مشاري الذايدي - نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية ببزوغ هذه السنة الميلادية الجديدة 2010، نكون قد بدأنا في سلخ العقد الأول من الألفية الثالثة. ماذا تغير من بداية 2000 إلى بداية 2010؟ نتذكر كيف كان التهليل لبداية الألفية الجديدة، ثم بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 استدار العالم ليدخل في مواجهة بلا نهاية مع «القاعدة» وعشرات المواليد لها، ثم عصر بوش الابن وحروبه الدولية التي كرهها كثيرون وما زالوا، ونترك الحكم عليه للتاريخ بعد أن يهدأ الغبار، لكن انتهى عصر بوش الابن وها هي أميركا يحكمها رجل أسود اسم والده حسين، استبشر معه المسلمون بأن التوتر الغربي مع المسلمين سينتهي... وها نحن نرى الرجل يبعث بالمزيد من الجنود لأفغانستان، ونرى «القاعدة» تهديه هدية عيد الميلاد بشاب نيجيري يفخخ ملابسه، بترتيب قادته في اليمن، ليفجر طائرة أميركية. درجت العادة على أن تطرح التوقعات والاستشرافات للعام الجديد، وتأمل العام الفقيد، لكن ها نحن أمام عقد مضى وعقد أتى، عقد راحل تحقق فيه ما كان كثير من مفكري العرب أو الغرب يحذرون منه، وهو فكرة صراع الحضارات، ويسخفونها أو يتهمون من يطرحها بالتعصب الفكري أو النظرة السوداوية، لكن الحقائق والوقائع هي أن كل ما جرى في العقد الماضي يدعم هذا التفسير لعشرات المواجهات الكبرى والصغرى، عسكرية كانت أو أمنية، مثلما هو الحال من أفغانستان إلى إيران والعراق واليمن والصومال، إلى المواجهات الفكرية والإعلامية السياسية كما في صعود اليمين الأوروبي ومآذن سويسرا ورسوم الدنمارك وفيلم الفتنة الهولندي ونقاب فرنسا... والحبل على الجرار. بعض من سيقرأ هذا المقال سيقول نحن لا بأس بنا أو نحن نستطيع حل مشكلاتنا بشرط عدم تدخل الغرب في أمورنا، وإن إرهابنا أو تشددنا الديني والفكري هو رد على الغرب وموقفه منا... هذا الكلام هو هروب إلى الإمام، ف«القاعدة» هي نتاج خلل عميق في كيفية فهم الهوية والدولة، والدول العربية بدورها، وقبل أن تبزغ شمس «القاعدة» كانت عاجزة عن إنجاز التحول الكامل إلى فكرة الدولة المدنية، وعليه صرنا في برزخ رهيب ومسافة مرعبة بين صخرتين في أعلى الجبل، لا نستطيع الذهاب إلى العصر ولا نستطيع الرجوع إلى الماضي. ها هي «القاعدة» تعود وتضرب بقوة رغم حديث كثير من الساسة والكتاب العرب، خلال السنتين الأخيرتين، عن انتهاء مرحلة «القاعدة»، وأنها «موضة» وانقضت، ها هي تعود بقوة وتجدد، ولم تنجح الحرب الدولية الاستخبارية والعسكرية في شطب «القاعدة» من التاريخ، هذا ليس بسبب قوة خرافية ل«القاعدة»، بل بسبب حيرة العقول المسلمة التي تخطط ومعها عقول الغرب أيضا في وضع اليد على موضع الداء الحقيقي، الجميع منشغلون بملاحقة أعراض «القاعدة»، تاركين النظر إلى أمراض هذه المجتمعات التي أنتجت «القاعدة» ومن قبلها جماعات أصولية كثيرة، مرض العقل والطريقة التي نمارس بها فهمنا للحياة والدين والسياسة، ولأننا لا نريد، أو لا نستطيع، أن نغير طريقتنا هذه بشكل حقيقي، نظل نطارد ظلال الوحوش، لا الوحوش نفسها... ترى.. أي عقد نحن مقبلون عليه؟