يسجل التاريخ الآن الحصيلة الإجمالية لأشياء كان من الممكن تفاديها, فيما العالم يتابع غضب الشعوب العربية في لبنان والأردن والجزائر والسودان وأخيراً وليس آخراً تونس. ولا يتعلق الأمر بالدول المذكورة وحدها، بل بأغلب الدول في المنطقة العربية التي تظن أنها أصبحت بمعزل عن الإهتزازات الإجتماعية العميقة والإنتفاضات التي من شأنها جرف الأنظمة وإعادة الحسابات بشكل جذري وغير متوقع.
لفترة طويلة حاولت بعض الحكومات التي خلفها الاستعمار حتى تخدم مصالحه إقناع مجتمعاتها أن وضعها أصبح قدريا فى ظل المعطيات الجديدة ، خاصة بعد فشل المشاريع الوطنية والقومية ذات الطابع الثوري أو الإنقلابي وأيضا بعد فشل مشروع الإسلام السياسي المعتدل,والذي انتهى إلى النشاط المسلح الجهادي والإرهابي الممتدة خلاياه في كثير من الدول العربية والغربية أيضا ، وهذه القدرية تعنى أساسا أن لا إمكانية للتغيير عبر الشارع، لكن الأحداث الأخيرة فى تونس والجزائر كانت بمثابة المؤشر الجديد على إمكانية ميلاد أساليب للتغيير من طراز جديد، حتى وإن اتسمت هذه الأساليب بالعنف في مستواه البدئي الا أنها مقدمة لنشوء وعي تاريخي يبحث عن نخب جديدة لم تتلوث بالرشوة والفساد ولم يتم تدجينها من قبل الأنظمة. وهناك احتمالات أن تشهد مصر نفس سيناريو الأحداث والمظاهرات الجارية حاليا فى تونس والجزائر والأردن تحت وطأة ارتفاع أسعار السلع الرئيسية وزيادة معدلات البطال ةوالفقر، وعجز المواطن العادي عن سد جوعه وتأمين أهم حاجياته الأساسية , فضلا عن تدني الأُجور وإنعدام الفرص الوظيفية. أما أحوال المواطن الخليجي فليست بعيدة جدا عن شقيقة العربي فى هذه البلدان في ظل ارتفاع معدل النمو السكاني وتراجع الأداء التعليمي والاقتصادي، وتراجع دور الدولة في إيجاد فرص عمل بالحكومة والمرافق العامة, وانسحابها تدريجيًا من ميدان الإنتاج.واستمرار تدفق العمالة الأجنبية والعربية الوافدة، وهيمنتها على سوق العمل وتفشي البطالة بين الشباب الخليجي في ظل تشبع القطاع الحكومي, والتباين في الأجور وشروط العمل بين العامل الوافد والمواطن.. ولا ننسى غلاء المعيشة والغش التجاري وفساد بعض الوزارات وغيرها كثير مما أثير على الساحة الإعلامية ويتم تداوله في المجالس العامة , ما ينبئ بخطر كبير قادم ليس بعيداً عن ذاك الذي يحصل في هذه اللحظة بتونس الخضراء إن لم يتم اعادة النظر من جديد في أوضاع الشعوب الاقتصادية ورفع مستوى الدخل وتأمين السكن والعلاج والتعليم.. أختم ما سبق بمقولة للدكتور سلمان العوده عن الأحداث الأخيرة , وأنا أرى بها رسالة إلى جميع الحكومات بشكل عام علها أن تصل بِشكلٍ أو بآخر .. (أطعِم شَعبك حتى لايأكُلك) .