د.مسفر بن علي القحطاني في المملكة من كليات الشريعة والدراسات الإسلامية ما لا يوجد في دول العالم العربي او الإسلامي ، ومع هذه الكثرة من الخريجين للعلوم الشرعية فإن حاجة السوق والمجتمع لهم تتجدد ولا تتوقف عند حدٍّ معين . فالمجتمع السعودي في مرحلته الراهنة والقادمة مقبل على أعمال وهيئات مؤسسية تحتاج خريجي الشريعة الواعين العارفين باعمال تلك الهيئات والمؤسسات ، مثل هيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والهيئات الخيرية ووظائف الشؤون الإسلامية والأوقاف وأعمال الإمامة والخطابة والدعوة . وهنا لا أشير إلى التدريس باعتبار انه الخيار الأول لخريجي الشريعة ، ولكن تغير بعض الأوضاع المعاصرة بدأ يلح بالاهتمام بخريجي الشريعة وعدم تجاهل المكتسبات العلمية التي يتحصل عليها الخريج ، فالمحاكم وكتابات العدل تمر حاليا ومستقبليا بطور جديد من التوسع والنمو الكبير من خلال التنظيم القضائي الجديد الذي ضم وفتح عددا من المحاكم المتخصصة الجديدة مثل المحاكم العمالية والأحوال الشخصية والتجارية والجزائية . بالإضافة إلى محاكم الاستئناف الجديدة في عدد من مناطق المملكة ، وهذه ولا شك تحتاج إلى كادر كبير من الكتّاب والأعوان والباحثين والمستشارين من خريجي الشريعة ، كما أن سوق العمل في أمس الحاجة للمحامين لتغطية النقص وتكميل الضعف التأهيلي الموجود في بعض المحامين والمستشارين القانونيين . وهنا أحب أن أؤكد أمرا ؛ أن العلوم الشرعية ليس بالشرط أن يتمكن دارسها من إيجاد وظيفة يعمل بها . فهناك الكثير الذين ينتسبون او يدرسون بشكل نظامي حبا في العلم الشرعي ورغبة في الزيادة وقد يكون متخصصا في علوم اخرى . أما بالنسبة لحاجة سوق العمل ومؤسسات المجتمع فيها قائمة لشغل الشرعيين للكثير من الوظائف التي شُغلت بغيرهم ، ومن حقهم وحق المجتمع ان تملأ تلك الأماكن من متخصصي الشريعة بدلا من غيرهم . كما في وظائف الجوامع والشؤون الإسلامية والإرشاد المجتمعي والمستشارين في المصارف والوزارات والمعاونين القضائيين وهيئات حقوق الإنسان والمشرفين على المؤسسات الخيرية والأنشطة الشبابية وغيرها . وأعتقد جازما أن ما ذكرته من فرص وظيفية وانفتاح قادم على كليات الشريعة هو مرهون بمدى تطور تلك الكليات واعتدال اطروحاتها وتجدّد مناهجها التدريسية وإدخال الدراسات الإنسانية المتنوعة والمهارات السلوكية ، ولا أغفل اهمية الدراسات النظامية والحقوقية ضمن مناهجها . ولعل من اهم الملاحظات على ضعف التأهيل للعاملين في الجهاز القضائي والمحاماة أن خريجي الشريعة لا يدرسون الأنظمة ، والعكس صحيح بالنسبة لخريجي الأنظمة فالدمج بين تلك المعارف أضحى مهما خصوصا مع التنظيمات القضائية الجديدة والرؤية السديدة لولاة الأمر في بناء مجتمع حقوقي يحترم الأنظمة ويتعايش معها . ومن الجدير بالتنبيه له أن هناك تجربة في اليابان توافقت مع خطتها الاستراتيجية لتطوير القضاء وهذه التجربة المهمة بنيت على تأسيس تخصصات قانونية تخدم هذا الجهاز القضائي ، ففي 2004م افتتحت 68 كلية للدراسات العليا في القانون وتلتها في 2005م افتتاح 5 كليات أخرى ليصل العدد إلى 74 كلية في جامعات اليابان من اصل 93 جامعة يابانية تدرس القانون في البكالوريوس ، كل ذلك من أجل استشراف المجتمع لتلك التخصصات . واعتقد أننا أجدر بأن نزيد وندعم ونطور مناهج كليات الشريعة للمرحلة القادمة خصوصا أن بلادنا رعاها الله قائمة في انظمتها وإدارة كافة شؤونها التنظيمية على تطبيق الشريعة والعمل بها ، وهذا يجعل الدور المناط بتلك المهام من المتخصصين الواعين المدركين لحاجة المجتمع لشريعة الله الصالحة لكل زمان ومكان .