كتبت منذ وقت مقالا عن التعصب القبلي نشر نصفه بسبب طوله، كما قيل لي، وها أنا اليوم أعود إلى الكتابة بنفس الموضوع مختصرا فيه قدر المستطاع تجنبا لأي نصف نشر محتمل. أقول إن كان المساس بالقبيلة خطا أحمر، فإن المساس بالوحدة الوطنية ألف خط أحمر. وما مناقشات مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حول التعصب القبلي سوى دليل على ذلك. ليس المجتمع السعودي قبليا في كليته، وإن كان كذلك في أكثره. وأقل أثر قد يحدثه تعصب الأكثرية هو فصل الأقلية غير القبلية عن المجتمع، وهي أقلية لا تقل وطنية عن الأكثرية بحال. الحوار الذي يقوده مركز الملك عبد العزيز مخلص وجاد في غايته وماهيته، لكني أتساءل عن مدى قناعة أطراف الحوار بما ينادون به. معظم المشاركين ندد بقضية اختلاف النسب كسبب للطلاق مثلا، وهي القضية التي نعرفها كلنا. لكن هل كل المشاركين في الحوار سيقبلون تزويج بناتهم أو أبنائهم بنسب أقل من نسبهم؟ أنت لا يمكن أن تقف ضد القبلية بقرار حكومي، لكن القرار الحكومي قادر على الحد من تزايد نفوذ القبلية. نقرأ بين حين وآخر عن حفل كبير أقامته قبيلة ما، ودعت اليه مسؤولا إداريا من باب التقدير له في الظاهر، وتقديرا للقبيلة نفسها في الباطن. لا بأس أن تقيم قبيلة حفلا خاصا بها، لكن أن يشارك في الحفل مسؤول إداري فهذا خطأ، لأن في ذلك مباركة ضمنية لمثل هذا التكتل القبلي. لست أعلم عن مجتمع متطور تقام فيه حفلات قبلية، لكن القبائل لدينا ليست أقلية، ولا هي مهددة بالوجود في معتنقها وعاداتها. نحن مجتمع متعلم، وتتصدر ميزانية التعليم قائمة الإنفاق الحكومي لدينا، مع ذلك لا تزال قضية النسب والتعصب القبلي قائمة، بل تزداد حدتها في المجتمع، فهل هو تعليمنا الذي يعاني من خلل ما، أم هي خصوصية المجتمع التي مللنا تكرارها؟ للتعليم دور مهم ولا شك. وإضافة مواد تعليمية خاصة بالوحدة الوطنية تساهم في تحقيق الانصهار لأبناء المجتمع كما أراد المؤسس رحمه الله. لكن هناك أيضا خطوة أخرى يجب التأكيد عليها، وفي قناعتي أنها اكثر أثرا من التعليم في القضاء على القبلية، إنها مسألة التنمية. الدولة هي أب الجميع، وتنمية المجتمع مسؤوليته. فالتخفيف من البطالة، وزيادة الإنفاق على المؤسسات المدنية والاجتماعية والصحية، كل ذلك يضعف من سلطة القبيلة التي بات يلجأ إليها كل من أراد خطابا للعلاج في مشفى حكومي. التنمية كانت دوما المصدر الأساسي لشرعية الدول الحديثة واستقرارها ووحدتها. وتنامي دور القبيلة لدينا قد يعني أن خطط التنمية في حاجة إلى إعادة نظر.