لعل فكرة «العرض حسب الطلب» (Video on Demand) هي واحدة من أهم الأفكار الجوهرية في تطبيقات الإعلام الجديد، فبينما يشاهد الناس التلفزيون دون أي تأثير على جدول البرامج، فإن تطبيقات العرض حسب الطلب تسمح لك بالاطلاع على قائمة من البرامج واختيار ما تريد مشاهدته متى ما أردت مشاهدته. لكن العرض حسب الطلب (VOD) لم ينجح بسرعة كما كان متوقعا، فبينما كان المخططون الإستراتيجيون يرون أنه سيكون له مفعول السحر، ويتخلى الناس عن مشاهدة القنوات التلفزيونية سريعا وينتقلون إلى قائمة الاختيارات، فإن أمرين ساهما في حماية التلفزيون من القادم الجديد، الأول: أن الناس تحب بطبعها أن تكون جزءا من تجربة جماعية، يحب الشخص أن يشاهد شيئا يشاهده معه ملايين الناس حول الأرض، ويحب أن يتحدث معهم عن هذه التجربة، مما يوفر لنا شعورا خفيا بالانتماء الاجتماعي، والأمر الثاني الذي ساهم في حماية التلفزيون هي أن القنوات التلفزيونية تتنافس فيما بينها لاختيار ما نشاهده بينما نجلس باسترخاء للمشاهدة دون أن «نحتار ونختار».. ولكن هذا كله قابل للتغير مع القادم الجديد، وهو التلفزيون الاجتماعي (Social TV)، حيث تم خلط تطبيقات الشبكات الاجتماعية (وعلى رأسها فيسبوك) مع تجربة مشاهدة التلفزيون. التلفزيون الاجتماعي يقوم على فكرة مبسطة وهي أن يستطيع الإنسان استخدام فيسبوك، تويتر، ويوتيوب وجوجل بلس من خلال جهاز التلفزيون، وهذا فعلا قد تم تنفيذه في كل التلفزيونات الذكية التي طرحت في السوق خلال العام الماضي، إلا أن المرحلة الثانية من هذا التطبيق هي مزج هذه التطبيقات مع تجربة مشاهدة التلفزيون والفيديو حسب الطلب، بحيث ترى من يشاهد برنامجا معينا من أصدقائك بشكل تلقائي، وبحيث تدردش معهم حول ما تشاهدونه في أسفل الشاشة أو من خلال تطبيق معين على الموبايل، بالإضافة لأن ترى تقييما لمختلف البرامج قام به «الأصدقاء» و»الفلورز» أو من خلال عموم الجمهور. هذا الأمر يحدث تغييراً جذرياً في تجربة مشاهدة التلفزيون لأنها تعمق ذلك البعد الاجتماعي في التجربة، ولكن هذا يعني المزيد من الإقبال على البرامج الحية والبرامج الجديدة التي تعرض لأول مرة، ويعني أن الدمج بين عرض البرنامج على التلفزيون والدمج بينه وبين التفاعل معه على الإنترنت والموبايل سيصبح أمراً أساسياً في نجاح القناة في تقديم تلك التجربة المتكاملة في المشاهدة والاستمتاع بالبرنامج التلفزيوني. بل إن إحدى الدراسات التي تمت في كولورادو الأمريكية (قامت بها شركة iModerate) تكشف أن بعض الأشخاص صار يشاهد برنامجا معينا فقط لأن أصدقاءه يشاهدونه ويريد أن يشترك معهم في الحوار، لتكشف الدراسة أن عدد ساعات مشاهدة التلفزيون زادت عند أولئك الذين يستخدمون الشبكات الاجتماعية أثناء المشاهدة. الدراسة نفسها تكشف عن ثلاثة أنواع من الجمهور التي تكونت حول استخدام الشبكات الاجتماعية أثناء مشاهدة التلفزيون: فريق المشجعين الرياضيين، وفريق الشباب الذين يستخدمون التلفزيون كجزء من حبهم لتأسيس شبكات الأصدقاء على الإنترنت، والفتيات التي تستمتع بالتجربة جزء من استمتاعها بالبرامج النسائية والتواصل مع النساء الأخريات. حتى «الفيديو حسب الطلب» سيصبح أكثر إغراء، لأنك ستستطيع الاطلاع على ما شاهده «الأصدقاء» على فيسبوك وتويتر وتعليقاتهم، ويصبح سهلا أن تختار ما تشاهده، بمعنى أن الشبكة الاجتماعية ستحل محل التلفزيون في اختيار ما نشاهد، وترشيح الأفضل لنا. هذه التجربة عموما بدأت تجد طريقها للتطبيق عبر تطبيقات الموبايل على آيفون وآيباد وأندرويد، وهناك تجارب مميزة في هذا الاتجاه، وخاصة لبعض القنوات الإخبارية والقنوات التوثيقية والتعليمية مثل ديسكفري وغيرها. هذه التجارب كانت دائما محل سرور القنوات التلفزيونية التي كانت تتخوف من تأثير الإعلام الجديد عليها فإذا بهذه التقنيات تزيد من متعة المشاهدة التلفزيونية وعدد المشاهدين وتعطي بعدا جديدا للتجربة كلها، بالإضافة لكونها تجذب جمهورا جديدا من عشاق التكنولوجيا الذين كانت القنوات التلفزيونية تظن أنها فقدتهم للأبد. هذا كله يأتي كجزء من تطور التلفزيون الذكي، الذي كتبت عنه في مقال سابق بعنوان: «عندما يصبح التلفزيون ذكيا ويسيطر!». التلفزيون كما يبدو يتحول إلى كائن ذكي اجتماعي يجلس على عرشه في وسط المنزل ولا يزداد إلا تألقا مع التكنولوجيات الأخرى التي تطوف من حوله..