عبدالعزيز محمد قاسم - نقلا عن الوطن السعودية طالعت بكثير من التبسم هذه الحملة الصحفية الضارية على الشيخ سعد الشثري، وقد وُضع واجهة لضرب ما بعده. وتداعت إلى الذاكرة الحملة الكبيرة على الشيخ صالح اللحيدان قبل نحو عام، وتمتمت: ما أشبه الليلة بالبارحة. لزاما لا بد من الإشارة إلى أنني حفيٌ جدا بهذه الجامعة، بل وأجزم تأكيدا بأن كل فرد ومواطن يفخر بهذا الإنجاز والصرح العلمي المتقدم الذي وضع بصمته ملك كبير بحجم طموحاته وآماله العظام في بناء أمة ستزاحم في ميادين الحضارة الإنسانية، وقد أحدث حفظه الله في مدة يسيرة خطوات تنموية عملاقة وفي كل الاتجاهات بما أذهلت المراقبين، وجزما أن هذا الفخر والسعادة ينسحبان على الدعاة والعلماء في هذه البلاد الذين كانت لهم ملاحظة شرعية تمثلت في موضوع فرعي وهو الاختلاط الذي بدوره له اجتهادات في فقهنا الإسلامي العريض. ولأنني في "الوطن" الصحيفة، أكتب ضد رئيس تحريرها، ولأنني أنتمي لهذا (الوطن) الكيان، لأقول بهذا الرأي. فوالدنا الملك عبدالله أشاع في أجوائنا تعددية الآراء وطالبنا بممارستها. فلن أخوض في سطوري بموضوع الاختلاط لأنه ليس تخصصي، فضلا على أنه موضوع هامشي برأيي ولا يمكن أبدا حجب التطلعات الكبرى التي نعقدها كأمة ووطن على هذه الجامعة الإنجاز. بل إنني أردت الدخول في هذا السجال بين زميلي وأخي جمال خاشقجي وقد ربطتني به آصرة أخوة طويلة، وبين ذلك العالم الشاب الشيخ سعد الشثري أحد ألمع طلبة العلم الذين أثبتوا حضورا مبهرا في الساحة الشرعية السعودية، وقد تبوأ مكانة رفيعة، بالرغم من صغر سنه، واقتعد مكانه باقتدار بين كبار العلماء بالمملكة. للأسف أن من يكتب أو يتحدث في هذه المسألة، يجد نفسه مرغما بين جهتين، فإما أن يحسب على أنه متطرف الفكر ورافض للجامعة وفكرتها من الأصل، وقد استطاعت كتيبة الإعلاميين الذين تصدوا للشيخ الشثري تصوير ذلك في ساحة المعركة، وبين مؤيد بإطلاق لكل ما في الجامعة، وقد صوّرت ذلك كتيبة الإنترنتيين الذين يهاجمون كتاب الصحافة. والقضية برأيي أبسط من ذلك، إلا أن أجواء المعركة وانتهازيتها وأدلجتها أفرزت هذا التمايز، وضاعت أصوات العقلاء والمعتدلين في صخب هذه المعركة. قلت لأخي جمال خاشقجي عقب قراءتي لمقالته، أنا ضد ما كتبت لأسباب عدة، تأتي في مقدمتها، أن الشيخ سعد الشثري من أولئك النفر الذين قد أخذ الله عليهم الميثاق ليبينوه للناس ولا يكتمونه. فسيأثم إن لم يتكلم، فضلا على أن حديثه كان يقطر أدبا ولطفا، هو حديث ابن لوالده، وقد ترجم روح الأسرة في مخاطبته ومناشدته والدنا الكبير خادم الحرمين الشريفين، فليس ثمة لغة استعداء أو تهييج لمشاعر الدهماء، بما صورت ذلك في المقال، فضلا على أن تاريخه المضيء، وضاءة وجهه، الشرعي منه والوطني ينبئان بأنه لم يك يوما من دعاة التهييج الذي خفت وقوعه. استفاض الحديث بيني وبين أخي جمال والذي رد بأنه لا يعترض على الشيخ فيما ذهب إليه، لو تحدث كعالم أو داعية أو مثقف مستقل، ولكن الشيخ محسوب على "فريق الملك" وهو موظف في الدولة وإن كان في هيئة كبار العلماء، والفريق يكمل بعضه البعض. واحتج خاشقجي بأنه خلال التخطيط من حق أعضاء الفريق أن يتناقشوا، يتعارضوا، ولكن بعد اتخاذ القرار يلتزم الجميع به، ومن يجد أنه لا يستطيع تحمل القرار فعليه