرة، لكنْ شريطةَ أنْ يعود كامل الزخم إلى القطاعيْن المصرفي والخاص.
نحن نتوقّع أن ينمو القطاع العام الذي يشكّل أكثر من خمس إجمالي الناتج المحلي بقليل بنحو 4.1% في عام 2010، وهذا ارتفاع طفيف على معدل النمو الذي سجّله في العام الماضي وقدره 4%، وذلك لأنّ الحكومة تواصل قيادة عملية إنعاش الاقتصاد الوطني. لكنّ القطاع العام لم يسجّل معدّلات نمو أكبر من 4% إلا ثلاث مرات خلال السنوات العشرين الأخيرة (1992, 1997 و 2005). ولدعم عملية تحسّن المناخ الاقتصادي، تعهّدت الحكومة السعودية بمواصلة الانفاق بمستويات تاريخية مرتفعة على مدى سنوات الخطة الخمسية الحالية (من عام 2009 إلى عام 2013)، بما في ذلك استثمار 400 مليار دولار في البنى التحتية وتوسيع الطاقة الانتاجية للنفط والغاز. واستمرّت الحكومة أيضاً في تجاوز الميزانيات العامّة. ففي عام 2009، فاق مستوى الانفاق العام الحقيقي الميزانية العامة المعلَنة بنحو 16%.
علاوة على ذلك، وسعت المملكة ميزانيتها لعام 2010. إذ نما حجم الانفاق العام المُعلن بنسبة 13.7%، ليسجّل مستوى تاريخياً مرتفعاً قدره 540 مليار ريال سعودي. وترمي أكبر ميزانية في تاريخ المملكة إلى تشجيع شركات القطاع الخاص على الاستثمار وحثّ البنوك المتخمة بالسيولة، على توسيع نشاطها الائتماني الذي ظلّ متواضعاً في عام 2009.
وطبقاً لتقديرات الميزانية العامة، التي نعتقد أنها استندت إلى متوسطٍ لسعر برميل النفط السعودي قدره أربعة وأربعون دولاراً، سيرتفع مستوى العجز في الميزانية العامة إلى سبعين مليار ريال سعودي في عام 2010، بعدما جاء دون التوقعات في عام 2009، وبلغ فقط خمسة وأربعين مليار ريال سعودي.
نحن نشعر بقدر أكبر من التفاؤل إزاء أسعار النفط ومعدّل نمو الطلب العالمي على الطاقة، لا سيما الطلب الآسيوي. فقد تنبّأت وكالة معلومات الطاقة بأنّ الاستهلاك العالمي للنفط سينمو بواقع 1.1 مليون برميل يومياً في عام 2010، ليصل إلى 85.2 مليون برميل يومياً. وطبقاً لتوقّعاتنا، سيصل مجموع إيرادات الحكومة السعودية إلى 699.2 مليار ريال سعودي، بينما ستُنفِق 621.3 مليار ريال سعودي، ما سيُمكّنها من تسجيل فائض مريح نسبياً قدره 77.9 مليار ريال سعودي.
ونتوقّع أيضاً أنْ يتلقّى نمو القطاع الخاص دفعة قويّة بفضل هذه الاتجاهات لأنّ القطاعات الرئيسية تستفيد من ارتفاع أسعار النفط ونمو الطلب العالمي على البتروكيماويات. ومن المحتمل أنْ ينمو الطلب المحلي أيضاً، ما سيدفع تُجّار الجملة والتجزئة إلى توسيع الخدمات وتخزين كميات أكبر من السلع لتلبية نمو الطلب المتوقّع.
في ما يلي، سنعرض توقعاتنا بشأن بعض الاتجاهات الرئيسية في القطاعات الاقتصادية غير النفطية خلال العام الجاري:
القطاع المالي
واصلت معدلات نمو الناتج الاجمالي للقطاع المالي اتجاهها التنازلي في عاميّ عام 2008 و2009، لأنّ البنوك سجّلت أداءً ضعيفاً على صعيديّ الأرباح ومعدّلات نمو الأصول. إذ تراجع معدل نمو الناتج الاجمالي لهذا القطاع إلى 2.8% في عام 2008، وإلى 1.8% في عام 2009. وفي العام الماضي، تحديداً، كاد ينعدم الاقراض المصرفي إلى القطاع الخاص. فعلى الرغم من تخمة السيولة، نما حجم الاقراض المصرفي إلى القطاع الخاص بنسبة 2% فقط، بعدما سجّل 27% في السنة السابقة. وفي العام الماضي، تراجع معدّل نمو الحجم الكلي للقروض المصرفيّة المحلية (بما فيها الممنوحة إلى الكيانات العامّة) بنحو 5.4%.
وبما أنّ الاستعداد للمخاطرة عاد إلى البنوك خلال العام الجاري، وإنْ بشكل حذر، نتوقّع أنْ ينمو قطاع المال والتأمين والعقارات بمعدّل 3.8% في عام 2010؛ أيْ بأكثر من ضعف المعدّل الذي سجّله في العام الماضي. كما نتوقّع أنْ تتسارع وتيرة توسيع النشاط الائتماني المصرفي خلال النصف الثاني من عام 2010، ما سيؤدّي إلى تحسين بيانات نسب القروض إلى الودائع المدَّخرة في البنوك السعودية. لكنّ البنوك لن تتهافت على دعم القطاع الخاص خلال العام الجاري.
التحديات والمتاعب التي واجهت العائلتين السعوديتين المعروفتين ب مجموعة سعد التي يديرها معن الصانع وشركة احمد حمد القصيبي واخوانه ساهمت البنوك المحلية بأخذ مزيد من الخطر في عمليات الاقراض. المصارف والبنوك السعودية اخذت مخصصات مالية عالية العام الماضي مقابل خسائر القروض المحتملة المتعلقة بهاتين الشركتين وغيرهما التي دفعت المصارف والبنوك المحلية على ابقاء السيولة من عدم اقراضها.
وفي هذه الأثناء، أودعت البنوك أجزاء كبيرة من أموالها في مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي) كما استثمرت في الأصول الأجنبية. إذ بلغ مجموع احتياطيات البنوك السعودية المودَعة على شكل اتفاقيات إعادة شراء 89.85 مليار ريال سعودي في أواخر نوفمبر الماضي أيْ أكثر من ضعف مستواه في أواخر عام 2008. وخلال الشهور الأحد عشر الأولى من عام 2009، ارتفعت أيضاً القيمة الكليّة للأصول المملوكة للبنوك السعودية في الخارج بنسبة 32%، فوصلت إلى 203.74 مليارات ريال سعودي.
