سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. هاشم عبده هاشم : مقاسا القبعتين مختلفان إلا أن مقاس قبعة الكاتب أكثر اتساعًا لاستيعاب مايدور في جمجمة رئيس التحرير السابق رؤساء تحرير يرمون بقبعاتهم في فضاء الكتابة
هل كان " سمير عبدالله " الذي ترك رئاسة إحدى المجلات الشهيرة في فترة من الفترات السابقة ليرتدي " قبعة " الكتابة " مجنونا " كما عبر بذلك " محمد حسين هيكل " حينما قال له " هل أنت مجنون ياسمير ، هل هناك شخص يترك رئاسة التحرير ليتحول إلى كاتب رأي فقط " فيعلق " سمير عبد الله " على ماقاله " هيكل " بقوله " إن هيكل كان يرى بأن رئاسة التحرير كرئاسة الحكومات لابد من التشبث بها حتى النهاية ، إلا أنني أرى بأنها مرتبة مهنية عالية وراقية بعدها أفضل أن أكون كاتبا " ذلك معنى الحديث الذي تحدث به " سمير عبدالله في إحدى الصحف الإلكترونية القديمة التي أجرت يوما معه لقاءً . فهل رؤساء التحرير يفضلون " أن ينعتوا بالجنون حينما يتحولون إلى كتاب رأي بعد مغادرتهم لبلاط صاحبة الجلالة ؟؟! ولماذا يعتبر البعض بأن تفرغ أي رئيس تحرير سابق للكتابة ثم تحوله إلى " كاتب رأي " وقرار تركه لصحيفته ضرب من الجنون ؟؟ أعتبر بعض رؤساء التحرير بأن الكتابة جزء لاينفصل عنهم فهم لم يتحولوا بعد مغادرتهم لصحفهم إلى " كتاب " بل أنهم كانوا كتابا برتبة رئيس تحرير ، ثم يتحررون من قيود رئاسة التحرير بعد _ المغادرة _ ليصبحوا كتابا لايحتملون في ذلك سوى مسؤولية مايكتبون ... وبأن الكتابة حالة تعيش تحت أظافرهم يشمون رائحتها في كل وقت ، لكنهم بعد المغادرة لأروقة الصحف يتمتعون بارتشافها في كل صباح مع قهوة الانشغال بها والبحث عن حالات متلونة من خلالها يخرجون ليحاكون احتياجات مجتمعهم دون قيود " الصحيفة التي كانوا يرأسونها " ... البعض يصف قرارهم بالتحول إلى كتاب رأي فقط بالجنون الرياض تناقش " لذة الجنون " التي يعيشها بعض رؤساء التحرير حينما يفضلون أن يرتدوا قبعة الكتابة على قبعة قيادة الصحيفة .. لتطرح سؤالها أيهما يفضل رئيس التحرير أن يرتدي قبعته المطرزة بقيادته " كرئيس تحرير " لصاحبة الجلالة أم أنه يحب أن يلوح بقبعة الكتابة بعد أن يلتقطها من فوق رأسه ليرميها في فضاء الحرية والتعبير عن ذاته مبتسما ، منتشيا ، منتصرا !!... يرى الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير صحيفة عكاظ سابقا أن لرئيس التحرير وظائف عديدة يقوم بممارستها أثناء إشرافه على الصحيفة ، فهو الذي يرسم سياساتها ويضع خطط وخطوط الإنتاج الرئيسية للجريدة بصورة يومية.. ويتأكد من أن الصحيفة مع الحدث.. وقريبة من اهتمامات القارئ.. وقد يكتب البعض منهم افتتاحية الجريدة المعبرة عن سياساتها.. وقد يكتب عموداً يومياً يجسد همومه واهتماماته ورؤاه الشخصية أيضاً.. مشيرا إلى أن " رئيس التحرير هنا " بدلاً من أن يُضَّمن مقالاته هموم الناس أو أنماط التفكير السائدة في المجتمع فإنه يحولها