د.يوسف بن أحمد القاسم - الاقتصادية السعودية تحدثت في المقال السابق بعنوان ""نداء من حاج"" عن بعض السلبيات التي رأيتها في حج هذا العام, وفي هذا المقال أتطرق لقضية مهمة جدا, وهي امتداد للموضوع السابق, لا سيما أن الجهات المعنية تتهيأ هذه الأيام لعرض الإيجابيات والسلبيات في حج هذا العام, واستعراض الحلول الممكنة للمشكلات الواقعة فيه, وفي تقديري أن أبرز مشكلة في الحج بعد توسيع الجمرات, هي مشكلة الزحام في طواف الوداع, حيث أصبحت الجمرات بطاقتها الاستيعابية الكبيرة تضخ أعداداً هائلة من الحجاج إلى الحرم في اليومين الثاني عشر, والثالث عشر, مما أدى إلى تكدس أعداد هائلة في الحرم في وقت محدود, حتى اضطر المسؤولون إلى إغلاق بعض أبواب الحرم في وجه الحجاج؛ حفاظاً على سلامتهم من التزاحم والتدافع, وهنا أستعرض بعض السلبيات الواقعة في الحرم إبان التفويج للوداع, وما يمكن تلافيه, وما يمكن وضعه من حلول, وأستعرض ذلك في النقاط الآتية: الأولى: يرى البعض أن الفتوى لكل الحجاج بجواز الرمي قبل الزوال من اليوم الثاني عشر يخفف من الزحام, وفي الواقع أن وجود من يفتي بجواز الرمي قبل الزوال, ومن يفتي بمنع الرمي قبل الزوال, يساعد في تفويج الحجاج في فترات مختلفة, أما حث المفتين جميعا بالفتوى بجواز الرمي قبل الزوال, فإنه لا يحل المشكلة, بل يعمقها, وينقل الزحام من وقت الزوال إلى وقت الفجر, لا سيما أن وضع الجمرات أصبح أفضل حالاً من ذي قبل بعشرات المرات, وهنا يجب التريث في الفتوى, وألا تكون الفتوى بناء على ما يطلبه المستمعون. وبالتالي, فإني أرى اختلاف الفتوى في هذه المسألة - حسب الاجتهاد - تساعد في تنظيم التفويج؛ لئلا تكون ساعة الانطلاق واحدة, فتكون ساعة دخول الحرم واحدة. الثانية: واقع العربات المشاهد في اليوم الثاني عشر واقع يرثى له من جهتين: 1- من جهة أسعارها الباهظة, بحيث ترك المجال لمؤجريها أن يرفعوا السعر إلى 500 ريال للعربة الواحدة, وهذا يجب التنبه له, فليس كل حاج ضعيف أو مريض أو كبير يملك هذا السعر الكبير, وبالتالي لا بد من تعزيز الرقابة على الأسعار مراعاة للحجاج. 2- من جهة اختراق العربات لجموع الطائفين, مما أدى إلى إيذاء الراجلة بأطرافها الحديدية, وإحداث ربكة داخل السعي, حيث لاحظت من أعلى سطح الحرم تعثر مسير الطائفين في المسارات والأدوار التي يوجد بها عربات متنقلة, وهنا لابد من إعادة النظر في الرقابة على هذه العربات لتأخذ خط سيرها النظامي, وأعتقد أن المشكلة بسبب أن خط السير المحدد لهذه العربات لا يستوعب الأعداد الكبيرة لهذه العربات, ومن هنا, فإنه ينبغي إعادة النظر في مساحة هذا الخط لتوسيعه قدر الإمكان, ومن وجهة نظري، فإنه يمكن وضع حاجز حديدي متحرك, يفصل طواف الراجلة عن طواف الراكبين, ويوضع في وقت الزحام بالحج ورمضان, حيث يوسع خط السير الجانبي في الدور الثاني والسطح؛ ليستوعب أعلى طاقة ممكنة. الثالثة: تخصيص الدور الثاني كله للطائفين, حيث يستوعب أعدادا أكبر, لا سيما في ظل وجود مسعى في الدور الرابع, فالسعي