طبقاً لتوقّعاتنا، سينمو حجم قروض البنوك السعودية إلى القطاع الخاص بنسبة 8% في عام 2010، بالمقارنة مع 2.1% في عام 2009. وتفوق هذه النسبة تلك التي تنبّأنا بها في وقت سابق، وذلك بسبب بعض تحفظاتنا السابقة المتعلّقة بآفاق تحسّن أداء القطاع غير النفطي خلال الأرباع المقبلة.نتوقع ان يتعافى وينتعش الائتمان في عام 2011 بارتفاع شهية القطاع الخاص ليصبح اكثر قوة. من المتوقع ارتفاع متطلبات القطاع الخاص بنحو 13% في العام القادم.
لم تترك مشكلة ديون دبي أثراً يُذكر على أداء البنوك السعودية. لذا، نعتقد أنّ انكشافها المباشر على تلك الديون كان محدوداً للغاية. علاوة على ذلك، لطالما اتبعت مؤسسة النقد العربي السعودي سياسة حازمة تجاه مؤسسات الائتمان العابرة للحدود الثنائية. غير أنّ انكشاف مستثمري القطاع الخاص السعودي على الأسواق العقارية الاقليمية يبدو كبيراً، ما يعني أنّ اتّجاه هذه الأسواق سيؤثّر في محافظهم الاستثمارية.
أما سعر فائدة الاقراض بين البنوك السعوديّة، فقد ظل ثابتاً خلال الشهرين الماضييْن. وفي مطلع يناير، بلغ هذا السعر بالنسبة للاقراض لمدّة ثلاثة أشهر 0.77125% ليتساوى بذلك تقريباً مع مستواه في نوفمبر ويفوق، بشكل كبير، مستواه القياسي المنخفض الذي سجّله في فصل الصيف. ومن المستبعد أنْ تفرض مؤسسة النقد العربي السعودي قيوداً نقدية صارمة خلال معظم العام الجاري، بل وعلى مدى العام كلّه، إلا إذا نمت الضغوط التضخّمية بوتيرة متسارعة. حينئذٍ، قد تُشدّد هذه المؤسسة من إجراءات سياستها النقدية، بما في ذلك رفع أسعار الفائدة بنسب كبيرة. نحن نتوقّع أنْ نشهد في مثل هذه الحالة إجراءات بشأن أسعار فائدة اتفاقيات إعادة الشراء أولاً، ثم بشأن أسعار فائدة اتفاقيات إعادة الشراء العكسي أو الودائع.
قطاع الإنشاءات
بلغ معدّل النمو الحقيقي لقطاع البناء السعودي 3.9% في عام 2009 وهذه وتيرة أعلى من وتيرة العام السابق عندما بلغ معدّل النمو 2.2%. وتمثّل أحد الأسباب الرئيسية لهذا النمو بالاستثمار الحكومي السخي في البنى التحتية. ومن وجهة نظرنا، ما زال ينبغي فعل الكثير لتلبية الطلب المحلي المتنامي على المساكن. إذ نقدّر، في ظل المعطيات الراهنة، أنّ المملكة ستحتاج إلى بناء 255 ألف وحدة سكنية سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. ففي الحقيقة، يعاني قطاع العقارات السعودي من نقص كبير في الوحدات السكنية منذ فترة، الأمر الذي حماه من التصحيحات السعرية الحادّة التي شهدتها الدول المجاورة، لا سيما الإمارات العربية المتحدة.
نحن نتوقّع أنْ يستمر الطلب على المزيد من الوحدات السكنية بفعل حاجة السكان إليها، بالدرجة الأولى. فخلافاً لدول الخليج المجاورة، كالإمارات العربية المتحدة وقطر، يمثّل العدد الكبير لسكان المملكة المحرّك الرئيسي لاستقرار الطلب المحلي على المساكن حتى في أوقات الأداء الاقتصادي الضعيف. ولا تزال غالبية مناطق المملكة تعاني من نقص ملحوظ في عدد الوحدات السكنية المتوافرة، ما فرض ضغطوطاً تضّخمية إضافية على أسعار السلع الاستهلاكية خلال السنتين الماضيتيْن. على صعيد آخر، هناك نشاط عمراني واضح بفضل برنامج الانفاق الحكومي السخي. ففي موقع جامعة الأميرة نورة وحده، وهو مشروع تُقدَّر تكلفته بنحو 26 مليار ريال سعودي، يستطيع المرء أن يشاهد 150 رافعة في الموقع. وفي هذه الأثناء، سُجَّل تقدّم سريع نحو إنجاز مركز الملك عبد الله المالي وشارع الملك عبد الله؛ وكلاهما في الرياض.
وفي عام 2009، ازدادت مبيعات شركات الاسمنت السعودية بنسبة 15% بالمقارنة مع السنة السابقة، طبقاً للبيانات المتوافرة حتى شهر نوفمبر. نحن نتنبّأ بأنْ يتوسّع قطاع البناء بنسبة 4.5% في عام 2010، إذا ظلّت الأسعار ثابتة، لأننا نتوقّع إنجاز مشروعات عقارية جديدة لتقليص الفجوة بين العرض والطلب.
التصنيع
في عام 2009، تباطأ نمو الناتج الاجمالي لقطاع الصناعة بشكل حاد ليبلغ 1.7% فقط، في مقابل 6% تقريباً في عام 2008. ولم يكن هذا التراجع مفاجئاً نظراً إلى التباطؤ العام في نمو الاقتصاد المحلي وتراجع الطلب العالمي على السلع، وبخاصّة البتروكيمياويات. فعلى سبيل المثال، انخفضت قيمة صادرات المملكة من البتروكيمياويات والبلاستيك بنسبة 21.5% بين يناير وسبتمبر من عام 2009، طبقاً للبيانات الأولية لمصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات. وفي مطلع عام 2009، قرّرت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) وقف الانتاج تماماً في بعض منشآتها، فضلاً عن وقف عمليات إنتاج الفولاذ في المملكة بصورة مؤقتة بهدف التكيّف مع حالة الركود.
إنّ قطاع الصناعة السعودي مرشّح للاستفادة من نمو الطلب المحلي والعالمي المتوقع في العام الجاري، لا سيما في نصفه الثاني. لكنّ أيّ تحسن محتمل سيكون تدريجياً. وتدعم أرباح شركة سابك هذا التفاؤل. ففي عام 2009، وبعد الاعلان عن تكبّد خسائر في الربع الأول، فاقت أرباح شركة سابك في الربع الثالث ضعفيّ أرباح الربع الثاني.