إلى أشكال وقوالب صحفية عديدة يتم تنفيذها من قبل الزملاء الآخرين.. أما حين يغادر الصحيفة.. ولا يصبح مهموماً بقضايا العمل والتسيير اليومي لشؤونها.. فإنه يصبح طليقاً.. وبالتالي متواصلاً بصورة أكبر مع المجتمع.. ومعبراً عن ذاته وليس عن سياسات صحيفته التي كانت تُرسم بناء على توازنات كثيرة.. موضحا من خلال ذلك بأن هذا هو الفرق بين ما يكتبه كرئيس للتحرير وبين ما يكتبه ككاتب لا تحكمه المسؤولية .. ولا تؤطر أفكاره.. ولا تضع حدوداً لتناولاته.. والقبعتان في هذه الحالة مختلفتان في مقاساتهما.. وإن كانت قبعة الكاتب أكثر اتساعاً لاستيعاب ما يدور داخل جمجمته المزدحمة بهموم العالم والناس. أسامة السباعي أما أسامة أحمد السباعي رئيس تحرير صحيفة المدينة سابقا والناقد والكاتب حاليا فيرى بأن كلا من رئيس التحرير وكاتب الرأي ، يلامس قضايا المواطنين ، ويميط اللثام عن همومهم ، فكل منهم يهدف إلى التأثير في الرأي العام لترسيخ المواقف ، وتغيير القراء والسلوكيات ، والإسهام في إصلاح المجتمع غير أن لكل من رئيس التحرير وكاتب الرأي طريقته في المعالجة وأداته في التعامل مع جمهور القراء ، موضحا بأن لرئيس التحرير خصائص ينفرد بها قد لاتتوافر لدى كاتب الرأي ، فكل رئيس تحرير ينبغي أن يكون كاتبا ( وليس منتظما بالضرورة ) وليس كل كاتب صالحا لأن يكون رئيس تحرير أو حتى صحفيا ، مضيفا أن رئيس التحرير قلب العملية الصحفية ، وهو مسؤول عن كل ماتنشره مطبوعته ، وهو فقط وحده من تقع عليه مسؤولية نجاح الصحيفة أو فشلها ، كما يتميز بتحمله أخطاء وتجاوزات محرريه بل وأحيانا يتحمل حتى أخطاء الكاتب نفسه ، منتقلا في تفرقته إلى " كاتب الرأي " الذي يرى بأنه ليس مسؤولا عن ماينشر في الصحيفة ، فهو مسؤول عن نفسه ، لايفكر في ماينبغي نشره من عدمه ، فيكتب على سجيته وما تمليه عليه ثقافته وتجاربه وخبراته ، ثم أن رئيس التحرير مايقدمه في صحيفته إنما هو نتاج جماعي وحصيلة جهوده والمحررين في الصحيفة ، في حين نلحظ أن الكاتب مايقدمه في رأيه نتاج فردي ، موضحا بأن حصيلته حالة فردية ، فحصيلته حالة خاصة يعايشها الكاتب في بيئته ، تمتزج الأفكار بوجدانه ، فينعكس على مشاعره وأحاسيسه ليصيغها في مقال . مؤكدا بأن رئيس التحرير قد يجامل في صحيفته بما يخدم سياستها أو يعود عليها بفائدة معنوية أو نفع مادي فهو يجامل ولكنه لاينافق وإلا فقدت الصحيفة مصداقيتها !! وقال " كاتب الرأي لايليق به أن يجامل ، بل عليه أن يكون حادا في رسالته ، صادقا في طرحه ، من جهة أخرى نلحظ أن رئيس التحرير قد لايكون كاتبا ماهرا ، ولكن يلزمه أن يكون ماهرا في القيادة الإدارية والمهنية على العاملين معه في جهاز التحرير ، كما عليه أن يمنحهم الفرصة لتقديم أفضل مالديهم في خدمة القراء وتلبية حاجاتهم ، ثم نأتي لنلاحظ بأن الكاتب شخص موهوب لابد أن يكون ماهرا في الكتابة ، شجاعا في رأيه ، ليس له من أمر القيادة الصحفية ومسارب العمل الصحفي