يحظى بمساحة أكبر بفضل الأدوار الأربعة, خاصة أن كثيراً من الحجاج يكتفون بالطواف في يوم التعجل أو التأخر؛ إما لكونهم مفردين أو قارنين وقد قدموا السعي مع طواف القدوم قبل ليلة النحر, أو مع طواف الإفاضة يوم العيد. والسعي في الدور الثاني وإن كان لا يمكن الاستفادة منه كاملا في الطواف, إلا أنه يخفف من الربكة التي يحدثها الحجاج حال السعي, لا سيما أنهما يقتربان في منطقة لحد الصفر, فيصطك الطائف بالساعي مع كثرة الحجيج. الرابعة: تعطيل المصاعد يوم التعجل يبدو أنه مقصود لئلا تكون السلالم الكهربائية عاملاً من عوامل التزاحم, بنقل أعداد كبيرة من الحجاج إلى مناطق ممتلئة, ولكن هذا التعطيل لا بد من إعادة النظر فيه؛ لأنه أدى إلى تحويل المصعد الواحد إلى مسارين للطلوع والنزول في وقت واحد بفعل الحجاج الذين يختلط أمامهم الأمر مع الزحام, ولا تسأل هنا عن اللغط والتزاحم والضجيج, وهنا أقترح أن يكون التشغيل مستمرا للمصاعد, حتى لا يتكدس الحجيج في الأدوار السفلى, ولئلا تتحول المصاعد إلى فوضى, ولكن لا بد مع هذا من تنظيم التفويج من أسفل عند الأبواب, تلافياً لما يحذر منه المسؤولين عند تشغيلها, وبهذا يمكن تحسين الوضع إلى الأفضل. الخامسة: نشر اللوحات الإرشادية الإلكترونية وبلغات متعددة في أرجاء الحرم, وبشكل واضح, حيث إن الزحام والتراص الشديد سببه في كثير من الأحيان إما انخفاض المستوى الأخلاقي لدى الحاج, فلا يبالي بالمزاحمة عمدا وإيذاء الغير, وإما سببه عدم العلم بالأدوار التي ينخفض فيها الزحام؛ لأنها تنخفض في مكان ثم تتصاعد في آخر بحسب اتجاه الحجيج, فتكون اللوحات الإلكترونية عاملاً مساعداً في تنظيم الحجاج, ويمكن أن تكون هذه اللوحات آلية مناسبة لمنع بعض الشعائر النفل, فمثلا رأيت عدداً من الحجاج في يوم التعجل لابساً ثياب الإحرام, قادماً من أدنى الحل ""من التنعيم أو غيره"" بعمرة..!! وهنا لا بد من منع هؤلاء من أداء العمرة في ظل هذا الزحام إبان أداء شعيرة الحج, حتى يخف الزحام, ثم يفتح المجال لهؤلاء الراغبين في العمرة بعد أن يهدأ الحرم. وهذه المسألة تقودنا إلى نقطة سادسة. السادسة: وهي أن بعض الحجاج ليس لديه الحكمة في اختيار الوقت المناسب لأداء مناسك العمرة - كما تقدم - وربما ليس لديه العلم الشرعي لفقه بعض الأحكام المتعلقة بنسك الحج, حيث سألني أكثر من حاج: هل لطواف الوداع سعي كما لطواف العمرة والإفاضة..؟ وبالطبع أجبت بالنفي, ولكن هذا يعطي مؤشراً واضحاً أن بعض الحجاج يؤدي مناسك يظنها واجبة عليه, وهي ليست كذلك, فيضاعف الزحام, كما أن كثيراً من الحجاج يسعى بين الصفا والمروة أربع عشرة مرة, على ظن أن الذهاب والإياب بينهما يحسب شوطاً واحدا..! ولا ريب أن أعداد المفتين والمرشدين لا تستوعب هذه الأعداد الهائلة من الحجاج, ولهذا لا بد من الاستفادة من التقنية الحديثة لسد الفجوة وملء الفراغ, والله تعالى أسأل أن يوفق الجهود, وأن يسدد الخطى, وأن يوفق المسؤولين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين, آمين.