عبد الله بن سلمان العودة - نقلا عن الاسلام اليوم يذكر الأستاذ الصديق فيصل باشراحيل في كتابه المشترك مع د. طارق السويدان "صناعة القائد" أن هناك نوعاً من القادة يسمّون المؤثرين (influential )، وهم المؤثرون على المدى البعيد.. يتصفون بأنهم سريعون في أداء المهام، محبوبون جداً.. أصحاب علاقات واسعة، ويصدرون الأوامر بشكل غير مباشر.. والأغرب: ليس لهم مكاتب! كون هؤلاء النوع من القادة ليس لهم مكاتب لا يعني أنهم لا يديرون عملاً رسمياً.. بل لا يفعلون ذلك بشكل مباشر.. فكثير من القادة في فنون وعصور ومجالات مختلفة، يؤدون مهام استثنائية، ولكن بشكل غير مباشر، ولذلك كان يطلق المؤرخون للفكر المصري الحديث على كثير من أصحاب التأثير غير المدون كلمة "أستاذ الجيل". فأستاذ الجيل هو الشخصية المحبوبة والمؤثرة.. ولكنه في الغالب ليس له أثر كبير مدوّن وليس له إنتاج مكتوب.. ولكنه قد يكون ذا أثر كبير في صناعة مدرسة وجيل من أصحاب الأثر المدوّن والمكتوب؛ فهو شخصية مؤثرة لا مرئية، وسبب رئيس لصناعة مجموعة من الشخصيات المؤثرة، بيد أنه لا يفعل ذلك بشكل مباشر. جمال الدين الأفغاني –على سبيل المثال- واحد من أغرب الشخصيات المؤثرة في الفكر الإسلامي الحديث، بيد أن إنتاجه المكتوب محدود جداً، ولا يمثل شخصيته الحقيقية بحال.. وفي نفس الوقت فهو مدرسة أنشأت شخصيات كثيرة، كان لها أثر كثير مكتوب في مجالات مختلفة من الأدب والشعر والفكر والأدب والسياسة وغيرها. والشيخ ابن باز مثال آخر على شخصية ذات أثر مكتوب محدود؛ فكل كتاباته هي عبارة عن رسائل صغيرة الحجم جداً.. وفتاوى جُمعت عنه.. ولكنه مدرسة أثّرت بشكل ملحوظ، وقدّمت نموذجاً غريباً لشخصية فريدة في صناعة العديد من التلامذة، الذين بدورهم صنعوا الأثر المدون المكتوب، وصنعوا منها علامة بارزة. أستاذ الجيل.. هو أستاذ مدرسة فكرية، يخط لنفسه علامة بارزة مستقلة يستحق يها أن يُلقّب بجدارة أستاذاً.. وهو في نفس الوقت يقف الدارس لتاريخه بكل استغراب: كيف استطاع هذا الشخص صناعة كل ذلك التأثير مع قلة إنتاجه المكتوب والمدوّن؟ والجواب.. أن إنتاجه المدون.. هو أفكار ونظريات ورؤى وآراء.. يمكن معرفتها وملاحظتها من خلال القراءة لإنتاج تلامذته والمتأثرين به الذين حوّلوا نظرياته وإنتاجه الشفوي وتأثيره إلى إنتاج مباشر.. ورؤى مكتوبة بشكل علمي متماسك. هؤلاء أساتذة الجيل هم الذين يصفهم الفكر الغربي بشكل مطّرد بأنهم "القادة المؤثرون"، الذين يؤسّسون القواعد التحتية التي تحدد توجّه الفكر، أو الذين -على الأقل- يصفون تياراً مؤثراً في مربع معين مكاني أو زماني.. وهذه الشخصيات المؤثرة.. معرفتها وقراءتها يساعد كثيراً على رصد الحالة الثقافية في مكان أو زمان معين.. فهم ظواهر ثقافية مهمة.. تعبر عن مدرسة أو اتجاه عريض، قد يكون مادة مهمة لمستقبل مكتوب بشكل أدقّ وأعمق.. المهم.. أن الصخب والضجيج قد يلفت الأنظار لنوع من الشخصيات ذات الأثر المباشر والواضح.. بيد أن الهدوء والهمس.. يصنع نوعاً آخر أعمق تأثيراً، وأقل ضجيجاً.. وبعض الناس يقولون: "العربة الفارغة هي التي تصدر الضجيج".