من الإشكاليات التي تحتاج إلى مراجعة في ثقافتنا أننا لا نحسن إبراز محاسننا في الوقت الذي ننجح أحيانا وبتفوق وإصرار على متابعة سلبيات مجتمعنا بالقول والفعل والمقال والمسرح والقنوات الفاضية. وهنا أتحدث عن أننا في مملكتنا الحبيبة نمتلك ما لا يمكن حصره من الثروات الطبيعية والبشرية التي نحتاج إلى إشهارها وتوظيفها واستثمارها لجعل صورة بلادنا أكثر إشراقا وجمالا وجاذبية. وإذاكان النفط هو السلعة التي عرفت به المملكة كأساس لثروتها وتنميتها فإن من مصادر استثمار مستقبلنا الذي من الاستحالة أن ينضب هو (التمر) الذي لا تنتهي أسراره وفوائده، بل ولم يعط في تقديري حقه من الدراسة والبحث للوصول إلى جوانب فوائده ومجالات استثماره. وكم كان يوما جميلا حينما زار عدد من وجهاء مدينة بريدة سوق مدينة التمور الدولي الجديد والفريد جنوب مدينة بريدة. إنها نقلة نوعية تعكس مدى الجهد العظيم الذي بذله ومازال يبذله رجالات أمانة منطقة القصيم وعلى رأسهم أمين المنطقة وسعادة وكيله ورئيس المجلس البلدي وأعضاؤه والفريق العامل معهم في متابعة تجهيزات السوق الدولي للتمور بمدينة بريدة كل ذلك بتوجيه مباشر ومتابعة جادة من فيصلي المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز الذي أطلق فعاليات السوق عام 1423ه ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود الذي شرف السوق الدولي بحضوره يوم الخميس 29-9-1430ه وبارك خطواته وكرم رعاته. ويتابع سموهما- حفظهما الله- يوميا أصداءه وتطوراته. وحين تحتضن مدينة بريدة أكبر محصول من أجود وأطيب منتجات النخيل في العالم، فإن هذه السمة المميزة والفريدة لهذه المدينة تحتاج إلى رعاية وعناية من قبل المسؤولين وعلى أعلى المستويات اهتماما بالمدينة ومستقبلها ودعما واستثمارا لثرواتها الطبيعية. إن سمة العالمية حق لهذه المدينة التاريخية العريقة باحتضانها الوقود الفعلي والمغذي للإنسان في الوقت الذي يعتبر النفط الوقود الفعلي للمركبات.ان اكتساب صفة العالمية تعكس هذا الاهتمام المتزايد من قبل الوكالات والصحف العالمية (من ريوتر إلى الواشنطن بوست وغيرهما عربيا وعالميا) والتي تتسابق في التقاط الصور الرائعة لبانوراما فعاليات سوق بريدة الدولي للتمور. وكم كنت سعيدا حينما كنت مع زملائي من جامعة القصيم في لندن في دورة القيادة والتغيير في العشرين من شهر شعبان هذا العام بالتعاون مع جامعة (برونيل) فحدثنا أستاذ القيادة والتغيير انه يعرف عنا أشياء قبل أن يرانا فأحببنا ان نسمع منه فقال: (إنني أحب تمر القصيم وبشدة) فزاد ذلك من انتباهنا وتقديرنا لمنتجنا لأنه أصبح علامة تعريف لنا في بريطانيا. إنها فعلا ثروة تحتاج إلى مزيد من العناية لتأخذ حظها من التقدير والتأثير. من الصعوبة أن نحصر ثمرات هذه التمرة والثمرة البريدية وسوقها الدولية وليس من رأى كمن يسمع أو يقرأ ودعوني أذكر بعضا قليلا من محاسن سوق بريدة الدولي للتمور: أولاً: تلك المساحة الكبيرة والراقية التي تقدر ب 165 بمائة وخمس وستين ألف متر مربع، والمزودة بشبكة خطوط تساعد على حركة المتسوقين والقريبة من تلك النخيل الباسقة في حي (الصباخ) الذي يحيى معنى التمرة ويذكرك بارتباط المدينة وأهلها بتاريخ النخلة المعطاء. ثانياً: هذه الأعداد الهائلة من الباعة شيبا وشبابا من السعوديين الذين يستثمرون بلغة (السعودة) هذه الثمرة المباركة.. فهذا يحمّل وهذا ينزّل ذاك يدلّل، وآخر يتابع وذاك يقيّد المبيع.. في صورة حضارية وأصيلة. ثالثاً: يوما بعد يوم إقبال متزايد من زوار سوق التمور العالي من داخل المملكة وصفقات بالملايين - خصوصا من أحبائنا الخليجيين - والكل يثني عاطرا على دقة التنظيم وتعدد الفعاليات، إذ يوجد في السوق خيمة الضيافة مزدانة بمجلس كبير وتحتضن في جنباتها صورا من المنتجات الشعبية التي ستتحول مستقبلا في بناء السوق إلى محلات كبيرة تزدان بمأكولات مدينة بريدة ومشغولاتها الشعبية والتراثية، تزيد المكان رونقا وتضفي عليه معنى سياحيا متميزاً. رابعاً: ترقب يمنة ويسرة أطفالا صغاراً بعرباتهم يباشرون أعمالهم خدمة رديفة لمن يحتاج إلى مساعدة ويحيون في ذلك الاعجاب لكل زائر مرسخين لغة (العمل