نحن نتوقّع أنْ ينمو قطاع الصناعة بمعدل 4.1% في عام 2010، بفضل نمو الطلب على البتروكيمياويات وارتفاع أسعار النفط وتوافر المزيد من الطاقات الانتاجية. فأسعار النفط المرتفعة تعزّز القدرة التنافسية للمنتجين السعوديين. فعلى سبيل المثال، يتعيّن على أسعار النفط أنْ تنخفض إلى ما دون الخمسة وعشرين دولاراً للبرميل، لكي يبدأ منتجو النّفتلين الآخرون بمنافسة المنتجين السعوديين.
تجارة الجملة والتجزئة
طبقاً لتقديراتنا، قد ينمو الناتج الاجمالي لقطاع البيع بالجملة وبالتجزئة في العام الجاري بمعدّل 3.6%، مقارنةً بنحو 1.97% في عام 2009. ومع أنّ المستهلك السعودي هو الأكثر حساسيّةً إزاء ارتفاع أسعار السلع مقارنةً بمستهلكي معظم دول الخليج العربية الأخرى، إلا أنّ عدد سكان المملكة الكبير كفيل بموازنة هذا العامل. كما أنّ معدلات النمو السكاني المرتفعة في المملكة وشريحة الشباب السعودي الواسعة، سيدعمان استمرارية الطلب على السلع الاستهلاكية المستوردَة.
تعتمد قيمة صادرات المملكة بشكل كبير على أسعار النفط ومستويات الطلب عليه. وفي عام 2009، شكّلت قيمة الصادرات النفطية 85% من القيمة الكليّة لصادرات المملكة التي قُدّرت بنحو 153 مليار دولار. أما الصادرات غير النفطية، لا سيما البتروكيماويات ومشتقات النفط، فقد كان أداؤها جيداً نسبياً خلال السنوات القليلة الماضية بفضل القدرة التنافسية للمملكة في هذا المجال. فعلى الرغم من ركود الاقتصاد العالمي، لم تنخفض الصادرات غير النفطية السعودية إلا بنسبة 16% في عام 2009. ومن المحتمل أن تعود هذه الصادرات إلى مسارها التصاعدي خلال العام الجاري، بينما ستزاداد الواردات، على الأرجح، بسبب نزوع تجّار الجملة والتجزئة إلى تعزيز مخزوناتهم من السلع الاستهلاكية المستوردة، تحسّباً لنمو الطلب المحلي عليها.
كما أنّ مشروعات الدولة التي تستلزم استثمارات رأسمالية مكثفة ستدعم استمرارية نمو الواردات. ففي نوفمبر، قفز معدّل إصدار رسائل الاعتماد المصرفي الجديدة بنسبة 34% بالمقارنة مع نفس الشهر من العام السابق؛ وجاء ذلك بعد شهور عديدة من التراجع الذي تراوح ما بين 25% و40%، بالمقارنة مع نفس الشهور من السنة السابقة. ومن المحتمل أنْ تؤدي رسائل الاعتماد المصرفي التي تغطي العديد من السلع المستوردة، كالمواد الغذائية والسيارات والمكائن، إلى تحسين أداء القطاع الخاص ومعدّل استهلاك الفرد. نحن نتوقّع أن ترتفع القيمة الكليّة لواردات المملكة إلى 94.7 مليار دولار في عام 2010، بعدما انخفضت بنسبة 21% ووصلت إلى 80.3 مليار دولار في عام 2009.
بفضل النمو المرتقب في عائدات النفط، نتوقّع أنْ يزداد حجم الفائض في الحساب الجاري للمملكة ليبلغ 98.7 مليار ريال سعودي في العام الجاري أو ما يعادل 6.2% من إجمالي الناتج المحلي، في مقابل 76.7 مليار ريال سعودي في العام الماضي. وفي المستقبل القريب، نستبعد إمكانية تسجيل أي فائض في الحساب الجاري يفوق نسبة 28% من إجمالي الناتج المحلي كما حدث في عاميّ 2005 و2008، حيث سجّلت المملكة على هذا الصعيد أعلى نسبتيْن في تاريخها الحديث. لكنّ الفوائض المتوقّعة خلال السنتين المقبلتيْن ستمكّن المملكة من إدارة ميزان المدفوعات بارتياح.
من الواضح أنّ الانخفاض الحادّ بنسبة 45.6% في عائدات الصادرات النفطية خلال العام الماضي أدّى إلى تراجع نسبة الفائض في الحساب الجاري للمملكة إلى 5.5%، من إجمالي ناتجها المحلي. لكننا نرى أنّ هذه النسبة سترتفع إلى 6.2% في العام الجاري بفضل نمو عائدات النفط التي ستوازن أيضاً تسرّب السيولة المتوقّع، عبر الحوالات المالية للعمالة الوافدة. كما أنّ الانفاق على مجمل الخدمات مرشح للازدياد بشكل طفيف في العاميْن الجاري والمقبل؛ أيْ ليس بنفس المستوى المرتفع الذي سُجّل في عام 2008. وبفضل تنامي قدرة الدولة على تمويل الخدمات، سيزداد أيضاً حجم إنفاقها على الخدمات المستوردة في عاميّ 2010 و2011، مثل (الانفاق الدفاعي) والخدمات الأخرى (بما فيها الجعالات وخدمات الأعمال، بالإضافة إلى الانفاق على البناء والسفر. وسيساهم الدخل الذي ستولّده استثمارات مؤسسة النقد العربي السعودي والقطاع الخاص في دعم الفائض في الحساب الجاري خلال عاميّ 2010 و2011. ومن شأن الارتفاع المتوقّع في أسعار النفط أنْ يوفّر دعامة قويّة لنمو فائض الحساب الجاري للمملكة، حتى في حال إقبالها على زيادة وارداتها.
الكهرباء والغاز والماء
في عام 2009، تراجع معدّل نمو قطاع الكهرباء والغاز والماء وسط أسعار ثابتة إلى 3.4% بعدما سجّل 6.7% في العام السابق. لكننا نتوقّع أنْ ينمو هذا القطاع في العام الجاري بمعدّل جيّد قدره 4.3%. فنظراً إلى تزايد الطلب المتوقّع على خدمات هذا القطاع في السنوات المقبلة، ستستثمر الحكومة والقطاع الخاص مبالغ إضافية ضخمة لتعزيز قدرة القطاع على تلبية هذا الطلب المتنامي. ففي عام 2008، نمت الطاقة الاجمالية لتوليد الطاقة الكهربائية بنسبة 5.7%، بينما ينمو الطلب المحلي على كلٍّ من الكهرباء والغاز والماء بنحو 8% سنوياً.