أن يترك الفريق ثم يعبر عن رأيه كيفما شاء، والمسألة اجتهادية، ولا يستطيع الشيخ أو غيره أن يقول إن السماح للذكور والإناث بالبحث العلمي وطلب العلم في مكان واحد، مما يأتي تحت قاعدة "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وانتهى خاشقجي معي بأن هذه الجامعة قد بنيت، وحسم أمرها، فما الداعي إلى التشويش بعدما اكتملت، وحتى لو طرأ عليها ما يخالف رأي الشيخ فلن يحول أحد بينه وبين ولي الأمر لتبيان رأيه وإبراء ذمته، فالرجل ذي صلة ومحل ثقة. طبعا ثمة نقاط التقاء مع رأي جمال ونقاط خلاف وقد رددت عليه بأن الشيخ سعد الشثري، وهو ابن لعائلة لها أرومة ضاربة في تاريخ مملكتنا، طبق حرفيا ما رسخه مليكنا الكبير خادم الحرمين الشريفين الذي أشاع لغة الحوار في مجتمعنا وجمع الأطياف الفكرية تحت مظلة مركز الحوار الوطني، فالشثري مارس حقه في التعبير عن الرأي الشرعي الذي يدين به معظم هيئة كبار العلماء والتيار الديني في المملكة، ولا أدري ما الذي أزعج الليبراليين من صدحه برأيه، بل كان من المفترض أنهم هم أول من فرح لهكذا تطبيق حقيقي وواقعي لأدبيات الحوار وتعددية الآراء، وهم الذين أصخبونا عويلا وحسينيات طيلة السنوات العشر متهمين التيار الديني بأحادية الرأي وإقصاء الرأي المخالف. لذلك، ففي مثل هذه المواقف تتبدى حقيقة من يؤمن بمبادئ الليبرالية ويطبقها من أولئك الذين يتذرعون بها ويتمسحون بها ويوظفونها في معركتهم الأيديولوجية، بما قرأنا في الأيام التالية لسجال أخي جمال والشيخ الشثري. ثمة نقطة مهمة تتبدى في أن جأر الشيخ سعد الشثري بهذا الرأي، وهو أحد أفراد المؤسسة الدينية الرسمية، يعطي مصداقية لهيئة كبار العلماء، ويدحض عنها تهم سعد الفقيه والمسعري ومضاوي الرشيد والظواهري وكل الطوابير الخامسة التي تعادي الوطن وتشكك في علمائنا الأفاضل حفظهم الله، ويصفونهم بأنهم علماء سلطة وأنهم مداهنون. لا أدري أي خطيئة حدثت وقتما يأتي الشيخ سعد الشثري ليتحدث بكل أدب وحدب، ويشير بكل تلطف إلى بعض الملاحظات الشرعية البسيطة، فتقوم الدنيا ولا تقعد عليه من هذه الكتيبة الليبرالية بحجة الوطنية، وأن حديثه طعن في الجامعة - بالرغم من ثنائه الكامل عليها وعلى فكرتها إلا أن ذلك لم يشفع له - فأتصور أن في الأمر لبسا وخلطا، بل من الوطنية في تصوري إظهار هذا الاختلاف الحضاري الذي رسخ له والدنا الملك عبدالله في إطار الوطن وتسامحه وأفقه المتسع. وما يطمئن الجميع أن خادم الحرمين هو ولي الأمر، وهو الأدرى بمصلحة هذا الوطن، ولربما لديه من الأمور والحقائق ما يخفى عنا، وسنتمثل ما يأمر به بصفته ولي أمرنا، وهم الملتزمون بتطبيق شرع الله. وآتي أخيرا لموضوع قناة المجد التي أقحمت إقحاما في القضية، وطال تبسمي كثيرا، لأن القناة قامت بإعداد فيلم وثائقي عن الجامعة، وشارك فيه نخبة علماء ومفكرون، كلهم أيدوا الجامعة وفكرتها، وأثنوا عليها كثيرا. فهل يقاس موقف القناة أو أي وسيلة إعلامية على جواب لعالم في هيئة كبار العلماء لسؤال شخصي في برنامج فتاوى، أم على الفيلم الوثائقي التي أعدته وأشرفت عليه.. طبعا تبسمي لأنني تذكرت خصوم صحيفة "الوطن" في الإنترنت وما كالوه للصحيفة، و"المجد" هي القناة الأولى لديهم، ما جعل ابتسامتي تتسع وأنا أتمتم: الكبير يظل كبيرا يا أبا صلاح.