«دعوها فإنها منتة» حديث نبوي شريف.. ما من بلاغة تعبر عن مشكلة تسبب الفرقة والتناحر والمشاحنات بين أبناء الوطن الواحد أكثر من ثلاث كلمات قالها سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم عندما تدخل عليه الصلاة والسلام لفض الخلاف الذي طرأ فجأة بين عدد من الصحابة عندما تنادوا بالنصرة لأهل بيتهم وقرابتهم وقريتهم، فقال أحدهم: يا للمهاجرين، وقال الآخر: يا للأنصار، كان الحسم النبوي يتجه إلى أكثر عنصر يمكن أن يسبب خلافا أو نزاعا أو انقساما مستمرا داخل تركيبة المجتمع الإسلامي الحديث، ألا وهو التعصب للقبيلة أو القرية، فقال صلى الله عليه وسلم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة»، وجاء الرسول ليؤكد في حجة الوداع على مسألة نبذ العصبيات عندما قال عليه الصلاة والسلام «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى والناس سواسية كأسنان المشط». ولو تتبعنا النصوص القرآنية والأحاديث النبوية لخرجنا بخارطة طريق تكون نبراسا للمسلم في حياته في نبذ العصبيات بكل أنوعها والدعوة للوحدة تحت لواء الدين والوطن، أولى هذه الخطوات إلغاء العصبية الجاهلية، والتحذير منها؛ ويتجلى ذلك في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية»، وقال «ومن قاتل تحت راية عمية؛ يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل؛ فقتلة جاهلية». أما الأمر الثاني فهو تقرير المساواة بين الناس، فأساس التفاضل: التقوى والعمل الصالح؛ قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». ويتجلى البعد الثالث في الخارطة بإلغاء الإسلام لكل مظاهر العبودية لغير الله؛ من نحو تقديس الأعراف القبلية، والانسياق معها باطلا دون تبصير؛ إلا لمجرد الهوى واجتماع الناس عليها، ومن ثم إثبات العبودية لله وحده؛ قال تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». وأكملت الشريعة الركن الرابع في نبذ العصبيات من خلال النهي عن الطعن في الأنساب، وعن التفاخر؛ والتعاظم بالآباء، والأجداد، والمآثر، والأمجاد؛ قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى علي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد». واليوم مع تقدم المجتمع ومع سنوات من التعليم والثقافة والتنمية ومع وجود العلماء والمثقفين والمفكرين وانتشار المعرفة والمعلومات، ومع وجود الجامعات ومراكز البحث ووسائل الإعلام، نشهد الرجوع إلى إحدى الدعوات المنتنة وهي الدعوة إلى العصبيات القبلية والمناطقية والإقليمية والفكرية التي تسبب انقساما مقيتا بين أفراد المجتمع الواحد. ومنذ أسس موحد كيان هذه البلاد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأرسى قواعد المملكة على الحكم بالكتاب والسنة جعل الوطن فوق القبيلة والإقليم والمنطقة، مستمدا ذلك من قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». وأرست المملكة مبادئها بوجه عام بقالب دقيق ومعتدل، وتم التعبير عنه بالنظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ /90 وتاريخ 27/8/1412 ه الذي يوضح بشكل مطلق هوية هذه البلاد. فقد جاء بالباب الثالث تعريف عن مقومات المجتمع السعودي، أوضحت المادة التاسعة منه «أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي ويربي أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولولي الأمر..» ولا شك بأن المفخرة بقبيلة ما عادة سيؤدي إلى استنقاص قبيلة أخرى إما بالتصريح أو التلميح. لذا جاءت المادة العاشرة منه بأن «تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم». فالأساس القائم بين الشعوب والمجتمعات هي أواصر المعرفة وتبادل المكتسبات والتكافل الاجتماعي، هدفهم الوحيد عبادة الله وحده وتطبيق شريعته ووحدة صفوفهم بما يخدم دينهم ودنياهم، لذلك جاءت المادة الحادية عشرة بأن «يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم». وكذا المادة الثالثة عشرة ب «يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم معتزين بتاريخه». وفي تفاصيل حياتنا اليومية تخرج لنا العصبيات من ثغر القبيلة والإقليم والمنطقة عبر القنوات القديمة كالمحاورات الشعرية ومزايين الإبل، أو الجديدة من خلال القنوات الشعرية التي غزت فضاءنا المفتوح أو المنتديات الإلكترونية التي تحولت ساحاتها لغرف للتفاخر بالقبيلة وذم الآخرين، ولم تتوقف هذه العصبيات عند حدود وسائل الإعلام الحديثة بل تجاوزتها إلى إمكان العمل فقد رصدت جمعية حقوق الإنسان ممارسات من بعض فئات المجتمع تتضمن التفرقة بين المواطنين على أساس المنطقة أو القبيلة أو الأصل، ما يهدد وحدة الشعب ويؤثر سلبا على مفهوم الانتماء إلى الوطن، كما يعزز العصبية والانتماء إلى جماعات عرقية أو إقليمية وهذا ما نهى عنه الإسلام جملة وتفصيلا. ورغم اختلاف الباحثين والمختصين عن كون العصبية ظاهرة من عدمها، فإن غياب الأبحاث والدرسات والإحصائيات عن هذه المشكلة يجعل الحكم على مدى انتشارها وتناميها صعبا. «عكاظ» فتحت ملف العصبيات بكل أشكالها؛ القبلي والمناطقي والإقليمي، متسائلة عن أسباب بروزها في المجتمع ومن يذكيها والطرق المثلى لمواجهتها، وتساءلت عن دور الجهات المعنية بمحاربتها والحد منها في سياق التحقيق التالي: مفهوم العصبية بداية، يوضح الباحث والكاتب الدكتور عبدالرحمن الحبيب العصبية بقوله «حسب المفهوم الخلدوني ونظريته في العمران وبناء الدولة، فالعصبية هي التناصر والتكاتف والتلاحم، والولاء التي غالبا ما تكون للقبيلة، إلا أن هذا المفهوم تنوع وتفرع، وصار في الأغلب يفهم منه العنصرية أو الانغلاق في فئوية ضيقة كالقبيلة أو المنطقة أو الطائفة»، مؤكدا أن هذه النظرة السلبية للعصبية تنبع من مصدرين، الأول هو الدين الذي ينبذ التعصب، والثاني هو الوطنية التي تعتبر كل أبناء الوطن متساوين، وبالتالي ترفض الفئوية. وهنا يطالب الأديب والكاتب محمد الحرز بضرورة تحرير مصطلح العصبية أولا وإجراءات دراسية بحثية عميقة عليه. وبالعودة للدكتور الحبيب يعيد تفشي العصبية بكل أنواعها للإرث الاجتماعي وقيمه القديمة التي تراكمت عبر القرون، مضيفا «قبل بناء الدولة الحديثة كانت العصبية الفئوية طبيعية وربما ضرورية وفقا لأنماط المعيشة الاقتصادية والبناء الاجتماعي، فالفئة الاجتماعية كانت تعيش في بيئة شحيحة وشبه منعزلة ومعرضة للاعتداء، ذلك يستلزم التكاتف الصارم بين أبناء العشيرة ضد الآخرين». لكن الحبيب يؤكد أننا في ظل الدولة الحديثة فإن الوضع يختلف لأن الأنظمة والقوانين تساوي بين الجميع على أساس المواطنة. ويشير الحبيب إلى أن انتقال المفاهيم من النظرية إلى