يسر الله لي زيارة أحد كبار المهتمِّين بالكتابة عن القبائل العربية؛ وممن لهم باعٌ طويلٌ في جمع الوثائق, وتتبع الروايات التاريخية, ودراسة الربط بين تلك الروايات؛ للوقوف على حقائق التاريخ بأمانة وموضوعية, وقد اطَّلعتُ على المسودّة النهائية لكتابه؛ الذي شَرَع به منذ أكثر من خمسة وعشرين سنة ولا يزال ينقِّحه. فسألتُه هل تلقَّى الناس منهجيَّتك وآرائك بالقبول؟ قال نعم. ولله الحمد والمنة. قلت: أبشرك أنك على الطريق الصحيح. لقد بذل هذا الباحث الجاد ربع قرن من حياته ولا يزال في كتاب واحد يبحث في علم الأنساب؛ حرصاً منه على الأمانة العلمية, وتوثُّقاً واستزادةً من المعلومات التي سيطرحها في مؤلَّفِه. وإن قارنَّاه بباحث آخر في علم الأنساب نَشَر خلال العشر سنوات الأخيرة أكثر من ثلاثين كتاباً حملت الطابع التجاري, وتجرَّدت في مجملها من الأمانة العلمية, وخلت في كثيرٍ منها من صحة المعلومات .. لأدركنا أن هناك فرقٌ كبيرٌ بين هذين الباحثين..؛ يجب على جهات المعرفة والثقافة والتاريخ في بلادنا أن تقف عليه. لقد قرعتُ الأجراس ل دارة الملك عبد العزيز في الرياض أن تتحرك بجدية لإيقاف الباحثين المسيئين لتاريخنا المجيد من الداخل؛ قبل أن يعقِّدُوا تفاصيلَه كما عقَّدَها المستشرقون من قبل. وسيأتي من يقول أنَّ ميدان العلم والثقافة والكتابة رحبٌ لا يضيق بأحد؛ وأنا وإن كنتُ أتّفقُ مع هؤلاء إلا أنني أقول أن هذه الرَّحابة لا تشمل مظلتها إلا الموضوعيِّين؛ حتى وإن كان هؤلاء الموضوعيِّين يخالفوننا في الأصول والفروع؛ المهم أن لا يكونوا كذَّابون وإن هُم وافقونا في أصولنا وفروعنا. فالمؤمن ربما زنى وسرق؛ لكنه أبداً لا يكذب وبنص الحديث الشريف.