صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية الحملة التي قامت بها الحكومة المصرية أخيراً وتم بموجبها إغلاق عدد من القنوات الفضائية الدينية فتح باب النقاش من جديد حول ما يعانيه الفضاء العربي من أزمة في مفهوم حرية التعبير، وما نتج عن ذلك من بث عشوائي يتم دون ضوابط نظامية أو أخلاقية تحكم هذا البث، فقد أصبح الفضاء العربي مستباحاً لكل من يريد تحقيق مكاسب مادية أو سياسية أو مذهبية، دون أن تكون هناك رقابة تفرز ما يعرض وتحاسب من يتجاوز أخلاقيات البث الفضائي، ولهذا السبب أصبح الإنسان وهو يقلب القنوات الفضائية يخشى أن يخرج عليه فعل فاضح أو كلمات نابية أو تهجم على الدين والأخلاق. لهذه الأسباب يجب أن تكون الخطوة التي قامت بها الحكومة المصرية مقدمة لخطوات أخرى لتطهير أقمار البث الفضائي من القنوات التي تتعامل مع المشاهد العربي وكأنه إنسان مغيب الفكر، يقبل كل ما يعرض عليه دون أن تثور له كرامة أو أخلاق. ما يحتاج إليه الفضاء العربي ليس حملة على قنوات دينية معينة دون تمييز بين قناة وأخرى، فيؤخذ المصيب بجريرة المخطئ، بل يحتاج إلى نظام يحكم البث الفضائي، ويطبق على جميع القنوات، بما فيها القنوات المنوعة والفنية وقنوات الشعر والأفلام وقنوات ما يسمى بالطب البديل التي خلطت بين الطب والشعوذة. ومما يؤسف له أن يرى الإنسان قنوات عربية تبث أفلاما أجنبية تحوي من المشاهد والألفاظ ما لا يمكن أن تجيزه البلدان المنتجة لهذه الأفلام، في حين تعرض في عالمنا العربي في وقت الذروة وتترجم كل تلك الألفاظ الخادشة للحياء والمحرضة على الانحراف إلى اللغة العربية. كما أن من المؤسف أن نرى قنوات تبث القرآن الكريم وتعرض على شاشاتها دعايات لعلاجات ومعالجين هم إلى الدجل والشعوذة أقرب، وأن نرى عشرات القنوات التي تدعو إلى الانحلال الأخلاقي وتسهل الوصول إليه. إن الحل لهذا الوضع ليس حملات منفردة ومرتجلة على بعض القنوات، وإنما إعادة النظر فيما طرح في الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الإعلام العرب الذي عقد في شباط (فبراير) عام 2008م تحت عنوان "مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي والإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية"، وهو الطرح الذي لم توافق عليه بعض الدول العربية، وبعض العاملين في مجال الإعلام آنذاك، حيث تعرض لحملة عنيفة بعد تصويره بأنه ينافي حرية التعبير وحرية الإعلام، والغريب أن الكثيرين ممن وقفوا في وجه ذلك المشروع نراهم اليوم وهم يهللون لإيقاف عدد من القنوات الفضائية الدينية. إن من المهم أن تكون القنوات الفضائية أدوات توعية وتنوير لا أن تكون أدوات مزايدة على قيم ومُثل المجتمع، أو أدوات هدم للمجتمعات العربية عبر المتاجرة بمشكلاتها، وعبر إثارة النعرات الطائفية والعرقية، وهذا لن يتأتى إلا عبر نظام صارم يسري على الجميع.