لم تأتِ التقارير الأخيرة، حول تخطيط إيران لمهاجمة أهداف أمريكية في العراق، رداً على تدخل عسكري أمريكي في العراق، بمثابة مفاجأة، إذ من المعلوم أن النزاعات المسلحة تحمل في طياتها مخاطر ولا يمكن التنبؤ بما سينتج عنها. ولكن التهديد الأخير، الذي اعترضته الاستخبارات الأمريكية، لا يبدو مخيفاً كما في ظاهره، بحسب ما تقول * فريدا غيتيس في مقالتها، التي أعدتها خصيصاً لCNN. وبحسب التقرير المنشور بصحيفة "وول ستريت جورنال" ومفاده أن واشنطن اعترضت رسالة بعثت بها طهران إلى مليشيات بالعراق تأمرها باستهداف السفارة الأمريكية ببغداد فضلاً عن مصالح أمريكية أخرى، إذا شنت الولاياتالمتحدة هجوماً على سوريا، وإذا وضعنا قيد الاعتبار أن المعلومة "صحيحة" - ولم تتعمد إيران وقوعها بأيدي الأمريكيين لإيصال تهديد - فإن هذا يعني أن إيران ستلجأ إلى أسلوبها المعتاد ب"توكيل" مليشيات وجماعات إرهابية، للقيام بمهامها "القذرة، فهذا هو خيارها للتدخل في نزاع دون إقحام قواتها العسكرية فيه، وهي خطوة قد تصعد من الحرب في سوريا على نحو خطير. وحقيقة، قد لا يبدو منطقياً بأن تهرع الجمهورية الإسلامية لمواجهة الولاياتالمتحدة، حتى وإذا كان نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، أقرب حلفائها الذي تقوم بمده بالأسلحة وأنواع الدعم المختلفة، كما أنها نسقت مع حليفها اللبناني، مليشيات "حزب الله" الشيعي، الذي تدخل للقتال إلى صفوف الأسد، فرغم تهديداتهما العديدة، إلا أن أي منهما ليس في موقف يتيح له التصدي للولايات المتحدة، في حرب لا يمكن أن تحقق أي انتصار إليهما. ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، نيته بمهاجمة نظام الأسد عسكرياً رداً على استخدام، ما اتفقت عليه عدداً من الدول بأنه سلاح كيماوي في هجوم 21 اغسطس/آب الفائت، سارع المعارضون لهذا الخيار بإبداء مخاوفهم من حرب قد لا تقتصر حدودها على المنطقة فحسب، بل تؤجج العالم بأسره. ومجدداً، أقول إن ما من وسيلة لمعرفة بشكل قاطع، الاتجاه الذي قد يتخذه هذا النزاع، إلا أن قراراً إيرانياً بالتدخل عسكرياً فيه، أو حتى قيامها بتحرك محوري، بوسائل مختلفة ضد الأمريكيين، لا يبدو خياراً إستراتيجياً صائباً. وتود إيران الشيعية أن يخرج نظام الأسد منتصرا في هذه الحرب الأهلية ضد المعارضة السورية السنية، إلا أن المؤسسة الحاكمة في إيران، تبدو اليوم، منقسمة بشدة، إزاء المدى الذي قد تذهب إليه الجمهورية الإسلامية لحماية الديكتاتور السوري. ويضغط جناح المتشددين لمواصلة البرنامج النووي، والدخول في حرب ضد الولاياتالمتحدة، قبل إكمال هذه المرحلة، ما يعني إلغاء الهدف منه، أما جناح المعتدلين، الذي يقوده الرئيس الجديد، حسن روحاني، فإنه منشغل حالياً بحملة استثنائية لتحسين الصورة، إذ أدهش الأخير العالم بتوجيه تهنئة غير مسبوقة "لجميع اليهود" بمناسبة "هوش راشناه" أو يوم رأس السنة العبرية، في حين ندد وزير خارجيته بالهولوكوست. وفي مؤشر آخر يدل على نأي مسؤولين إيرانيين نافذين من الأزمة السورية، فإن الرئيس الإيراني المعتدل الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، حمل الأسد مسؤولية الهجوم الكيماوي، خصوصا أن الإيرانيين انفسهم حساسين تجاه قضية الأسلحة الكيماوية، بعدما عانوا من هجمات مريعة بالغاز إبان الحرب مع العراق في فترة الثمانينيات، وبتصريحه هذا يضع رفسنجاني نفسه في الصف المعارض لجناح المتشددين الذين توعدوا أن تعاني أمريكا من عواقب تدخلها في سوريا. وعاد الرئيس الإيراني ليوجه تحذيرا مفاجئا لأمريكا، قائلاً أمام مجلس الخبراء، إن "الجمهورية الإسلامية ستقوم بواجبها الإنساني والديني بإرسال مساعدات إنسانية في حالة حدوث خطب ما للشعب السوري." وبموازاة ذلك، حذر العميد، قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" التابع الحرس الجمهوري أمريكا من أن مهاجمة سوريا سينجم عنها دمار إسرائيل، علماً بأن سليماني هو من وجه تعليمات إلى المليشيات الشيعية في العراق، الذين تلقى بعضهم تدريبات في بلاده، لمهاجمة أهداف أمريكية هناك، بحسب ما نقلت التقارير. وبدوره، يقبع حزب الله، الذي له روابط وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، بانتظار أوامر طهران إزاء كيفية الرد على ضربة عسكرية أمريكية متوقعة لسوريا، فقائده، حسن نصرالله، قامر بالدخول في سوريا، مخاطرا بقاعدته الشعبية الواسعة بوصف حركته كإحدى خطوط "المقاومة" ضد إسرائيل، وتحالف مع الأسد الذي تلطخت يداه بدماء شعبه، لحماية النظام السوري والمصالح الإيرانية. ونقلت صحيفة "عكاظ" السعودية، عن مصدر لبناني قوله إن "حزب الله" سيهاجم إسرائيل "بعد تلقيه أوامر محددة من إيران"، ويتوقع أن تقوم الحركة الشيعية بهجوم صاروخي "رمزي"، إذ أن آخر ما تسعى إليه هو تأجيج رد انتقامي إسرائيلي هائل، وآخر أمريكي. وباعتبار كافة العوامل المطروحة، فإنه يجب النظر إلى كافة التهديدات بجدية، والأخذ بعين الاعتبار إمكانية قيام جماعات صغيرة بمهاجمة المدنيين وأهداف غير عسكرية، خصوصا أن الولاياتالمتحدة قامت فعلا بإخلاء موظفيها غير الأساسيين من عدد من بعثاتها الدبلوماسية بالشرق الأوسط، ونصحت مواطنيها بالبقاء بعيدا عن العراق. وبعض من هذه التحذيرات أصدرتها الإدارة الأمريكية قبل هجوم 21 اغسطس/آب، الذي دفع أوباما بالدعوة للتحرك عسكرياً ضد النظام السوري، والحرب السورية قد توسعت، أصلاً، نحو دول أخرى بالمنطقة حتى قبل المشاورات الأمريكية بالتدخل. كذلك، يعتبر التحذير من المخطط الإيراني مجرد تذكير أن الحروب تتسم دائما بالخطورة، وهي حقيقة يدركها الجميع.