اتخذت السلطات الإعلامية المصرية قرارات متلاحقة في إطار سياستها ل «تنقية» البث الفضائي أوقفت بمقتضاها 18 قناة توصف بأنها «سلفية»، وأنذرت عشرات القنوات الأخرى من بينها قنوات إخبارية، فضلاً عن إقرار قواعد صارمة للبث المباشر وكذلك فرض قيود جديدة على خدمة رسائل المحمول الإخبارية. وتزامنت كل هذه الخطوات مع الجدل المتفجر في الساحة الإعلامية في مصر حول إقالة رئيس تحرير جريدة «الدستور» الخاصة المعارض البارز لنظام الحكم إبراهيم عيسى عقب استقالته من تقديم برنامج حواري على قناة إخبارية خاصة، ما أوحى بحملة للتضييق على الإعلام الخاص قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وكذلك الانتخابات الرئاسية التي تجرى العام المقبل، ووسط حالة من الحراك السياسي، هدأت فجأة، للمطالبة بتعديل الدستور لتخفيف شروط ترشيح المستقلين. وفرض الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات قيوداً وضوابط للرقابة على خدمة رسائل المحمول الدعائية والإخبارية التي تقوم عليها شركات ومؤسسات إعلامية خاصة. واشترطت القواعد الجديدة الحصول على موافقة من وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة لبث هذه الرسائل. كما أقرت وزارتا الإعلام والاتصالات ضوابط جديدة للترخيص بمزاولة نشاط البث المباشر الذي تزاوله 9 شركات وقنوات في مصر، إذ اشترطت القواعد الجديدة نقل وحدات النقل المباشر إلى مكاتب دائمة في مدينة الإنتاج الإعلامي للحصول على ترددات من جانب جهاز تنظيم الاتصالات لبث إشارات الإرسال والاستقبال للمواد المسجلة أو المنقولة مباشرة من مصر للعالم أو العكس، ما أثار استياء هذه الشركات التي أكدت أن القرار الجديد من شأنه رفع نفقات التشغيل بنسب عالية فضلاً عن صعوبة مواكبة الأحداث الجارية. وتسبب هذا الأمر - بحسب أحد قيادات واحدة من هذه الشركات - في إلغاء تعاقدات لبث وقائع الانتخابات المقبلة مباشرة لمصلحة إحدى القنوات الفضائية العربية العاملة في مصر. وقررت الشركة المصرية للأقمار الاصطناعية (نايل سات) وقف 18 قناة فضائية وقفاً موقتاً لحين «تصويب مسارها» وتغيير رسالتها الإعلامية «بما يحقق الالتزام بضوابط تعاقدها مع نايل سات والتزامها التام بثوابت الأديان السماوية وعادات وتقاليد المجتمع المصري والعربي والتوقف عن إثارة النعرات الطائفية والحض على ازدراء الأديان، والتزامها ميثاق الشرف الصحافي والإعلامي». كما أنذرت أكثر من قناة بضرورة الالتزام بالعقد. وفيما اعتبرت السلطات الإعلامية أن هذه القرارات تأتي في إطار «تنقية الفضاء المصري والعربي»، اعتبر مراقبون أن الأمر هدفه التضييق على الإعلام قبل الانتخابات البرلمانية المهمة. وقال نادر جوهر صاحب شركة «كايرو نيوز» إن القرارات الأخيرة تهدف في شق منها إلى تنظيم البث الفضائي ومن ناحية أخرى التضييق على الإعلام الخاص. وأضاف جوهر: «هناك قنوات دينية تبث خرافات في عقل المشاهد المصري والعربي وأمرها يحتاج إلى تنظيم، لكن الحكومة دائماً تسيء استخدام التوقيت فالقرارات الإعلامية دائماً يشوبها صفة التحذير (...) كان من الممكن تأجيل بعض القرارات لحين انتهاء الانتخابات البرلمانية لكن كل القرارات صدرت قبل الانتخابات وفي شكل متزامن». لكن جوهر اعتبر أن هناك تقييداً في قرار إلزام شركات البث المباشر بالبث من مدينة الإنتاج الإعلامي. وقال: «الدولة في حاجة إلى التواصل مع الإعلام الأجنبي ونقل الصورة الموجودة بدلاً عن منعها (...) الإعلام لا يجب التعامل معه عبر الأمن». وأضاف: «هذا القرار سيتسبب في تراجع دخلنا بنسبة 50 في المئة فضلاً عن أن التعامل مع المواد الخبرية والبث المباشر لا يمكن أن يتم من مدينة الإنتاج الإعلامي، هذا القرار يمنعنا من نقل الحدث مباشرة وهو يعتبر قراراً مستتراً بالغلق». وأوضح أن الانتخابات المقبلة «لن نرى فيها بثاً مباشراً من أمام مراكز الاقتراع كما كان يحدث في السابق (...) هذا الأمر سيتولاه التلفزيون الرسمي حصرياً». وأعرب مركز «سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز» عن انزعاجه الشديد لاستمرار الحكومة ممثلة في إدارة القمر الاصطناعي المصري نايل سات في غلق مزيد من القنوات الدينية «بزعم أنها تشيع روح الفتنة، وتروج لأساليب علاجية غير مصرح بها، وتتبنى أساليب الدجل والشعوذة، وهو ما يمثل خروجاً عن الأعراف والأخلاق والأديان». وقال المركز في بيان إن ادعاءات إدارات نايل سات وعرب سات، في ما يتعلق بأسباب غلق تلك القنوات، «غير مقنعة، وتخالف الأعراف والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وكذلك الدستور والقانون المصري الذي يؤكد ضمان وصيانة حرية الرأي والتعبير». ورأى أن «غلق القنوات الدينية أصبح سياسة ممنهجة تتبعها الحكومة قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، خوفاً من تأثير رسالتها الدينية في الناخبين، ودفعهم للإدلاء بأصواتهم لمرشحي المعارضة». وأضاف: «تلك السياسة من شأنها أن تضر بمستقبل مصر وتفقدها خيرة أبنائها من الدعاة والعلماء والخبراء الذين قد يلجأون إلى ترك مصر واللجوء إلى بلاد أخرى من أجل استكمال رسالتهم الدعوية والتربوية بحرية تامة ومن دون ضغط أو رقابة من أحد».