التطبيق يتطلب المرور على الأذهان والعقول التي تحتاج وقتا للاقتناع والتوعية ووقتا للانتقال إلى أرض الواقع ووقتا لتصحيح الأخطاء، مشددا على أن هذا الوقت يقل كلما مورست التوعية، وخضعت القوانين للرقابة ومكافحة التمييز الفئوي، وكلما نجحت مشاريع التنمية والاندماج الاقتصادي في المجتمع الجديد، تنامت مؤسسات المجتمع المدني. وحول دور ملتقيات الحوار الوطني في المساهمة من الحد من التعصب في المجتمع انتقد الحبيب واقعها الحالي قائلا «في البداية كانت لها مساهمة كبيرة، حين كانت الحوارات حول المختلف فيه والتعددية، وكانت ثمة مكاشفة ومصارحة، لكن اللقاءات تحولت للقضايا الخدمية غير المختلف فيها، أما القضايا المختلف فيها فتركت للتنظير في العموميات دون الدخول في التطبيق وما يتطلبه من شفافية». حوارات مفيدة ويؤكد الحرز على كلام الحبيب بأن نبذ العصبيات يحتاج لحوارات مع جميع فئات المجتمع، مؤكدا أن الملك عبدالله وضع رؤية استراتيجية لمفهوم الحوار الوطني وهي أن تكون الحوارات تحت مظلة الوطن وهذا يعني ضرورة إشراك كل الفئات وعدم حصرها في الدوائر المؤسساتية الضيقة، بل يجب أن تكون الحوارات لأدنى تشكيلات المجتمع وفي فضاء مفتوح للحد من التعصب المناطقي والقبلي والإقليمي وخلافه . ويقترح الدكتور عبدالرحمن الحبيب جملة من الحلول للخروج من نفق العصبية المقيت تشمل جانبين، أولهما على المستوى النظري من خلال دعم الحوارات والندوات والتوعية والتنوير بالوحدة الوطنية ونبذ الفئوية ، وعلى المستوى التطبيقي يجب مراقبة قضايا المحاباة والواسطة، ودعم بناء مؤسسات المجتمع المدني، وكل ذلك يتطلب دعم الدراسات والأبحاث الاجتماعية لتوضح لنا الوضع الراهن والثغرات الموجودة به وتقترح التوصيات المناسبة. نظرة مجتمعية ويوضح أستاذ علم الاجتماع في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور عبدالله الشعلان من وجهة نظر مجتمعية أسباب ظهور العصبيات في المجتمع، مبينا أن العصبية ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالعمران البشري وخاصة البدوي وتقل حدتها في المجتمع الحضري كما يراها ابن خلدون. موضحا أن للعصبية وظيفة اجتماعية في أنها تربط أفراد الجماعة (وليس المجتمع) بعضهم ببعض وتظهر هذه العصبية بشكل حاد عندما تتعرض الجماعة للخطر. ويؤكد الشعلان أنه في ظل الحياة المدنية ووجود دولة فإن للعصبية آثارا سلبية فهي تعمل على تشتيت المجتمع في مفهومه العام وتضعف الوحدة الوطنية، مشددا على أنه في العصبية القبلية والمناطقية يكون الولاء لتلك القبيلة ولتلك المنطقة وليس للوطن وهنا تكمن خطورة هذه الظاهرة لأنها تخلق جماعات متنافرة تعمل على إضعاف المجتمع من الداخل من خلال ما تمارسه من سلوكيات تسبب العداء بين كل جماعة وأخرى. ويشير الشعلان إلى العوامل التي تعيد إحياء العصبية وتذكيها في المجتمع ومنها ظهور بعض القنوات الفضائية تحت شعارات ومسميات مناطقية وقبلية، إضافة لبعض الأعراف الاجتماعية المتعلقة بالزواج والمصاهرة، ويرى الشعلان أن إطلاق النكت والتعليقات غير المناسبة على بعض المناطق والمسابقات الشعرية من أسباب تنامي العصبيات . ودعا الشعلان إلى غرس قيم المواطنة الصحيحة في نفوس النشء من خلال التربية ومناهج التعليم لإذابة الشخصية الفردية في الشخصية