استضافت الزميلة مجلة (المعرفة) في عددها الأخير لشهر أبريل في باب (فشلت في), الزميل طارق إبراهيم رئيس تحرير (عناوين), وقد كتب الزميل عن تجربته الصحفية في صحيفة (الوطن), وكيف فشل في إطالة عمره الصحفي في رئاسة التحرير, وكيف فشل في التعامل مع الأقسام النسائية, كما كتب رئيس التحرير عن فشله في تجاوز صحيفة (عكاظ). أنا والفشل طارق إبراهيم : على مدى 18عامًا فشلت في التخلص من عيب صارحتني به زوجتي ليلة عقد القران بقلم: طارق إبراهيم طلب غريب نوعًا ما.. أن تكتب عن فشلك، أن تفضح نفسك وتتنازل عن أفعل التفضيل، فلن تكون هنا الأفضل ولا الأول ولا الأكثر، ولن تتمكن من تزكية نفسك وتقول: «كنت أول من.. و». الزميل خالد الباتلي كأنه استمتع بذكر قائمة من الأمور التي يرى أنني فشلت بها في حياتي، وهو يحاول أن يشرح لي فكرة هذه الزاوية، ولم ينقذني منه, أو هكذا ظننت, إلا الزميل سلطان المهنا الذي كان بجواره، فاستلم سماعة الهاتف, وقلت ربما سيخفف عني وسيعتذر بشكل غير مباشر عما أسمعني إياه خالد، ولكنه صفعني بقائمة أخرى من محطات فشلي، حتى شعرت فعلاً أن هذه المساحة مخصصة للفاشلين. كانت مكالمة غنية بسرد ذكريات غير جميلة من زميلين تفنّنا في توعيتي وإفهامي معنى كلمة (فشل)، إلى حد أنه وكأنني لم أحقق نجاحًا يذكر(!)، لكنني لأول مرة أجد نفسي راضيًا أن يشهّر بي، ولهذا قبلت بالعرض، لأنني ممن يحب الأفكار غير التقليدية، وعاشق لكل ما فيه كسر للمألوف في العمل الصحفي وفي شتى جوانب الحياة؛ ولهذا أعجبت بالفكرة، وفي ظني لأول مرة جلست على مدى ثلاثة أيام أفكر بما فشلت به في حياتي، وفي النهاية استفدت من الفكرة فعليا في مراجعة بعض المسائل، وإن كان ذلك متأخرًا. في ليلة عقد القران وبعد ذهاب الشيخ وتناول طعام المناسبة، التقيت زوجتي في غرفة (صادة) في منزلهم, ومن الحديث الذي دار في تلك الليلة عرفت منها أن أهلها سألوا عني قبل الموافقة على الزواج منها، وقد قيل لهم: (فيه ما فيه) ومن عيوبه أنه عصبي، فعلى الفور قلت لزوجتي: «إذن سألتم من بالفعل يعرفني جيدًا، ومن لم يكذب عليكم، ولكن بزواجي منك قد تنعدم الأسباب الدافعة للعصبية». ولكنني احتفلت معها قبل أيام في فندق (الفيصلية) في العاصمة الرياض ولأول مرة (بعد فتوى الشيخ سلمان العودة) بالذكرى السادسة عشرة لزواجنا، ولكنني ما زلت عصبيًا, وفشلت في التخلص من هذا العيب، ولأن حبي لأم عمر يزداد يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة، فلعلها تغفر لي عدم إيفائي بالوعد. وصلت إلى كرسي رئاسة التحرير بسرعة، ولكنني فشلت في أن أتمسك بكرسي الرئاسة لفترة أطول مما أمضيت لأحقق بقية أحلامي المهنية.. وفي صحيفة (الوطن) فشلت في أن أجعل العلاقة بين التحرير والإدارة تكاملية لا تصادمية، وفي (الوطن) فشلت في السيطرة على مشاعري وردود أفعالي حينما لا يعجبني العمل في الأقسام النسائية، وفي (الوطن) فشلت في القضاء على داء الصحف المحلية (الشللية)، وفي (الوطن) فشلت في تجاوز أرقام مبيعات صحيفة واحدة فقط وهي صحيفة (عكاظ). حاولت وحاولت, ولأكثر من مرة جربت, ولكنني فشلت.. فشلت في القدرة على الظهور عبر القنوات التلفزيونية المباشرة أو المسجلة، فرغم كثرة الدعوات والطلبات (هنا فرصة لتزكية الذات غصبًا عن خالد وسلطان) لإجراء حوارات معي كإعلامي وكصحفي وكرئيس تحرير سابق وحالي، إلا أنني ما زلت أعاني كالكثير من الناس (الوحش الأحمر)، وهو النور الصغير في مقدمة كاميرا التلفزيون، ولهذا اقتصر ظهوري طوال فترة عملي على الصحافة الورقية والإلكترونية، ونادرًا في التلفزيون. سنحت لي الفرصة أن أغطي حرب البلقان عام 1994، وتمكنت من دخول عاصمة البوسنة والهرسك (سراييفو) عبر نفق تحت الأرض، حيث كانت محاصرة من قبل الصرب والكروات، والتقطت صورًا نادرة ومهمة من الحرب، كما نشرت عدة حلقات صحفية عن تلك الرحلة، ولكنني فشلت في توثيق تلك الرحلة في كتاب، وعدت مرة ثانية إلى البوسنة لأستكمل بعض النواقص لذلك الكتاب، ثم عدت مرة ثالثة، وحتى اللحظة لم يصدر الكتاب، والحالة نفسها مرت عليّ عندما ضربت المجاعة عدة دول من إفريقيا في بداية التسعينيات، فالتقطت كاميرتي الفوتوغرافية وتجولت في خمس دول إفريقية, والتقطت أكثر من ألف صورة مؤثرة لواقع حال الناس، وهم مرضى وجوعى والبؤس يحاصرهم من كل مكان، وحتى اللحظة لم أنشر شيئًا ولا حرفًا أو صورة عن تلك الرحلة، فقد سرقتني الأعمال الإدارية في الصحافة عن عشقي الكبير وهو العمل الصحفي الميداني. فشلت في البقاء قريبًا من والدايّ (حفظهما الله وأطال في عمرهما في طاعة وصحة)، فأنا في الرياض, وهما في رأس تنورة على الساحل الشرقي، ومنذ أكثر من عشرين سنة والصحافة تقذف بي من مكان إلى مكان, وهذا يحرمني العيش الدائم إلى جانبهما. فشلت في النوم قبل صلاة الفجر منذ أكثر من عشرين عامًا، والبركة في صاحبة الجلالة. فشلت في تعلم اللغة الإنجليزية وفق ما أريد، رغم حبي وحاجتي إليها، فلقد (سوّفت) في الأمر, وأنا أعد نفسي بتعلمها ابتداء من (السبت القادم)! أصنف نفسي بأنني فاشل مع مرتبة الشرف في إدارة المال، سواء في المنزل أو العمل. فشلت في قراءة ربع الكتب التي اشتريها من الخارج أو من معارض الكتاب. تخرجت من قسم الإعلام (شعبة الصحافة) قبل ثلاثة وعشرين عامًا، لكنني فشلت حتى اللحظة في التوجه إلى الجامعة لاستلام شهادة التخرج. فشلت في زيارة منطقة نجران والباحة وبعض مدن الشمال من وطني. فشلت في أن أبحث عن فشل أكثر مما ذكرت!