وتتمثّل العوامل الرئيسية لنمو الطلب على هذه الخدمات الأساسية بمعدلات النمو السكاني السنوية المرتفعة وازدياد عدد البيوت والشقق التي يقطنها عدد صغير من الأفراد، لا سيما الشبان العازبون، ونمو طلب القطاع الصناعي والانخفاض الحادّ في مخزون الآبار الجوفية.
النقل والتخزين والاتصالات
نتوقّع أنْ ينمو قطاع الاتصالات والنقل بمعدّل 4.8% خلال العام الجاري، مع أنه كان الأسرع نمواً في العام الماضي بمعدّل 6%. فقد توسّع قطاع الاتصالات السعودي بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة إثر دخول شركتيْن جديدتيْن لخدمات الهاتف الجوّال إلى السوق المحلية، وتنافسهما مع شركة الاتصالات السعودية التي كانت قائمة قبلهما. وفي نوفمبر، وصل إلى ستّة ملايين عدد مشتركي شركة زين السعودية، وهي ثالث أكبر شركة لخدمات الهاتف الجوّال في المملكة، بينما تجاوز إجمالي عدد المشتركين في خدمات الهاتف الجوّال السعودية واحداً وأربعين مليون مشترك مع نهاية الربع الثالث.
أما على صعيد النقل، فقد خُصّص جزء كبير من ميزانية المملكة لعام 2010، لشقّ طرقٍ وبناء جسورٍ جديدة، مما سيُحفّز نمو هذا القطاع. النقل في المملكة هاجس كبير في ظل غياب النقل العام الذي يزيد من الضغوطات على الطرق.
الزراعة
طبقاً لتقديراتنا، قد ينمو الناتج الاجمالي لقطاع الزراعة السعودي بمعدّل 0.5% في عام 2010، ليتجاوز بذلك معدّل العام الماضي الذي بلغ 0.2%. ولئن بدا هذا المعدّل ضئيلاً للوهلة الأولى، إلا أنه ينسجم مع سياسة الدولة التي تقضي بالابتعاد عن الانتاج الزراعي واستيراد السلع الزراعية الرئيسية، بما فيها الحنطة. فقد تخلت المملكة عن برنامج طوّرته على مدى ثلاثين عاماً لإنتاج الحنطة محلياً، وذلك في إطار استراتيجيتها الرامية إلى ترشيد استهلاك المياه عبر التخلي عن إنتاج المحاصيل التي تستهلك المياه بشكل مكثّف.
خدمات الجاليات
والمجتمع والأفراد
يعتمد هذا القطاع بشكل كبير على مدى إقبال وشهية الاستهلاك من الافراد في مجالات تتراوح من التعليم الخاص والرعاية الصحية الى المرافق الترفيهية والرياضية. من المرجح ان ينمو هذا القطاع بمعدل 3.5%، أيْ بنفس المعدّل الذي سجله في عام 2009.
التضّخم
بعدما ارتفع معدّل التضخم إلى 9.9% في عام 2008، انحسرت الضغوط التضخّمية في عام 2009، نتيجةً لتراجع الطلب المحلي وانخفاض الأسعار العالمية للسلع، بما فيها أسعار المواد الغذائية، فضلاً عن انخفاض أسعار الإيجار المحلية. ومع أنّ هذه الظروف ولّدت اتّجاهات انكماشية في بعض دول الخليج، خصوصاً في قطر، إلا أنّنا لا نتوقع حدوث أي تراجع كبير في معدل التضّخم في المملكة خلال العام الجاري.
بالتالي، نتوقّع أنْ يبلغ متوسط المعدل السنوي للتضّخم في المملكة حوالي 4.3% في العام الجاري، بالمقارنة مع 5.1% في عام 2009. لكنّ تعاظم النشاط الاقتصادي المحلي ونمو الطلب المحلي وارتفاع أسعار الإيجارت والمواد الغذائية وعُنصر التضخّم المستورد، عوامل من شأنها أنْ تفرض ضغوطاً تضّخمية متزايدة. كما أنّ فائض السيولة في السوق (الامداد النقدي الواسع) يسهم أيضاً في رفع الأسعار؛ إلا أننا نعتقد أنّ هذا لن يحدث قبل النصف الثاني من السنة، على أقرب تقدير.
أصول المملكة في الخارج
إنّ أصول المملكة الضخمة في الخارج تمكّنها من تنفيذ سياسة "إعادة تدوير الأصول"، التي تسمح بمستويات عالية من الانفاق العام عندما تتراجع إيرادات الدولة. وبلغت قيمة صافي الأصول التي تمتلكها المملكة في الخارج والتي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي، 1.46 تريليون ريال سعودي في أواخر شهر نوفمبر، أيْ أكثر من 100% من إجمالي الناتج المحلي. ونحن نتوقّع أن يتجاوز معدّل نمو الأصول السعودية في الخارج معدّل النمو الاسمي للاقتصاد السعودي في عام 2010، ما سيمثّل رصيداً مالياً ضخماً للمملكة.
لقد تراجعت قيمة أصول المملكة في الخارج خلال معظم عام 2009، بسبب التأثير المالي المزدوج لانخفاض عائدات النفط وازدياد الانفاق العام. نحن لا نتوقع حدوث أي تغيّر في طريقة إدارة مؤسسة النقد العربي السعودي للأصول التي تمتلكها المملكة في الخارج أو في استراتيجيتها المتحفّظة في مجال التخصيصات الاستثمارية الرأسمالية، مع أنها تتسم بمستوى جيّد من توافر السيولة. فهذه الاستراتيجية هي التي حافظت على الأصول المملوكة في الخارج لكي تُستخدم في الأوقات التي تشهد تراجعاً حاداً في إيرادات الدولة.