شرف) هنا في بريدة! خامساً: لا يقف سوق بريدة الدولي للتمور عند مسألة البيع والشراء.. بل وعلى هامش السوق تجد الفعاليات الثقافية فيما يخص كيفية الاستثمار والتصنيع وسبل الاستفادة من هذا المنتج المتعدد المنافع والفوائد. وكم هي فرص لا أقول ذهبية بل (تمرية) يمكن أن تشكلها حيث تشاء من خلال استغلال كل مكونات النخلة إنتاجا وتصنيعا واستثمارا وتسويقا. سادساً: مخططات سوق عاصمة التمور بريدة الدولية ستتضمن في المستقبل القريب مباني فاخرة وفنادق وخدمات ومواقف خاصة بالشاحنات وثلاجات كبيرة ومستودعات وساحات خضراء تعكس طرازا هندسيا جذابا يتوسط ذلك صالة (بورصة بريدة الدولية) لمزاد التمور بشتى أنواعها. سابعاً: تتجه في العادة أنظار تجار البترول إلى بورصة نيويورك للمساومة والمزايدة على مشتقات البترول وغدا ستتجه الأنظار دوليا إلى بورصة بريدة وسوقها الدولي لمشتقات أفخر نوعيات التمور على مستوى العالم. ويجري الإعداد حاليا من خلال جهد محلي رائع ومتابعة جادة من سمو أمير القصيم وسمو نائبه وفريق الأمانة الأمين ورئاسة المجلس البلدي الطموحة وإعجاب متواصل من وجهاء البلد لإنجاز هذه الصورة الاستثمارية المستقبلية المشرقة لمدينة بريدة. ولا غرابة في تدويل شهرة مدينة بريدة ذلك إنها الأولى عالميا بامتلاك أكبر مزرعة للنخيل في العالم وحازت على ذلك شهادة من موسوعة (جينس العالمية) في عام 2005 تؤكد امتلاكها وتفردها بأكبر مزرعة عالمية تحتوي لوحدها على أكثر من 45 نوعا من التمور الفاخرة. ثامناً: إن سوقا يشهد حسب جهاز الإحصاء المتواجد فعليا دخول أكثر من 2400 سيارة يوميا لعرض التمور وحصيلة مبيعات قدرت في اليوم الأخير من شهر شعبان بقرابة 30 مليون ريال، يحتاج إلى دعم خاص من القيادة- حفظها الله- ومن كل مسؤول يريد تنويع مصادر الدخل لبلاده لتحقيق تنمية مستدامة تتنوع فيها مصادر الدخل للأفراد وللبلاد على وجه العموم خصوصا وأن تقديرات سوق التمور تفوق مبيعاتها كما تشير الإحصاءات إلى أكثر من مليارين ونصف سنويا.. أولى تستحق هذه الإنجازات وهذه المعطيات وما سيلحقها مدينة متكاملة للتمور ومشتقاته. سؤال نطرحه على عقليات هيئة الاستثمار الفضلاء. تاسعاً: مشاهد ممتعة ومتنوعة يمكن أن يلتقطها من خلال السوق كل حسب ذوقه، ومن الجميل هنا ما تم اعتماده من استبعاد (السطول) السوداء إلى عبوات جديدة وصحية وشفافة يمكن من خلالها ان يرى المشتري أعلى التمر وأسفله وتتيح له فحص المنتج بسهولة كما ان هذه العبوات الجديدة مراقبة وبشكل دقيق من حيث قياساتها وأحجامها وقد روعي فيها كل ما يمكن فنيا لسهولة نقلها وصفها وترتيبها وذلك ما زاد من جدية ومصداقية السوق والقائمين عليه. عاشراً: لجان متعددة تعمل وبروح جماعية تنظم الفعاليات وتشرف على الموقع بوجه عام وحضور للمرور مشكور ينظم السير فلا مجال للمخالفة فكل يسير حسب الخطة والخط الذي هو فيه ومن هنا وهناك تلحظ الصحف والمواقع الإلكترونية تلتقط المشاهد الرائعة من داخل سوق بريدة الدولي للتمور. وما سوف نراه من عاصمة التمور المعطاءة كثيرة فهي سلة غذاء مملكتنا الغالية ومخزون يتجدد من الخضار والفاكهة تشهد له مدن المملكة بأجمعها.... أخيراً بكل معاني التقدير والاعجاب..، لا يمكن ان تحصر الايجابيات التي تستفيدها من سوق بريدة الدولي وعالميته وما ذكرته هو قليل من كثير لهذا السوق الفريدة والمتميزة.. وكل مهتم حسب مجاله اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا أو زراعيا.. يمكن ان يسوق من الايجابيات والحسنات ما لا يراه غيره.وأختم بتقديم كلمات تتغذى بلغة التمر الحلوة والرطبة.. شاكرا ومقدرا لجهود أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز وسمو نائبه الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود ولكل شخص وضع يده وفعله أو قلمه أو فكره مع الفريق الجاد في نقل سوقنا ومدينتنا ومنطقتنا من المحلية إلى العالمية ونقول للعالم: إن نفد نفطنا تحت الأرض فلدينا تمرنا فوق الأرض.. ولمملكتنا الغالية ان يحفظها ربنا عزيزة منيعة بقيادتها ورجالاتها وثرواتها التي نسأل الله ان يحفظها ويديمها علينا وعلى أجيالنا من بعدنا. جامعة القصيم