الوطنية. لكن أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبوبكر باقادر يرى أن العنصريات أصبحت مكتسبة بسبب التزاوج من الأسر والتصادق مع مجموعات معينة، مما يتسبب في خلق عصبية لدى هؤلاء الأسر والمجموعات، مبينا أن دافعهم لهذه العصبيات حماية أنفسهم وتكوين كيان مستقل لهم، مؤكدا الآثار السلبية لمثل هذه العصبيات على وحدة الوطن. وشدد باقادر على دور الأئمة والدعاة والمدارس في التوعية مع ضرورة وجود قوانين صارمة تمنع تصرف المديرين بإداراتهم بشكل عنصري من خلال توظيف أبناء قبيلتهم أو أسرهم، مشيرا إلى ان الدول الغربية تضع قوانين صارمة لمنع مثل هذه التصرفات العنصرية وتحاسب عليها بشدة قانونيا وقضائيا، مبينا أن خطورة العنصرية تكمن في التأسيس لولاءات أخرى على حساب الانتماء الوطني لأن أفراد القبيلة يخدمون بعضهم في الوظيفة فإن الشاب يرى ان القبيلة أهم من الوطن وهو أمر في غاية الخطورة . تمييز عنصري وهنا يؤكد رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح القحطاني وصولهم بعض التظلمات من قبل بعض المواطنين تعرضوا لتمييز عنصري أثناء التوظيف والعمل، مبينا أن الجمعية تأكدت من شكاويهم وعملت على حلها بالتعاون مع الجهات المعنية، مشيرا إلى أن الشكوى إذا لم تستند على قاعدة فإنها لا تقبل . مؤكدا على حرص الجمعية على إعادته لأصحابة في كل تصرف عنصري لايستند لقاعدة شرعية ونظامية من قبل أي مسؤول كان . وشدد القحطاني على حرص الجمعية أن يتمتع كل مواطن بحقوقه فالجميع سواسية في الحصول على الخدمات الأساسية، مبينا أن الجمعية تعمل على مبدأ المساواة ونبذ الظلم والعنف والتعسف واستعباد الآخرين بسبب العنصرية أو غيرها . ولفت القحطاني إلى أن من العنصريات ما يرد الجمعية من بعض حالات عدم تكافؤ النسب والتي تتسبب في تشتيت الأسر وضياع الأبناء، مؤكدا أن الجمعية تقف بجانب العوائل المتضررة وتمنع أن يكون لهذه العنصرية أثر في تفرقة هذه الأسر، ودعا القحطاني الجهات القانونية والقضائية إلى ضرورة تجريم العنصرية لخطورتها الكبيرة على وحدة الوطن . عنصريات في المحاكم ويؤكد القاضي في المحكمة العامة الشيخ حمد الرزين ورود قضايا عديدة للمحاكم بسبب انتشار العنصرية، ومنها حالات عدم تكافؤ النسب، مشيرا إلى أن القاضي يأخذ بعين الاعتبار أن الكفاءة في الدين وليس في النسب. وأبان الرزين أن هناك قضايا أخرى تحدث فيها عنصرية بسبب تنازعات بين القبائل حول آبار وأودية ومزارع وأراض تدخل من خلالها قضايا إثارة النعرات، ولفت الرزين إلى أن كثير من قضايا القتل والثأر تكون بسبب الانتقاص من الآخرين وسبهم وشتمهم بشكل عنصري مقيت، مبينا أن بعض هذه القضايا تتحول لصراعات بين القبائل عندما يكون في القضية تقليل من شأنها او التشكيك في أصولها . وأفاد القاضي في المحكمة أن بعض القضايا تنشأ من حفلات الشعر والقصائد والسجالات الشعرية التي تحوي تفاخر القبائل على حساب الأخرى، ودعا الرزين الجهات ذات العلاقة بضرورة المشاركة بغرس الانتماء الوطني على حساب العنصرية، ومحاربة التعصبات وإغلاق كل القنوات الداعية لذلك . وهنا يوضح المحامي والمستشار القانوني سلطان بن زاحم وجود قوانين تحد من ظهور تصرفات عنصرية وغير سوية من بعض أفراد ينتمون لقبيلة ضد قبيلة أخرى، تحسبا من المعتدي وحفظا