ستواصل الأصول المملوكة في الخارج دعم برنامج الانفاق الحكومي الواسع. لكنْ مع ازدياد عائدات النفط خلال السنة، نتوقّع أنْ تزداد قيمة صافي هذه الأصول التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي بنسبة 14% في العام الجاري لتصل إلى 1.67 تريليون ريال سعودي. وإلى جانب الدعم المالي، لعبت أصول المملكة في الخارج دوراً مهماً في مساندة المؤسسات المالية الدولية منذ السبعينيات. لكنْ توجد بعض المجالات التي لم تعتمد فيها الحكومة السعودية على أصولها الأجنبية:
أ) لم تستخدم مؤسسة النقد العربي السعودي الأصول الأجنبية (المملوكة في الخارج) لتسديد الدين العام الداخلي الذي يعود بكامله إلى البنوك المحليّة ومؤسسات أخرى. هذا التوجه ليس حصيفاً لأنّ سحب الأموال من الداخل وإيداعها في الخارج يؤثّر سلباً في صافي الأصول الأجنبية بشكل دوري؛
ب) لا تُكوّن الحكومة ودائعها من العملة الوطنية الموجودة في البنوك المحليّة من خلال أصولها الأجنبية، بل تكوّنها من خلال أدوات السيولة الرسمية الأخرى. في المقابل، قد تولِّد الحكومة ودائعها بالدولار الأمريكي من خلال أصولها الأجنبية، لكنّ هذه الودائع تشكّل جزءاً يسيراً من إجمالي ودائع الحكومة في النظام المصرفي المحليّ؛
ج) رُفعت قيمة حقوق السحب الخاصة منذ أغسطس 2009، من 748 مليون دولار في يوليو إلى 11.2 مليار دولار في نوفمبر عام 2009، وهي جزء لا يتجزأ من قاعدة الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي ولكنها حالياً بعهدة صندوق النقد الدولي ولا تشكّل أي مساهمة في هذا الصندوق. لذا، ينبغي على مؤسسة النقد العربي السعودي أنْ تتولى إدارة هذه الأموال التي تشكل جزءاً من قاعدة أصولها الأجنبية؛ وهي مصنّفة كذلك بالفعل.
التراجع في الانتاجية
إنّ نمو الطلب العالمي على الطاقة والبتروكيماويات يبشّر بالخير بالنسبة لمقوّمات الاقتصاد الكليّ السعودي، التي لا تزال الأقوى في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من هذه الشروط الأساسية لتحقيق النمو، ينبغي على صنّاع السياسة أن يهتموا باتّجاهات الانتاجية التي قد تحمل تداعيات سلبية على توليد الثروة الحقيقية، وفرص تعزيز مساهمة الفرد في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي.
لقد تراجعت إنتاجية القطاع العام منذ عام 2004، وسجّلت انخفاضاً حادّاً في عام 2008، لأنّ الزيادة الكبيرة في أعداد موظفي هذا القطاع لم تولّد نمواً مكافئاً في عائدات الخدمات العامة. فقد عيّنت الحكومة 69,726 موظفاً مدنياً إضافياً في عام 2008 حيث سجّلت أكبر زيادة سنويّة في مواردها البشرية على مدى أكثر من عقديْن. وتزامنت تلك الخطوة مع انخفاض المعدّل الرسمي للبطالة في المملكة من 11.1% في عام 2007، إلى 9.8% في تلك السنة (2008).
في عام 2008، عيّنت الحكومة 66,851 موظفاً سعودياً جديداً بينما وظّف القطاع الخاص عدداً أصغر بقليل بلغ 63,436 عاملاً. ومثّل دور الدولة المهم في الاقتصاد الوطني السعودي أحد الأسباب الرئيسية لهذه الزيادة في حجم القوّة العاملة في القطاع العامّ.
ومع أنّ توظيف المزيد من المواطنين في قطاع الخدمات المدنية العامّة نجح في تقليص معدلات البطالة، إلى أنّ إنتاجية القطاع العامّ تراجعت مؤخّراً. فمن التسعينيات إلى عام 2003، تناسبت الزيادات في حجم القوة العاملة في قطاع الخدمات المدنية العامّة مع معدل نمو الناتج الاجمالي لهذا القطاع. وتحقق ذلك لأن الناتج الاجمالي لقطاع الخدمات العامة كان يُحسب على أساس نسبة مساهمة كل موظف فيه، وليس على أساس التقلبات الآنية في الانتاجية. لكنْ بعد عام 2004، تباطأ نمو الناتج الاجمالي لقطاع الخدمات العامة بشكل حادّ بينما ازداد عدد الموظفين الحكوميين وهو ما انعكس سلباً على الانتاجية.
وللإنتاجية العالية انعكاسات إيجابية على إجمالي الناتج المحلي للبلاد. فزيادة أعداد الموظفين المهرة تزيد إجمالي الناتج المحلي بشكل مستمر، ما يسمح بزيادة رواتب الموظفين المتميزين وتحقيق أرباح أكبر وخفض التكاليف. وتؤدي هذه الفوائض إلى إنعاش مجمل الاقتصاد من خلال المزيد من إنفاق المستهلكين والمزيد من الصادرات واستثمارات الشركات لذا، فإنها تساهم في تعزيز الأداء العام لمجمل الاقتصاد الوطني.
التحدي المتمثّل بانتاجية القطاع الخاص
مع أنّ الناتج الاجمالي للقطاع الخاص يواصل نموه، إلا أنّ إنتاجية القطاع أيْ حصيلة تقسيم الناتج الاجمالي الحقيقي للقطاع الخاص غير النفطي على العدد الكليّ للعاملين في القطاع الخاص تراجعت خلال السنوات الأخيرة. فطبقا لحساباتنا، قفزت إنتاجية القطاع الخاص بنسبة 23% بين عاميّ 1999 و2007. لكنها انخفضت إلى 2% في عام 2008، بعدما سجّلت مستوى قياسياً مرتفعاً في عام 2007.
وبرز الانخفاض في إنتاجية القطاع الخاص بوضوح في بضعة قطاعات رئيسية: 1) المال والتأمين والعقارات؛ 2) البناء؛ و3) الزراعة. فقد انخفضت الانتاجية في قطاع الزراعة بنسبة 24.6% بين عامي 2006 و2008. وفي نفس الفترة، تراجعت إنتاجية العاملين في قطاع البناء بنسبة 12.5% وفي قطاع والمالية والتأمين والعقارات بنسبة 7.7%. وفي قطاع التنفيب والمقالع، الذي يشمل النفط والغاز، تراجعت الانتاجية خلال السنوات الثلاث الأخيرة بنسبةٍ أقل وقدرها 3.9% .
في المقابل، تحسّنت إنتاجية قطاع الصناعة بنسبة 7.3% خلال نفس الفترة، بينما تحسّنت إنتاجية قطاع الكهرباء والغاز والماء بنسبة 13%، وقطاع البيع بالجملة وبالتجزئة بنسبة 15.9% وقطاع النقل والاتصالات بنسبة 8%.
