نجيب الزامل - الاقتصادية السعودية * أهلاً بكم في «مقتطفات الجمعة» رقم 356. *** * حافزُ الجمعة: الحياة مع أُناسٍ آخرين حتى ولو لم تعرفهم تحت ظلّ رغبةٍ واحدةٍ، وعزمٍ واحد، وأمَلٍ واحد، وهدَفٍ واحد تحقق رباطاً إنسانيا لا يمكن وصف عمق قوته، ويسمو بعلاقةِ حُبٍّ لتنهضَ منهم أصلب مقاومةٍ أمام أعْتى التحدياتِ، ولو كان التحدّي هائجاً بوابل أسلحة الموت.. كلّ منهم جرّبَ يوماً في حياته علاقاتٍ سعيدة، وإنما كل هذه العلاقات لا تساوي دقة قلبٍ نابض في هذا الجمْع المُتحّد بحبٍّ وسعادةٍ وثقةٍ لا يطولُها التعبيرُ، لأن مواجهة الموتِ الكاسح تفوق كل أدواتِ التعبير. الذين ماتوا في البحرِ، من أجل أقوى علاقةٍ يصنعها إنسانٌ مع إنسان، حققوا ذروة المُبْتغى، وهزيمة العدوِّ .. أنه يعرف ذلك! *** * ربما قرأ البعضُ مقالي الذي ظهر بهذه الجريدة عن «الفيسبوك» الإثنين الماضي، وحيث إني أوردتُ في ردٍّ على قرائي، وليس في صلبِ المقال، بأن «الفيسبوك» يذكرني بقصة «جورج أورويل» الشهيرة التي كتبها في عام 1948، وأعطاها عنوانا «1984»، وهي قصةٌ تنبؤيةٌ عما سيصيرُ عليه العالم في عام 1984.. وروى كيف أن كلَّ شعوب العالم انضوتْ في دولةٍ كبرى، وأن عيناً كبيرة تراقبهم سماها «الأخ الأكبر» وبعدها شاع الاصطلاحُ في لغاتِ الأرض .. يعني، أن «الفيسبوك» يتجسس علينا ونحن نعبّر عن عواطفنا، لتحوَّل إلى معلوماتٍ تُؤخذ للشركات التجارية ثم تترجم أرباحاً بالبلايين بعد أن عُرف النمطُ الاستهلاكي من العواطفِ المرسلة. الغريب، وصلتني رسالة من الفيسبوك تقول: «لو كان في المقال ما يشيرُ لموقعِنا بالإساءة فأنت معرَّضٌ للوم القانوني أمام محاكم ولاية كاليفورنيا»، على أنها فرحةٌ ما تمّتْ، لأني اكتشفتُ أن الردَّ جاء من برنامجٍ مترصدٍ لما يُكتب عن الموقع بأي لغةٍ من اللغات .. يا للهَوْل! *** * قضية الأسبوع: بصفحتي في الفيسبوك، انهمرت رسائلُ بالعشرات بشكل جعلني أنظر للفيسبوك من ناحيةٍ إيجابيةٍ هذه المرّة، فالرسائلُ تنادي بحماسة واستنكار وغضبٍ للوقوف مع الأبطال الصامدين الذين الآن هم في «أسطول الحرية» الداعم لغزّة المحاصَرة .. وأكثرهم يحيّون الأتراكَ بصفةٍ خاصة، ويلومون العربَ بصفة عامة. *** * عينات من بعض الرسائل: «ببعض التعديلاتِ مني التي لا تُغيّر المعنى». -« بنت أم مشاري»- الكويت: «منذ حرب تحرير الكويت، ونحن والفلسطينيون على علاقاتٍ حذِرة، ولكن الدم لا يصير ماءً، لما جاءت «الفزْعة» تقدمتْ نساؤنا قبل رجالنا لركوب البحر الخطر من أجل مناصرة