مشاري الذايدي - * نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية بعد القائمة الأميركية للدول التي سيخضع مواطنوها لتفتيش خاص في مطاراتها بعد عملية الطالب النيجيري الفاشلة، هاهي فرنسا تقول عبر وزير داخليتها إنها تعد من 20 إلى 30 دولة، سيكون مواطنوها خاضعين للعزل الأمني؛ أو «الكرنتينا» الأمنية، ذلك الإجراء الذي كان شائعا أيام العزل الصحي في موانئ العالم القديم. هناك ذعر غربي من الإرهابيين الإسلاميين، الذين يخشى الغربيون أن يدخلوا عليهم من كل ثقب، أو أن يهبطوا عليهم من كل سحاب. لكن للمراقب، تبدو الصورة أقرب إلى الهستيريا الأمنية منها إلى التصرف الناضج. طبعا لا يقدر الإنسان على ادعاء الحكمة الباردة، أو يلوم دولة في العالم على حماية مجتمعها، لكن يبدو أن هذه كلها تصرفات انفعالية مؤقتة وغير عملية؛ فهل ستجعل كل مسلم على الأرض عرضة للشبهات؟ لن نتحدث عن الأخلاقيات والتسامح.. إلخ، لنتكلم عمليا: كم مسلم على هذه الأرض؟ وكم مسلم يعيش في أوروبا؟ وكم مسلم يعيش في أميركا؟ وكم مسلم يعيش في أستراليا ونيوزيلندا؟ وأخيرا، كم مسلم يعيش في الدول غير المصنفة «مشبوهة» على قائمة أميركا، أو القائمة الفرنسية المرتقبة، أو القوائم التي ستحذو حذوهما؟ إننا نتحدث عن نحو ثلث سكان الكرة الأرضية، وجزء كبير منهم يسافر بالطائرات، مثل بقية البشر، ولهم مصالح وأبناء يدرسون، أو أناس يستشفون، أو رجال أعمال يجوبون الأرض، أو حتى عشاق، «وآخر من شكله أزواج».. إنها محاولة من الغرب لصيد بعوضة «قاعدية» بدبابة أمنية! لكن، لنشاهد الصورة من الجانب الآخر: كيف يفعلون؟ من الذي يضمن ألا يرتقي طائرة غربية شخص مجنون مثل الطالب النيجيري؟ الإرهابي ليست عليه دمغة في جبينه تميزه عن البقية، وليست له سمات اجتماعية ولا عرقية ولا اقتصادية ولا طبقية تجعل من السهل ملاحظته ومراقبته وملاحقته، هو مثل البقية، قد يكون فقيرا أو غنيا، جاهلا أو متعلما، ابن بواب، أو ابن وزير أو مدير بنك؛ «العولقي ابن وزير، والنيجيري ابن مدير بنك». ما يفعله الغرب في مطاراته ليس إلا رد فعل متشنج، لكن هكذا يفعل الملسوع لحظة اللسع، حتى تبرد اللسعة، وهانحن نرى أوباما يترك لغة الهدوء والابتسام، ويفعل مثل بوش الابن في توعد الإرهابيين وملاحقتهم، وتشديد الرقابة على الناس في المطارات، لدرجة تفتيش دواخل أجسادهم، ولو تستطيع التقنية الأميركية اختراع جهاز يكشف خواطر العقول لفعلت. لا يوجد جهاز ماسح للعقل والنفس يكشف الأفكار السوداء، التي تعشش في عقول الإرهابيين، وربما لو وجد هذا الجهاز لما استطاع كثير منا أن يجلس مع كثير منا! لن يزول هذا الجنون الديني إلا بإغلاق «صنبور» التعصب من محبسه، وليس بملاحقة المياه المتناثرة منه في كل اتجاه.. وصنبور التعصب معروف، ونراه رأي العين في هيئة نواب برلمان، وكتاب صحافة، ونقابيين، وشيوخ فضائيات، وأساتذة جامعات، ومسؤولين في التعليم والتربية والأمن.. إلخ، في طول العالم الإسلامي وعرضه.. لكن لا أحد يريد أن يرى.