لكرامة المعتدى عليه، فقد جاء بالمادة الثانية عشرة من نفس النظام (تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.) وأضاف بن زاحم «في المادة السادسة والعشرين (تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية) فحينها تختص أقسام الشرطة بإثبات حالة الاعتداء الصادر سواء لفظيا كان أو حسيا (اعتداء الجسد)، وتحيله بدورها للادعاء العام الذي يقوم المحقق بواجبه بتمحيص الواقعة واكتمال دائرة التجريم لهذا التصرف، ومن هو الفاعل وما قد يكون من مشاركة أو مساعدة أو تحريض من الغير ليرصده ضمن لائحة اتهام وتحال للمحكمة الجزئية لينظر القاضي حقيقة هذا التصرف الشنيع لينزل عليهم حكمه على هؤلاء المعتدين ليحفظ كرامة المعتدى عليه». وشدد ابن زاحم على صدور احكام قضائية قاسية بخصوص ما أنتجته العصبية القبلية وكانت رادعة لعدم تكررها وتفاقمها، داعيا في الوقت نفسه لمناقشة مثل هذه المسألة في الحوار الوطني ومجلس الشورى وعمل حملات توعوية للحد منها . محاربة المنتديات ونفى عضو لجنة الشباب والأسرة في مجلس الشورى الدكتور أحمد الزيلعي معرفته بمناقشة هذا الموضوع في المجلس، متوقعا أن يكون قد نوقش من قبل، مبينا أن مشكلة العنصرية قديمة وقد نهى الرسول عنها، مطالبا بضرورة تجفيف منابع العنصرية من منتديات وقنوات فضائية وملتقيات أصبحت تشكل خطرا على وحدة المجتمع. وأبان مدير التوجية والتوعية السابق في وزارة الداخلية مدير إدارة التنسيق الأمنى في الوزارة الدكتور علي بن شائع النفيسة أن الدولة بكل أجهزتها تحارب التعصب لما يشكله من خطر على الوحدة الوطنية، مؤكدا في نفس السياق وجود خطوات عملية بإغلاق مواقع ومنتديات إلكترونية تبث التطرف إضافة لمكاتب بعض الفضائيات. وهنا يوضح المتحدث الرسمي باسم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات سلطان المالك أن مهمة الهيئة في هذه القضية هي فنية بحتة حيث تقدم الدعم الفني في حال طلب منها ذلك، سواء من الداخلية أو هيئة الرقابة والتحقيق، موضحا أن الهيئة لا تحجب سوى المواقع الإباحية، أما الشكوى التي تصلها حول المواقع التي تسيء للمجتمع السعودي أو رموزه وتثير العنصرية فإنها تحيل هذه الشكاوى إلى لجنة مكونة من ست جهات منها وزارة الداخلية وعدة جهات أخرى بحيث تجتمع أسبوعيات وتدرس هذه الشكاوى وتعطي أوامرها للهيئة بحجب هذه المواقع في حال ثبت ضرر هذه المواقع. وفي مقابل إغلاق الجهات الرسمية لمنتديات تثير العصبية ظهرت على السطح مبادرات من بعض القبائل تؤكد على أن هناك تحركات واعية للحد من العنصرية منها اتفاق مشرفي 500 موقع منسوبة إلى قبائل، على هدف «التعريف بماضي القبيلة»، ومشددة على «الحرص على عدم إذكاء روح العصبية القبلية»، ونجح معظم المشرفين على تلك المواقع في المحافظة على هذه الأهداف، وإن بشكل عام. وفي خطوة وصفها الكثيرون ب«المهمة»، للحد من انتشار هذه الظاهرة، اجتمعت إدارات المنتديات في محافظة الأحساء، في ملتقى كبير، تم الاتفاق من خلاله على ما يشبه «الوثيقة» أو «المعاهدة»، التي تحمل شروطاً عدة، من أبرزها «الابتعاد عن كل ما يؤجج الطائفية، أو القبلية»، ما أسهم في إخماد نيران الشحناء الواضحة في تلك المواقع. لكن كثيرين يرون أن برامج المحادثة المرئية والصوتية، وحتى الكتابية، مثل «البالتوك»، تعد «الأخطر» في هذا الجانب من سابقتها، لكونها أكثر زحاماً، وأقل رقابة، وتوفر خدمات عدة، منها الغرف المرئية والمسموعة والمكتوبة، وتحوي صراعات عدة، كانت القبيلة والجنس والطائفة والانتماء العناوين الأبرز فيها، ولا تخضع لرقابة، سوى رقابة القائمين على تلك الغرف مما يوجب التشديد على رقابة هذه الغرف. فضائيات الفتنة وبالعودة لكلام الدكتور علي شائع النفسية أن انتشار العصبية يعود لضعف الوازع الديني والولاء الوطني، مبينا أن التفاخر بالقبيلة يحوي أمورا جاهلية حاربها الإسلام، منها التفاخر بالعادات والتقاليد، والفخر بالحروب ضد القبائل الأخرى، داعيا شيوخ القبائل لضرورة محاربة مثل هذه الأمور، مشددا على أن التفاخر يكون بالتدين والعلم والإبداع وليس بالقبيلة وحدها. ودعا النفيسة لمحاربة القنوات الشعبية والشعرية التي تعتبر أكبر مروج للعصبيات من خلال مواد إعلامية تعجب البسطاء والجهال الذين لا يملكون مقومات الافتخار الحقيقي. وينفي المشرف العام على التلفزيون المستشار عبدالرحمن الهزاع وجود أي قصور في محاربة القنوات المثيرة للعصبيات مستدلا على ذلك بإغلاق الوزارة لمكاتب أحد أكبر القنوات الشعبية في المملكة بسبب إثارتها للعصبية والنعرات بين أبناء المجتمع، مؤكدا على أن هذا الإغلاق قد تتبعه قرارات أخرى وهو يعتبر جرسا لبعض القنوات التي لا تلتزم بالمبادئ المهنية وتثير التعصبات والحساسية بين أفراد المجتمع. وأكد الهزاع على أن وزارة الإعلام تلقت شكاوى عديدة ضد ما أسماه بالعصبية وكلهم يشتكون القناة بسبب انتهاجها النفس القبلي المتعصب، مؤكدا تحرك الوزارة نحو قنوات أخرى وضعت العين عليها. مبينا أن الشكاوى تتمحور حول بعض البرامج المعروضة المثيرة للعصبيات ومخالفات شريط الرسائل النصية القصيرة sms بالإضافة إلى عدم وجود ترخيص رسمي من الوزارة، مشيرا إلى أنه سيتم النظر في تلك الشكاوى باللجنة المختصة في الوزارة، مشيراً إلى أن تلك الشكاوى من اختصاص الوزارة ولن تحال إلى المحاكم القضائية. ونبه الهزاع جميع القنوات العاملة في المملكة إلى العمل وفق الأنظمة والشروط المعمول بها والبعد عن إثارة العصبيات وإلا سيتم إيقافها فوراً دون سابق إنذار. ولفت الهزاع إلى أن وسائل الإعلام تعمل على محاربة العنصرية بكافة أشكالها من خلال ما تبثه من برامج، مرحبا باستخدام المشاهير في عمل حملة للتحذير من خطورة التعصب القبلي والإقليمي والمناطقي. قنوات الشعر لكن كثيرا من المراقبين يحملون قنوات الشعر وبرامجه السبب في تنامي العصبية في المجتمع السعودي، حيث يستخدمها الكثيرون لرفع أسهمهم لدى أفراد قبيلتهم، لكن مسؤولي القنوات الشعرية يردون دائماً بأن الموروث قيم، ويجب المحافظة عليه وتحمل وقائعه التاريخية حتى لو كانت لا تعجب البعض. ومن هؤلاء عضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد آل زلفة الذي دعا لتوقف كل المظاهر الممثلة في برامج تزيد من حدة التعصب القبلي، مثل مزايين الإبل، وبعض البرامج في القنوات الفضائية والمجلات الشعبية كأنها تتعصب لقبيلتها. ورأى أنه من الواجب أن لا يسيطر على مؤسسات المجتمع المدني أصحاب توجهات معينة في دواخلهم وفي تخطيطاتهم بأن يكون الحي كله على طريقتنا ونحارب من ليس على طريقتنا، وبذلك إذا دخلت القضية في مؤسسات المجتمع المدني