أهلنا في غزة». -«مجموعة الشباب العربي»: «لا بد أن تقف معنا في حملتنا لمناصرة غزة، نحن شبابٌ وشاباتٌ من كل البلاد العربية». -«أيمن»- جدة: «أرجوك، نحن شبابٌ لا يمكن أن نتحمل ما يجري أمامنا من وحشيةٍ إسرائيليةٍ من موقع المشاهدين، «زهَقنا وانقهَرنا» من مجردِ المشاهدة والتحسّر، جِدْ لنا باتصالاتك، أو الميدان الإعلامي، أو مجلس الشورى، وسيلةً لنذهب ونشارك مع مناصري غزة، أو أن تشكّل مجموعةً بهذا المعنى تحت اسم «غزة»، ونحن جاهزون». -«محمود -غزة»: «متى نعمل صفحة موحّدة فقط لرصد كل ما يصير في البحر الآن، وما تفعله إسرائيل الجبانة؟ وسأكون من يزودكم بالمعلومات .. وبدموع أمّي». -«بهية الغريني»- الجديدة - المغرب:» قرأتُ لكم مقالاً في «العلَم» المغربية بعنوان «كتيبة الزهور» وهي الصفة التي أطلَقْتَها على البنات الشهيدات اللاتي فجَّرْنَ أنفسَهن ضد قوّات المحتل، وأعجبتني التسمية منذ ذلك الوقت. والآن، نحن مجموعةٌ صغيرةٌ من الفتياتِ المغربيات والجزائريات نحاول أن نأخذ الإذنَ من سلطات الموانئ لننطلق إلى غزة، تبدو الإجراءات صعبة ولكن لن نستسلم .. أما اسم حملتنا فهو: «كتيبة الزهور!» ويجب أن أوضّح للأستاذة «بهية الغريني» أن الاسمَ ليس من عندي، إنما هو عنوانُ كتابٍ ألفته كاتبةٌ أمريكية متفهِّمة لقضية فلسطين بعنوان «The Army of Roses» وترجمته أنا لما كتبتُ عنه بِ «كتيبة الزهور». - أما من «بنت الجبيل» فقد وصل أصدقُ وأروعُ شعورٍ تلقائي، فهي تقول عن اليهود: «هُدّوني عليهم!». *** * إن غزوةُ الغزوات إنما هي غزو الإنسان لنفسِهِ. لن تستطيع أن توجّهَ دفّة حياتك لعملٍ سامٍ، أو جهادٍ رفيع، أو مهمةٍ سامقة، أو غرَضٍ نفيس، إن لم تحقق النصرَ داخل نفسك. لا نصرَ في الخارج، إن لم يكن هناك نصرٌ في الداخل .. إن كنتَ خوّافاً فاغزُ الخوفَ الذي داخل نفسك، إن كنتَ جباناً فاغزُ الخنوعَ داخل نفسِك، إن كنت متردّدا فاغزُ الخَوَرَ داخل نفسك.. إن أردتَ أن تصعدَ مع راكبي أساطيل الحريات وشرف الإنسانية الأكبر، فعليك أولاً أن تغزو نفسكَ وتطهِّرها من عوالق الضعف والخوَر والتواكل والسلبية.. عندها ستجدلُ داخل نفسك الحبالَ المتينة التي ستصعد بها إلى مراكب الحرية والسؤدَدِ، وتكريس أكبر معاني الإنسانية: الحَقّ! * .. والمُهِمّ: وطني، فدَيْتُكَ هل أبثكَ لوْعَتي أمْ أنْطَوِي حتى تحينُ مَنِيَّتي؟! المسجدُ الأقصى أتسمَعُ صَوتَه يدعوكَ قدْ هتكَ الصَّهاينُ حُرْمَتي والقِبلةُ الأُولى يشمّ أريجَها أنْفُ اليهودِ، فقُمْ وطهِّرْ قُِبْلَتي