تركي الدخيل - الوطن السعودية عندما نقل لي بعض الزملاء أن منتسبا للعلم والدعوة يدعو لهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه من طوابق متعددة لمنع الاختلاط، أقسم إني ظننت أن الموضوع نكتة أفلتت من شهر الرسائل المجانية بعد نهاية العرس، أو أنها مبالغة ضخمة، لكني لم اتوقع للحظة أن يكون هذا الكلام حقيقياً حتى استمعت إلى المقطع على اليوتيوب بأم أذني إن كان لطبلتي أم أو أب أو خاله! الحقيقة أن هذا المقترح الجاهل يستحق ردة فعل تتوافق مع هذه الفكرة التافهة التي يقف لها شعر كل من يحمل حداً أدنى من تقديس لبيت الله الحرام! إن هذا المقترح، أوضح مثال، وأبرز دليل على (اختباص) الأولويات، و(لخبطة) الموضوعات، وتحول القضايا في أذهان البعض من قضايا ثانوية إلى قضايا أصلية، تحت تأثير فوران في دماغ هؤلاء، وافتراض أن كل أحد غيرهم، يصل الليل بالنهار وهو يخطط لمهاجمة الدين الذي لا يمثله إلا هذا المسكين وبعض من يرى رأيه، دون اعتبار لمخالفة غيره. أصلاً من غيره؟!. لأول مرة أعرف أن هناك من يحاول أسلمة "الهندسة"، بحيث تكون جزءاً من النظريات الهندسية مخصصة لتأسيس مبانٍ تحتوي على مخطط يمنع كل شكل من أشكال الاختلاط! هذا ما فات على المهندسين منذ "أوقليدس" وإلى اليوم. أن يكون المطاف مفصولاً، وأن توضع عدة طوابق إن اقتضى الأمر، من أجل منع الاختلاط. إنها فتوى عجيبة ظريفة، أن يحاول المتطرفون وضع رؤاهم عبر الأشكال الهندسية، فيلجأوا-حتى إلى الهندسة- من أجل منع اختلاط كل شيء. يحدثني أحد الزملاء أنه شاهد برنامجاً كرتونياً على قناة إسلامية، من بطولة "الشوكة" و "الملعقة" و"المقص"، كان المقص يحب الحوار مع الشوكة، مع أنها أدوات جامدة! ومرةً نصحت الملعقة الشوكة، وقالت: "إن هذا الحوار والحديث مع المقص فيه اختلاط لأنه ذكر وأنتِ أنثى، هذا عيب"! ويشاهد الأطفال هذا البرنامج الكرتوني الذي يرسخ جزئيات صغيرة، ويكرس الفصل الذي وصل إلى حد العزل العنصري المرضي بين الرجل والمرأة!. قال أبو عبدالله غفر الله له: من ناحية نفسية فإن كل مظاهر الكبت التي نراها منعكسةً على الطيش لدى الشباب السعوديين نبت برعاية من مياه التشدد والتطرف. ولا نكاد نرى كل هذا الهياج تجاه المرأة في البلدان المنفتحة، يكفي أن أستدل بمقولة لعالم النفس فرويد الذي قال: "إن إخفاء البدن بصورة متزايدة يبقي حالة الهياج الجنسي في حالة تيقظ"! وهذا ما يشجع عليه الخطاب الديني المتشدد الذي يبدأ بالأنثى وينتهي بالأنثى! ويمر بهدم المسجد الحرام لمنع الاختلاط.