"فقي الكتاب" هذه الشخصية التاريخية التي لا يعرفها هذا الجيل والتي صنعت أعظم رجال المملكة العربية السعودية. على مدى التاريخ والتي ضربت بالفلقة كل آبائنا وأجدادنا.. إنه الأستاذ الوحيد في مدرسة كل مدينة. والتي كانت تقوم غالباً في المساجد ولا فصول ولا معامل ولا ميزانية.. التعليم فيها أحياناً مجاناً، وأحياناً بالقليل من النقود، أو الهدايا للأستاذ، والتدريس يبدأ من الصباح إلى العصر.. لا مدير مدرسة ولا فراشين، وشيخنا الفقي هو كل هذا معاً.. كم انهال ضرباً وصفعاً على أبناء هذه البلاد في الأجيال الماضية! وخرج من الدارسين في هذه الكتاتيب رجال تقلدوا كثيراً من المناصب الكبيرة، وكثيرون منهم ذكروا فضل فقي الكتاب على بلاغتهم في اللغة العربية وحفظهم للقرآن وتكون شخصياتهم. والآن الدولة تنفق مليارات الريالات كل سنة ويبقى التعليم الابتدائي لا يقنع أولياء الأمور وأيضاً بعض المدرسين. وأرى أن الحل في اجادة الطالب الابتدائي هو مدرسة الفصل الواحد، أي كتاب زمان الذي لا يتقيد بالسن ولا بالوقت والذي يتألف من معلم واحد، وسوف يتطور فقي الكتاب مع الزمن بطبيعة الحال.. فلا أظن أن أطفال اليوم وأولياء أمورهم يقبلون الضرب كما قبله أجدادنا، ولن يسمح الآباء لفقي الكتاب أن يفرض على التلميذ أي شيء لتقديمه في المناسبات لينال رضا الشيخ، ولا أظن أننا سنجد الآن الفقي الذي يقبل أن يعمل كل يوم ثماني ساعات. ويتولى تدريس كل العلوم ويقوم بمهمة المدير والمدرسين والفراشين وضرب التلاميذ. المدرسة القديمة "أي الفقي" كان لها أنصارها وهم كثيرون.. فهناك من يهتمون بتدريس أبنائهم أنواع الطِباق والمجاز وهي المحسنات البديعية وما إلى ذلك من زخرف العبارة ويعتبرون هذا أروع أنواع الكتابة.. بل انك لتجد كثيراً من المدرسين في الوقت الحاضر يبحثون ناحية معينة أو يعرضون فكرة خاصة يدور حولها الطالب في دائرة كبيرة حتى يتعذر عليه في كثير من الأحايين أن لم يلم بأطراف الموضوع وأن يعرف هدفه والغاية منه. أما مدرسو المدرسة الحديثة فإنهم إلى جانب نزعتهم الفكرية تلك النزعة التي تدعو إلى القضاء على كثير من تقاليد المجتمع القديمة فنجد الطلاب لا يعيرون معنى اللفظ والاسلوب وجمالهما كثير عناية، فالمدرسة القديمة أي الكتاب تدعو إلى جوهر الموضوع والعناية بأناقة الأسلوب. مكة المكرمة