وفي الحقيقة، أسهم القطاع المالي بجزء كبير من إجمالي التراجع الذي سجّلته إنتاجية القطاع الخاص. فقد عانت بنوك المملكة كثيراً بعدما بلغ نمو أرباحها ذروته في عام 2005، حيث نمت أرباح مجمل القطاع المصرفي السعودي بنسبة 54%. ومع أنّ أرباح البنوك السعوديّة نمت بنسبة 35% في عام 2006، إلا أنها انخفضت بأكثر من 23% بين عاميّ 2007 وعام 2009. ويُعزى هذا التراجع، بالدرجة الأولى، إلى انهيار سوق الأسهم في عام 2006، والأزمة المالية العالمية التي بدأت في منتصف عام 2008.
ويظهر الرسم البياني السفلي بوضوح أنّ نمو الناتج الاجمالي لقطاع المال والتأمين والعقارات بلغ ذروته في عام 2005 وفي تلك السنة أيضاً، بلغ معدّل نمو أرباح البنوك السعودية ذروته. وترافق التراجع اللاحق في معدّل نمو الأرباح بين عامي 2006 و2007، مع تباطؤ نمو الناتج الاجمالي للقطاع، مع أن نمو أصول البنوك وافتتاح عدد كبير من فروعها الجديدة (65 فرعاً في عام 2006 و64 فرعاً في عام 2007) مكّنا القطاع من تلافي حدوث انحدار سريع في معدلات نمو ناتجه الاجمالي.
بدأ التراجع في انتاجية قطاع البناء منذ عام 2004، وذلك بسبب النمو السريع في حجم العمالة الوافدة التي تشكّل معظم القوّة العاملة في هذا القطاع لكنْ من دون تعزيز أرباح القطاع بما يتناسب مع هذا النمو. نحن نتوقّع أنْ تُسدَّ هذه الفجوة خلال السنوات القليلة المقبلة عندما تُسلَّم المشروعات التي لا تزال قيد الانجاز. كما نتوقع أنْ يستمر قطاع البناء في تسجيل معدلات نمو مرتفعة تناهز التسعة في المائة. أما بالنسبة لانخفاض إنتاجية قطاع الزراعة، فقد حدثث بسبب تراجع مستويات إنتاج القطاع والحجم الكبير للقوّة العاملة فيه. لكننا لا نرى أنّ هذا المنحى مثير للقلق لأنه يعكس سياسة الدولة السعودية التي تستهدف التحول نحو إنتاج محاصيل جديدة.
ومن المحتمل أنْ تسجّل انتاجية مجمل القطاع الخاص السعودي بعض التحسن في عام 2009، وذلك بسبب التباطؤ المتوقّع في وتيرة نمو القوة العاملة في القطاع الخاص جرّاء الركود الاقتصادي. فبين عاميّ 2006 و2008، نما عدد العاملين في مشروعات القطاع الخاص السعودي بنسبة 16%، طبقاً لبيانات وزارة العمل. لقد سبق أنْ توقّعنا أن ينمو عدد العاملين الجدد في القطاع الخاص بنسبة ضئيلة قدرها 1.2% في عام 2009، كما توقعنا أنْ يؤدي ذلك إلى تحسين إنتاجية مجمل القطاع بشكل طفيف. لكنّ هذا المعدّل بلغ 2.6% أو أكثر في العام الماضي، ما أدى إلى انخفاض إنتاجية القطاع الخاص في ذلك العام.
مسؤولية القطاع الخاص تُجاه إيجاد فرص عمل جديدة
تثير مستويات الانتاجية المنخفضة قلقنا بسبب ما تعنيه بالنسبة لإمكانية إيجاد فرص عمل جديدة خلال السنوات المقبلة. فالقطاع الخاص سيمثّل المحرّك الرئيسي لإيجاد فرص عمل جديدة في المملكة خلال السنوات المقبلة. لكنْ عندما يتباطأ نمو القطاع الخاص غير النفطي، تتقلص قدرته على إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين، خصوصاً للأعداد الكبيرة والمتزايدة التي ستبحث عن وظائف خلال العقد القادم. فعدد سكان المملكة البالغ خمسة وعشرين مليون نسمة يشتمل على 11.38 مليون شاب تتراواح أعمارهم ما بين 15 و39 عاماً (46% من السكان)، بينما يشكّل الأطفال الذين تبلغ أعمارهم أربعة عشر عاماً أو أقل 32% من السكان.
لقد انخفضت معدلات نمو القطاع الخاص بسرعة منذ عام 2006، بعدما سجّلت 6.1% في 1982، أيْ مع نهاية طفرة النفط السابقة. لكنْ منذ عام 2006، انخفضت معدلات النمو إلى 5.5% في عام 2007، وإلى 4.8% في عام 2008، ثمّ إلى 2.5% في عام 2009. إذاً، بدأت وتيرة نمو القطاع الخاص بالتباطؤ قبل تفاقم الأزمة المالية العالمية.
في بداية العقد الأخير، ترافق انخفاض معدلات نمو القطاع الخاص مع ارتفاع معدّلات البطالة في صفوف المواطنين السعوديين. لكن في السنتين الماضيتيْن، انخفضت معدّلات نمو القطاع الخاص ومعدّلات البطالة أيضاً. نحن نميل إلى الاعتقاد بأنّ ذلك يعود إلى حملة التوظيف التي قام بها قطاع الخدمات المدنية العامّة التي ناقشناها أعلاه. ولأنّ القطاع العامّ لن يتمكن من استيعاب جزء كبير من الموجة الجديدة المتوقّعة من الباحثين عن فرص عمل، فإنّ المعدلات المنخفضة لنمو القطاع الخاص بين عاميّ 2007 و2009، يمكن اعتبارها مؤشراً على احتمال عودة معدّلات البطالة إلى الارتفاع مجدّداً خلال السنوات المقبلة.
طبقاً لبيانات مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات، أظهر المسح الذي أُجري في عاميّ 2007 و2008، زيادة سنوية مرتفعة في معدلات التوظيف في مجال الأعمال المكتبية والخدماتية مع أنّه من الصعب التحقّق من مستوى سعْودة القطاع الخاص. وتراجع مستوى البطالة بين الرجال من 295,473 في عام 2007، إلى 250,402 في عام 2008، بينما ظلّت البطالة بين النساء من دون تغيير عملياً وبواقع 167,660 عاطلة عن العمل. وتحمل غالبية العاطلات عن العمل إجازات جامعيّة، بينما يحمل معظم الرجال العاطلين عن العمل شهادات الثانوية العامة يليهم حملة شهادات الاعدادية والابتدائية.
