باحترافية واضحة أراد تلفزيون ال«بي بي سي» البريطاني أن يربط بين من وصفه بالأمير الآسيوي «محمد بن نواف» ووقوفه في مدخل مبنى كنسي عريق عمره مائة وستون عاما كان يستخدم لبعث الإرساليات التبشيرية في مناطق آسيا المختلفة، ليعلن عن مساهمة «مليونية» لولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز في شراء مقر فخم وضخم لا يبعد إلا بضعة كيلومترات عن قلب المدينة الاقتصادية الطموحة مانشستر، وتحدث مع الأمير السفير حول احترافية وتاريخية هذه التغطية في المعرض المصاحب للمؤتمر السنوي لأندية الطلبة السعوديين الذي ترعاه سنويا جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. المفارقة التي عقدها تلفزيون ال«بي بي سي» مثيرة، لأنها تعني أن يتحول مبنى تاريخي عريق من تأهيل المبشرين المسيحيين لتنصير المسلمين في العالم الإسلامي، إلى مركز إسلامي لتأهيل المبشرين بسماحة الإسلام ووسطيته، لكن المهم في هذا التحول أنه لم يأخذ بعد التحدي أو المجابهة. إن بعض المتخصصين في أحوال الجاليات الإسلامية في الغرب يتحسس من موضوع تحويل الكنائس إلى مساجد، أو المؤسسات ذات البعد الكنسي إلى مؤسسات إسلامية، وإن كان لهذا التحرز ما يبرره، إلا أن المشكلة الحقيقية ليست في ذات التحويل، لكن ما يصاحبه أحيانا من أفعال وتصريحات استفزازية تنكأ جراح الماضي وصراعاته. إن اللغة الحماسية التي تنتشي بمثل هذه التحولات وتنزع إلى استخدام المفردات المتوترة لا تخدم مطلقا أوضاع الأقليات الإسلامية ولا مستقبلها، وهذا هو ما يجب أن يُحذر منه، لأن الغربيين وإن كانوا بطبيعتهم في الجملة لا يكترثون حتى بديانتهم، ناهيك عن الأديان الأخرى، فإن لهم تعلقا انتمائيا طبيعيا، هذا التعلق المغروز في النفس لا يتحرك إلا بالاستفزاز، ولهذا كانت لغة السفير السعودي هادئة ومنطقية وهو يعلن عن تبرع الأمير سلطان بن عبد العزيز، التبرع الذي لم يكن ليصل لولا القناعة بمساهمة المركز في تجسير علاقة الأقلية المسلمة بالمجتمع المحلي بكل أطيافه وألوانه. إن أحد الأسباب التي جعلت عددا من الساسة البريطانيين يهتمون بهذا المركز الجديد في مانشستر حرصه على تأهيل الجالية الإسلامية في بريطانيا ليكون أفرادها مواطنين صالحين في وطنهم الذي يعيشون فيه وارتضوا جنسيته الوطنية انتماء أبديا لهم، وهذه، كما قال لنا السفير السعودي الأمير محمد بن نواف يوم الجمعة الماضي في مدينة مانشستر، لها تبعاتها وحقوقها، إذ يجب أن يثبت المسلمون البريطانيون أنهم جزء حقيقي من المجتمع البريطاني وليس جسما غريبا فيه. من المؤسف أن هذه المسألة ليست مفتوحة للنقاش عند بقية الأقليات والعرقيات الأخرى في بريطانيا مثل اليهود والهندوس والبوذيين، ولهذا واجهت هذه الأقليات مشكلات أقل بكثير من الأقلية المسلمة التي ما برحت إلى الآن تناقش قضية الاندماج وتفسره بالذوبان وهذا خطأ، إذ ليس ثمة تناقض إطلاقا بين الاندماج مع المجتمع والحفاظ على الثوابت والقيم، بدليل أن هناك في الجالية المسلمة شريحة محترمة من رجال الأعمال والأطباء وأساتذة الجامعات، ساهمت مساهمة فاعلة ومؤثرة في تنمية المجتمع البريطاني وازدهاره مع الحفاظ على انتمائهم الإسلامي، ثم إن هذه الروح المتخوفة الحذرة أوجدت تخوفا وحذرا في الطرف الآخر، وهذا من شأنه أن يقلل الفرص في أن تضع الجالية نفسها موضع التأثير في صنع القرار على الساحة البريطانية، وهو الذي لا يزال دون مستوى الطموح بكثير مقارنة بعددها وإمكاناتها.