هذا يعني أن الخلافات تنتقل من مستوى القبائل والمناطق إلى الأحياء. ويدافع مدير قناة الدانة ناصر الحسين عن المحطات الشعبية والشعرية، مؤكدا أنها تحاول نقل الموروث بعيدة عن مواضيع إثارة القبلية مؤكدا أنه فعلا يوجد من القنوات ما يثير هذه النعرات بطريقة أو أخرى، تحت تعرضها لإغراءات مالية أو معنوية لقيامها بتغطية فعالياتها من المهرجانات التي تحوي على عصبيات قبيلة أو تثير العنصريات، مؤكدا على أنهم دعوا جميع القنوات الشعبية والمناطقية لاجتماع يتم من خلاله التنبيه إلى مخاطر إثارة النعرات والقبلية والعمل على توحيد السياسات الإعلامية بشكل يقدم المورث ويثري ثقافة التنوع في إطار الوحدة الوطنية ضمن المادة المعروضة على فضائياتنا. التربية والمسجد بدوره يدافع مدير عام البرامج والمشروعات التربوية في وزارة التربية والتعليم محمد بن عبدالله البيشي عن دور الوزارة في محاربة العصبيات وغرس الانتماء الوطني من خلال مشروعاتها التطويرية وبرامجها وأنشطتها الميدانية على مختلف المستويات (الطالب، المعلم، المدرسة، إدارات التربية والتعليم). وأبان البيشي أن الطالب يستفيد من خلال المنهج حيث تولي الوزارة تعزيز العديد من القيم الإيجابية ومنها نبذ الفرقة والتمايز العنصري من خلال مناهجها بشكل عام وفي بعض التخصصات كمناهج التربية الإسلامية، والتربية الاجتماعية والوطنية، واللغة العربية، والمهارات الاجتماعية الأخرى. فمنذ أن يلتحق الطالب بالتعليم يتلقى في مادة الفقه والسلوك العديد من المفاهيم والقيم التي تعزز المثل العليا. ويستمر ذلك التعزيز بما يناسب المتعلم حتى تخرجه من التعليم العام. وأفاد البيشي أن الطالب يستفيد من خلال الأنشطة الميدانية فهناك العديد من البرامج التربوية التي تسهم في تعزيز المفاهيم الوطنية سواء من خلال برامج الأنشطة غير الصفية، وبرامج التوجيه والإرشاد المختلفة. وشدد البيشي على الاهتمام بالمعلم وتأهيله ويظهر ذلك من خلال اهتمامات الوزارة نحو آليات تقويم المعلم والكفايات التدريسية والبرامج التدريبية السنوية. ولفت مدير عام البرامج والمشروعات التربوية إلى أن الوزارة تعمل من خلال الأنظمة الإدارية، ويظهر في تعزيز تلك القيم في برامج الوزارة لتفعيل توجهها الجديد نحو الانتقال من المركزية الإدارية إلى اللامركزية، وبتفعيل الشراكة المجتمعية والمؤسسات التعليمية وغيرها من المؤسسات فيما بينها نحو نبذ تلك الممارسات والمعتقدات السلبية وتعزيز القيم الوطنية العليا. وهنا تنفي المشرفة التربوية حياة المطوع وجود إثارة للعصبيات في المدارس، مبينة أن إثارة العصبيات تكون في القرى أكثر منها في المدن، لكنها تؤكد على أنها لا توجد وإذا حصلت فإنها حالات شاذة لا يقاس عليها. ويؤكد رئيس لجنة تقييم الائمة والخطباء في وزارة الشؤون الإسلامية في الرياض الدكتور عزام الشويعر أن الوزارة عممت على الخطباء والأئمة والدعاء بضرورة الحديث عن نبذ العصبيات والانتقاص من الآخرين من وجهة شرعية ووطنية واجتماعية. ولفت الشويعر إلى أنهم لم يسبق ورصدوا خطيبا يستخدم المنبر لإثارة النعرات، مبينا أنه إذا وجد فإنه يحال للتحقيق وينظر في أمره وقد يتم طي قيده، مشددا على أن الخطباء واعون ويدركون أهمية المشاركة في التوعية بنبذ العصبيات لمصلحة الوطن والمجتمع ووحدته.