مشاري الذايدي * الشرق الأوسط اللندنية تخيلوا أن تنهار شبكة الإنترنت فجأة وتمسي الاستفادة منها أمرا مستحيلا، تصبح نسيا منسيا؟ تخيلوا أن تفقد الأقمار الصناعية قيمتها ولا تستقبل الإشارات من كل الهواتف المحمولة على الأرض.. وتصير أجهزة الموبايل بكل صرعاتها مجرد «خردوات» أو قطع أثرية تعلق في البيت؟ تخيلوا لو توقفت صناعة الطيران التجاري؟ تخيلوا لو عجزت الأقمار الصناعية عن خدمة الكم الهائل من القنوات التلفزيونية في الأرض، وعدنا إلى السيرة الأولى؟ بعض هذه الهواجس، بل أغلبها، لم تكن مجرد هلوسات المتنبئين بنهاية العالم أو كارهي التقدم التكنولوجي، وسيطرة الآلة على الإنسان، وهو أمر خافته الآداب والفنون والسينما في العالم كله، وأكثرها كان متشائما من مستقبل الإنسان مع الآلة. وأن الإنسان يوشك أن يكون مجرد كائن تكنولوجي. آخر الأخبار التي تصب في هذا الاتجاه ما نشر ضمن تغطيات مرض أنفلونزا الخنازير في أمريكا، رائدة الاقتصاد والتكنولوجيا، حيث نمت المخاوف من تزايد غياب الأميركيين عن العمل والدراسة، ومعها حذر تقرير فيدرالي من أن ازدياد أعداد الداخلين على شبكات الإنترنت من المنازل يمكن أن يثقل شبكات الإنترنت ويؤدي إلى انهيارها! الإنترنت في عمر الزمان تقنية «طفل» لكنه أصبح عملاقا في سنوات سريعة، فهو لم يدخل إلى حيز الاستخدام العام، تقريبا، إلا بحلول أواخر 1994 حيث بدأ الجمهور يزاحم الأكاديميين عليه. واستمر الاعتماد على هذه التقنية الاتصالية العجيبة بشكل سريع ومذهل حتى وصلنا إلى أن العالم كله صار عبارة عن هذه الأحرف: www. مثل ذلك قل عن الموبايل وكيفية دخوله على العالم، ودعونا في عالمنا العربي، حيث التلفون الثابت يحتضر، ولم يبق منه إلا ذكريات تلفون «أبو قرص» وسلفه المرحوم «أبو هندل» ولم يعد التلفون الثابت هو وسيلة التواصل بين الناس، حتى في المنزل الواحد، وأعرف احد الأصدقاء يتواصل مع أبنائه عن طريق «البلاكبيري». السؤال خلف هذا كله، هل كانت حاجتنا إلى الموبايل والإنترنت عظيمة الأهمية إلى هذه الدرجة ونحن وأسلافنا كنا مغيبين عنها طيلة هذه الفترات؟ ما هي التقنيات الأخرى التي إذا اكتشفت سندرك كم كنا متخلفين قبل أن تشرق علينا؟ وخلف سؤال التقنية: كم من تحول وتطور اجتماعي وسياسي واقتصادي سنعرف حين حلوله كما كنا مضحكين وبؤساء قبل أن ننخرط فيه؟ تحولات وتطورات في علاقتنا بالآخر وأنماط تفكيرنا تجاه بقية البشر والكون والذات، وهي الآن أنماط تفكير محمية بعصبية التقديس الوهمي، ولكن لاحقا، ولا ندري بعد كم من السنين، سيضحك من يأتي بعدنا إذا عرف طبيعة خلافاتنا «الخنفشارية». من يدري، فلربما انتقلت عدوى التسارع الزمني في التقنية إلى مجال التطور الاجتماعي، بل هي، أعني تقنية الاتصالات، وثيقة الصلة بالتطور الاجتماعي، ولم يقل بعد جيل الإنترنت والموبايل كلمته، فما زال عواجيز ما قبل الإنترنت ممسكين بما تبقى من أعنة الخيل.. ومن يفسح له في العمر سيرى.