مقدمة مع بداية انتقال العرب من شبه الجزيرة العربية في عهد الفتوحات الإسلامية، اختلط العرب بثقافات مختلفة أثروا بأصحابها وتأثروا بها، واستخدموا في ذلك العصر كلمات من أصول مختلفة أدخلوها في اللغة مثل «شمعدان» وهو ما يوضع فيه الشمع وأصلها فارسي، و»بقسماط» هذه الكلمة التي نستخدمها بشكل يومي وهي من أصل تركي وتعني الخبز الجاف، و»بصمة» والتي نستخدمها في كل مكان للتعبير عن طباعة عقلة الإبهام على الورق وهي من الأصل التركي «باصماق» وتعني طبعة القدم، هذا كما أسلفنا في عصر الفتوحات الإسلامية، ولكن قبل ذلك أتى القرآن الكريم بكلمات من أصول أعجمية أستخدمها العرب واعتبرت كلمات عربية مثل قوله تعالى «عاليهم ثيابُ سندسٍ خضرٌ وإستبرقٌ وحلوا أساور» (الإنسان آية 21) ف «السندس» وهي من أصل هندي وتعني الحرير الرقيق، أما «الإستبرق» فهي من أصل فارسي وتعني الحرير الغليظ، ولكن مع كل هذا ومع تقبل أسلافنا للانفتاح على الثقافات المختلفة وقفنا عاجزين أمام تعريب المصطلحات التقنية أو استخدامها بأصلها الأجنبي.. لذا وعند إعداد هذا التقرير حاولنا أن نلقى الضوء على أغلب مشاكل اللغة العربية التي تواجه المهتمين في التقنية والمتعاملين معها.. المصطلحات التقنية في اللغة الإنجليزية بمجرد البحث في معجم كلمات للغة الإنجليزية والبحث عن كلمة (Google) تحديداً، تجد أنها اعتمدت ككلمة إنجليزية بمعنى "يبحث عن"، وتعامل معاملة الأفعال بإضافة لاحقة الماضي أو المستقبل عليها فتستطيع القول (She googled her high school teacher)، فبالرغم من أن كلمة (Google) كتبها مؤسسو الموقع بخطأ إملائي إلا أنها اعتمدت في المعاجم الإنجليزية بعد انتشارها بدون أي تغيير أو تصحيح إملائي، حتى لا تجد الأجيال القادمة مجالاً للحيرة في أصل الكلمة ومعناها الإنجليزي. المصطلحات التقنية في اللغة العربية عندما ظهر التلفون والفاكس عربت الأولى واستخدم بدلاً منها كلمة "هاتف" ونجح هذا التعريب، مع أن العامة يستخدمون كلمة "تلفون" ذات الأصل الإنجليزي في حياتهم العامة، أما كلمة "فاكس" فهي حائرة بين تعريبها بكلمة "ناسوخ" الذي ارتضاه لها المتعاملين باللغة أو رجالات الدين، أو استخدام الكلمة الإنجليزية "فاكس" والتي استخدمت في الحياة العامة وبيئة العمل، ومن ذات المنطلق لم تكن كلمة "كمبيوتر" بعيدة عن هذا المضمون فبالرغم من استخدامها بنفس الأصل الإنجليزي في الحياة العامة وبيئة العمل، إلا أنها لم تعتمد ككلمة جديدة في المعجم العربي، وعربت بكلمة "حاسوب" أو "حاسب آلي" وكلا الكلمتين غير مستخدمة بكثرة سواءً في بيئة الأعمال أو الحياة العامة، بينما التعريب الثاني "حاسب آلي" وهو مركب من كلمتين، ولا يتضح السبب أو الفائدة من إضافة الكلمة الثانية "آلي" على التعريب، فهل هو لنثبت أنها جماد؟، أو أنهُ لمجرد تحديد أنها آلة تعمل بالكهرباء، وهذا ينطبق على التعريب العربي "آلة حاسبة" والمستخدم بدون أصول أجنبية، بالرغم من أنه من المتعارف عليه في الحياة العامة الآن أنه باستخدام كلمة "حاسبة" يفهم المقصود. تطور المصطلحات التقنية لم يقف الأمر عند هذا الحد فمع تسارع وتيرة تقدم التقنية، تظهر باستمرار مسميات تقنية جديد أغلبها من أصول أجنبية مثل (برودكاست) و (بودكاست) والمختلف في المصطلحين هو حرف واحد، لكن الأول يستخدم من خلال أجهزة البلاكبيري وهو عبارة عن إرسال رسائل نصية أو صور أو مقاطع فيديو للمتواجدين في ماسنجر البلاكبيري، بينما الثاني "بودكاست" يعرف على أنه ملف صوتي أو مرئي ينشر من خلال الإنترنت، وغير ذلك كثير، ولا تجد هذه الكلمات من يتبنى استحداث تعريب لها أو اعتماد الأصل الأجنبي لها، أو حتى وجود معجم عربي موحد على الإنترنت يشرح معنى الكلمة.. اختلاف الترجمة كلمة "الإنترنت" عربها "المجمع اللغوي في دمشق" بعدد من الكلمات فهناك (الشبكة) أو (شبكين) أو (المعمام) أو (الشابكة)، ولكن استخدمت في بيئة الأعمال باسم مركب من ثلاث كلمات "شبكة المعلومات العالمية"، وهذا يدعو للتساؤل لماذا لم يعتمد الأصل الإنجليزي ليصبح كلمة عربية؟ بدلاً من تشتيت العرب باستخدام كلمات مختلفة من شأنها أن تضعف المحتوى العربي على الإنترنت وتشتت الباحثين، ولا تجعل للأجيال القادمة أرض خصبة يقفون عليها، ويستندون على أرشيف ضخم واضح. كتابة الكلمات ذات الأصول الأجنبية في السابق وعند البحث في الإنترنت عن كلمة تحتمل أن يكون ألفها بالهمزة أو بدون مثل (أحمد) فنتائج البحث تختلف في الحالتين، ولم يكن الحل لهذه الإشكالية من العرب أنفسهم أو من معاجم اللغة العربية، وإنما مع التطور التقني أصبح بالسهولة البحث بالطريقتين سواءً بالهمزة أو بدون لتعطي ذات النتائج، إلا أن المشكلة أخذت منحنى آخر، وتطورت بشكل أعظم، ليختلف العرب في كتابة بعض الكلمات من أصول أجنبية، فأسم محرك البحث الشهير (Google) هناك من يكتبه "بالقاف" أو "الغين" أو غير ذلك، وكذلك كلمة "الكونغريس"، ومن خلال البحث في الإنترنت بطرق الكتابة المختلفة، تكون النتائج مختلفة وغير صحيحة، فعندما تبحث في محرك البحث (Google) بالكلمات (قوقل، غوغل، جوجل، كوكل) يعرض نتائج مختلفة فمجموع نتائج البحث عن كلمة "جوجل" عددها (4.210.000.000)، وبالبحث عن ذات الكلمة ولكن بحرف "الغين" لتصبح "غوغل" يكون عدد النتائج (4.110.000.000)، أما عند البحث بتغيير الحرف إلى "القاف" لتصبح الكلمة "قوقل" يكون عدد النتائج (8.080.000)، بينما بحرف "الكاف" تصبح الكلمة "كوكل" وعدد نتائج البحث فيها (218.000)، وهذا من شأنه عدم الحصول على نتائج دقيقة في عملية البحث، وبذلك يضعف المحتوى العربي كثيراً وتغيب مصداقيته، ويصعب الحصول على نتائج صحيحة ودقيقة للباحثين أو للأجيال القادمة. المحتوى العربي على الإنترنت في دراسة أعدتها لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا "الإسكوا" صدرت في شهر نوفمبر الحالي، أشارت إلى ندرة المحتوى العربي على الإنترنت وأنه يشكل (3%) من إجمالي المحتوى العالمي، وعلاوة على ذلك فالمحتوى العربي مشتت بين كلمات مختلفة لا يمكن حصرها، وبذلك تكون نتائج البحث غير صحيحة وغير موثوقة، فالعرب بحاجة إلى تضافر جهود المجامع العربية لتعريب أو اعتماد الأصول الأجنبية للعديد من المصطلحات العلمية أو التقنية، لكي ينمو المحتوى العربي على أساس صحيح، ويكون صالح للاستخدام مع تتابع الأجيال القادمة. دور مجامع اللغة العربية يعتبر مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومجمع اللغة العربية بدمشق أهم وأشهر مجامع اللغة العربية في الوطن العربي، وهناك مجامع أخرى يقل دورها كثيراً عن المجمعين السابقين وهي (المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر، المجمع العلمي العراقي في بغداد، المجمع العلمي اللبناني، مجمع اللغة العربية الأردني، مجمع اللغة العربية في حيفا، مجمع اللغة العربية السوداني في الخرطوم، أكاديمية المملكة المغربية (مكتب تنسيق التعريب) في الرباط، مؤسسة بيت الحكمة في تونس، مجمع اللغة العربية الليبي)، ولكن يبدو أن الدور التقني لهذه المجامع بلا استثناء ضعيف جداً، فلا يوجد اهتمام بالتقنية ومصطلحاتها، أو تجاوب سريع في ذلك، علاوة على وجود اختلافات كثير في التعريب بينها، فهل سنجد يوماً ما تفاعلاً سريع من قبل هذه المجامع أو أحدها سواءً من خلال مواقعها على الإنترنت أو من خلال إصداراتها المختلفة لاعتماد المصطلحات التقنية سواءً بأصلها الأجنبي أو استحداث تعريب لها؟، وأيضاً هل ستتضافر الجهود فيما بين المعاجم العربية لتوحيد التعريب.. نتمنى ذلك.. الخلاصة من ما سبق نستنتج أنه لابد من تضافر وتوحد الجهود العربية لتعريب المصطلحات التقنية أو اعتماد الأصول الأجنبية للكلمات، أيضاً إنشاء معجم إلكتروني على الإنترنت يحدث باستمرار وبسرعة، ويكون مرجع معتمد لجميع الجنسيات العربية، بالإضافة إلى تحديد ضوابط لكتابة الكلمات الأجنبية وخصوصاً التي يلتبس على الكثيرين من العرب إيجاد الطريقة المناسبة لكتابتها وخصوصاً الكلمات التي تختلف الثقافات العربية في كتابتها مثل كلمة "غوغل".