عوامل سوق العمل التي تقلّص المضاعِفات الاقتصادية
تثير قضية إنتاجية القطاع الخاص مجدّداً تساؤلات حول التأثير المضاعِف الذي حققه الانفاق الحكومي. وطبقاً لنظرية كينيزيان الأساسية حول المضاعِفات الاقتصادية، ينبغي على الانفاق الحكومي أن يولّد العديد من دورات الانفاق التي تعزّز مستويات التوظيف (الدخل) والاستهلاك والادّخار. ذلك لأنّ الانفاق يعود بالنفع على مختلف القطاعات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، عندما يُنفَق ثلاثون مليار ريال سعودي على مشروعات في قطاع البنى التحتية، كبناء جامعات أو جسور، يذهب مئات الملايين من الريالات لتغطية أجور العاملين في المشروعات، ما يولّد قدرة شرائية إضافية في صفوف القوة العاملة ويعزّز الاستهلاك.
كما أنّ ضخ الأموال في الاقتصاد يخلق وظائف جديدة، ما يؤدي إلى دورة إنفاق جديدة. ويمثّل خلق فرص عمل جديدة مضاعِفاً اقتصادياً قصير الأمد، بينما يمثّل توفير نظام تعليمي كفوء مضاعِفاً اقتصادياً أطول أمداً. أما في المملكة العربية السعودية، فإن عمالة القطاع الخاص هي التي تقلّص مستوى مضاعِف التوظيف. ذلك لأنّ القطاع الخاص ركّز مؤخراً على موازنة التكاليف من خلال خفض الأجور، ما يعني أنّ الأجور التي يتقاضاها العاملون في هذا القطاع متدنية نسبياً. وهذا ما يحدّ من إمكانية تحقيق مضاعِف توظيفٍ أكبر ويقلّص، بالتالي، مضاعفيِّ الاستهلاك والادخار.
نحن نعتقد أنّ الارتقاء بمستوى التعليم من خلال توظيف كادر تعليمي أكفأ يُمكنه أن يولّد مضاعِفاً اقتصادياً أكبر وأطول أمداً من المضاعِف، الذي يولّده الاستمرار في التقليد المتمثّل بتوظيف المزيد من العمالة الأجنبية. ولو كانت العمالة الوطنية هي المهيمنة على القوة العاملة في البلاد، لكان التأثير المضاعِف للانفاق الحكومي أكبر وأعمق. ومن وجهة نظرنا، تُمثّل تركيبة القوّة العاملة العائق الرئيسي الذي يحول دون تحقيق الفائدة القصوى الممكنة من الانفاق الحكومي على صعيد المضاعِفات القصيرة والطويلة الأمد.
أظهرت قدرة اقتصاد المملكة على تكوين إجمالي رأس المال الثابت علامات نمو مستمر، وهو ما يُمثّل عنصراً إيجابياً بالنسبة للنشاط الاقتصادي. فمعدلات نمو القدرة على تكوين رأس المال (معدّلات نمو رأس المال، في ما تبقى من الورقة) ترتفع عندما ترتفع مستويات الاستثمار، وبالتالي، يمكن استخدام معدّلات نمو رأس المال كمقياس لقوة الامكانات التي يتمتّع بها الاقتصاد. لكنّ المعدّلات التي سجّلتها المملكة على صعيد نمو إجمالي رأس المال الثابت كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي أدنى من المعدلات التي سجّلتها الأسواق الناشئة الأخرى خلال فترات معدّلات النمو المرتفع. فنسب تكوين إجمالي رأس المال الثابت إلى الناتج المحلي الاجمالي زادت في الصين، مثلاً، عن 35% في التسعينيات ثم حذت الهند حذوها مؤخراً. كما سجّلت اليابان في الستّينيات وكوريا الجنوبية في السبعينيات معدلات زادت عن 30%.
اجتذاب الاستثمارات
الأجنبية
في عام 2008، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اجتذبتها المملكة ثمانية وثلاثين مليار دولار أي ما يعادل 42% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اجتذبتها دول غرب آسيا، وذلك طبقاً للتقرير الذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية حول الاستثمار العالمي في عام 2009. وفي عام 2008، نمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفّقة إلى المملكة بمعدّل مهول قدره 57%، فوصل حجمها إلى 38.2 مليار دولار. وشاركت صناعة البتروكيمياويات وتكرير النفط في توليد معظم هذا النمو حيث ساهمت بنسبة 57% منه، أي ما يعادل 12 مليار دولار. أما نسبة مساهمة قطاع العقارات في نمو هذه الاستثمارات، فقد بلغت أربعة أضعاف مستواها في العام السابق وارتفعت إلى 7.9 مليارات دولار.
وتساوت المملكة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 25 مليون نسمة، مع الهند تقريباً من حيث القدرة على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فقد تدفّق إلى الأخيرة 41.55 مليار دولار في عام 2008. وسجّلت الأسواق الناشئة الرئيسية مكاسب هائلة على صعيد اجتذاب الأموال الأجنبية في عام 2008، حيث نما حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفّقت إلى الصين بنسبة 30% ووصل إلى 108.31 مليارات دولار، فيما نما حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفّقت إلى البرازيل بنسبة 30.3% ووصل إلى 45.06 مليار دولار.
وفي عام 2008، نما أيضاً حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفّقت إلى دول الخليج العربية الأخرى، خصوصاً قطر التي تُطوِّر قطاع الاتصالات وقدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال والماء. ففي عام 2008، نما حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اجتذبتها قطر بنسبة 43%. أما حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي اجتذبها، ثاني وثالث أكبر مستقبلي هذه الاستثمارات في المنطقة تقليدياً، تركيا والإمارات العربية المتحدة، فقد تراجع في عام 2008.
وفي عام 2008، كانت العقارات والبتروكيماويات وتكرير النفط والبناء والتجارة أكبر المساهمين في نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفّقة إلى المملكة، مع أن مستوى تدفّقها تراجع خلال الجزء الأخير من تلك السنة بسبب تفاقم الأزمة المالية العالمية، والانحدار الشديد في أسعار النفط. ورغم العديد من المشروعات التنموية الضخمة التي كانت لا تزال قيد الانجاز في عام 2009، إلا أنّ الاستثمار الحكومي لا الخاص كان المحرّك الرئيسي للنمو في ذلك العام.
ومع نهاية عام 2008، انسحبت شركة ريو تينتو Rio Tinto من مشروع كبير للألمنيوم في المملكة. وفي النصف الأوّل من عام 2009، كانت الحكومة قد منحت عدداً ضئيلاً من عقود المشروعات الجديدة للطاقة والكهرباء لأنّها كانت تتوقع من الشركات خفض تكاليف إنجاز المشروعات المتبقية. وطبقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، "أثر شُحّ السيولة المتوافرة في أسواق الائتمان العالمية بشكل حاد في مشروعات التمويل والتنمية، وهو ما قد يقلّص حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2009".
وتمثّل أسعار النفط أحد العوامل التي قد تقف وراء التراجع المحتمل في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت إلى المملكة في عام 2009، فقد ثبت أنّ أسعار النفط المرتفعة تعزّز ثقة المستثمرين، بينما تؤدي أسعار النفط المنخفضة إلى ردعهم عن الاستثمار. كما أن عائدات النفط السعودي تشكل نحو 90% من إجمالي إيرادات الدولة، ما يجعل هذه الإيرادات شديدة التأثّر بتقلبات أسعار الخامّ. ولم يبدأ النمو الملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى المملكة إلا في عام 2005، حيث فاق متوسط سعر برميل النفط الخمسة وخمسين دولاراً ونما، بالنتيجة، حجم تلك الاستثمارات بنحو عشرين ضعفاً بين عاميّ 2004 و2008.
ومن المحتمل أن يكون مستوى تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2009، أقل حدّة من المتوقع بفضل الوضع المالي المريح الذي تتمتع به الحكومة السعودية. فالأصول الضخمة التي تمتلكها المملكة في الخارج والمعدّلات المنخفضة لدينها العام، يجعلان منها بلداً جذاباً بالنسبة للمستثمرين الأجانب. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت المملكة باستثمار 400 مليار دولار في مشروعات البنى التحتية من خلال خطتها الاقتصادية 2009-2013، مما يُعزّز ثقة المستثمرين رغم انخفاض أسعار النفط. كما أنّ أسعار الخام لم تتراجع بشكل دراماتيكي مؤخراً رغم تباطؤ الاقتصادي العالمي، الذي أدى إلى ركود العديد من الاقتصادات الصناعية. بل إنّ أسعار الخام في عام 2009، ظلت أعلى من مستويات عام 2005.
قد يشهد عام 2010، عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة
إذاً، في عام 2009، لم تتمثّل العقبة الرئيسية التي اعترضت سبيل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المملكة بأسعار النفط، بل تمثّلت بتلافي البنوك للمخاطر. فقد أشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أنّ "عدد البنوك الدولية التي كانت مستعدة لتمويل مشروعات في دول مجلس التعاون الخليجي تقلّص بشكل حاد: فمع نهاية عام 2008، كان عدد البنوك الدولية التي سعت لتمويل مثل هذه المشرعات اثني عشر بنكاً فقط، في مقابل خمسة وأربعين بنكاً دولياً في عام 2006".
وفي عام 2009، استمرّت الحكومة السعودية أيضاً في تنفيذ خطتها الرامية إلى تعزيز قدرة البلاد على إنتاج وتكرير النفط، وذلك بهدف تلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط خلال السنوات المقبلة، لا سيما الطلب الآسيوي. وخلال الجزء الأخير من السنة، اتفقت الشركة السعودية للثروة المعدنية وشركة ألكوا Alcoa الأمريكية على تنفيذ مشروع مشترك لبناء منشأة لصهر الألومينيوم قُدّرت تكلفتها بنحو 10.8 مليارات دولار. كما اتفقت أكسون موبيل Exxon Mobil للصناعات الكيميائية وسابك على إنجاز عدد من منشآت إنتاج المطاط الاصطناعي بصورة مشتركة، وقُدّرت تكلفة المشروع بحوالي خمسة مليارات دولار، بينما منحت شركة أرامكو شركة هاليبيرتون Halliburton عقداً مدته خمس سنوات لتطوير آبارٍ للنفط جنوبيّ غوار.
أما ركود قطاع العقارات في منطقة الخليج، الذي تركّز بشكل خاصّ في إمارة دبي، فإنه من المحتمل أنْ يكون قد أسهم أيضاً في وقف تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى القطاع العقاري السعودي في عام 2009، لأنّ المستثمرين أوقفوا أنشطتهم واكتفوا بمراقبة مؤشرات تصحيح الأسعار بانتظار وصولها إلى القعر. لكنّ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع العقارات السعودي الذي يعاني من شحّ السيولة، قد تنمو مجدّداً في العام الجاري. كما حظيت المملكة مؤخراً باهتمام كبير لأنها امتازت إقليمياً بحقيقيةِ أنّ الطلب المحلي هو المحرّك الرئيسي لقطاعها العقاري.
هذه التطوّرات تبشّر بأنّ عام 2010، سيشهد عودة جزء من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي توقّفت تقريباً في عام 2009. وسجّلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة كنسبة من تكوين إجمالي رأس المال الثابت 46% في عام 2008، و31.8% في عام 2007. علاوة على ذلك، تعكس نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى إجمالي الناتج المحلي مدى أهمية تدفّق مثل هذه الاستثمارات بالنسبة للنمو الاقتصادي، ومدى تأثيرها في مجمل الاقتصاد. لقد ارتفعت نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى إجمالي الناتج المحلي في المملكة من 9.3% في عام 2000، إلى 24.4% في عام 2008 وهي أعلى من المعدل الوسطي في آسيا وقدره 18%.
يعتمد تأثير الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصادات المحليّة، بشكل جزئي، على قدرة الدولة على تطوير علاقات متينة بين المستثمرين والاقتصاد المحليّ، وعلى قدرة الشركات المحليّة على تطوير علاقات متينة مع الشركات الأجنبية. أما فصل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة عن عائدات النفط السعودي، فإنه لن يكون سهلاً. لقد ساهمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تعزيز معدلات النمو في كلٍّ من الصين والهند، لكن قدرة هذيْن البلديْن على تكوين الموارد البشرية أعظم من قدرة المملكة، إذ يُخرّج كل منهما، مثلاً، مئات آلاف المهندسين سنوياً. وإذا حققت المملكة اختراقاً في تكوين مواردها البشرية المحليّة، فإنّ نقل التقنيات واستخدامها بالشكل الصحيح سيكون نافعاً لأنه سيحقق الأثر الإيجابي المنشود على النمو الاقتصادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.