نصيب ، ثم إن رئيس التحرير يقدم الأدلة والإثباتات على ماينشره عبر التحقيقات الصحفية ، ويتثبت من الخبر والمعلومة قبل نشر أي منهما ، في حين نجد كاتب الرأي لايطلب منه تقصي حقيقة مايملك من معلومات أو الدقة في خبر أراد التعليق عليه ، كذلك نجد بأن رئيس التحرير لديه من الخبرة مايسمح له بمعرفة مايمكن نشره في مطبوعته ، ويمتلك القدرة على الوصول إلى حدود الخط الأحمر الذي يتوقف عنده ، أما الكاتب فدرايته بالخط الأحمر محدودة ، فيكتب على سجيته ، تاركا قرار النشر من عدمه لرئيس التحرير ، ثم يعلق " إن رئيس التحرير الذي أصبح اليوم كاتب رأي رغم ابتعاده عن متاعب الصحافة ، وتوهج الأضواء ، والمناخ الجماعي بمشاركة زملاء الحرف مازالت عدوى الصحافة تعشش في رأسه ، فهاهو يركض ( بل أركض ) في ساحة صاحبة الجلالة عن طريق الكتابة الصحفية ، لأسهم في رحاب الصحافة عطاء وإبداعا ودون شعور بالتوحد على النحو الذي تعنيه هذه الكلمة . قينان الغامدي ثم يبدو بأن " السباعي يتوحد مع هذه اللحظات الحميمة الفاصلة بين تجربتين كانتا من أكثر التجارب احتداما في حياته حينما كان رئيس تحرير صحيفة المدينة واليوم هو كاتب رأي وناقد ليتحسس بيديه هذا السور الذي يتوسط المرحلتين فيمشي من خلال طرحه محاذيا له ليرقب مرحلته السابقة بقوله " سقى الله تلك الأيام التي عودت نفسي خلالها على الكتابة " كصاحب رأي " أكتب بتوقيع " أسامة السباعي " لأعبر عن رأيي الخاص ، وأكتب كذلك بتوقيع " رئيس التحرير " لأعبر عن موقف " المدينة " أما الأثر الذي سيتركه مسمى كاتب رأي على نفسي ، فإنما هو امتداد لصاحب رأي يحمل رسالة سلاحها القلم .. مثلما يحملها رئيس التحرير لتنوير المجتمع ومساعدته على التغلب على مشاكله ، وتسليط الضوء على سلبيات بعض أفراده ، والكشف عن الظواهر والتجاوزات الاجتماعية _ مثلي في هذا مثل أي رئيس تحرير _ إذا .. فلئن خلعت " قبعة " رئيس التحرير يوما ، فقد استبدلت بها " قبعة " كاتب رأي ، وكلا القبعتين شرف لنا نرتديه من أجل الوطن ، في سبيل ارتقائه ، وتحسس حاجاته ، وخدمة قضاياه ومصالحه على مختلف طبقاته وشرائحه . ثم يرى " قينان الغامدي " رئيس تحرير الشرق " والكاتب بصحيفة الوطن بأنه ليس هناك فصل بين رئيس التحرير والكاتب فأي رئيس تحرير في الغالب إنما هو كاتب ورئاسة التحرير ماهي إلا وظيفة لذلك فأي رئيس تحرير أثناء ممارسته للعمل فإنه يكتب ويمارس فعل الكتابة في صحيفته وهذا هو الواقع الملحوظ لدى الكثير من رؤساء تحرير الصحف .. مشيرا إلى أن ذلك الارتباط بين فعل الكتابة ورئاسة التحرير لأي صحيفة يحمله معه " أي رئيس تحرير " حينما يغادر صحيفته ليستمر كاتبا حتى يموت فقد يكون ترك وظيفته كرئيس تحرير إلا أن الكتابة تبقى في معطفه لايستطيع أن يخلعها لأنها ليست وظيفة إنما هي جزء منه ، موضحا بأن رئيس التحرير هنا لا يتحول إلى كاتب بعد ترك الوظيفة إنما هو كاتب برتبة رئيس تحرير ثم بعد أن يغادر يصبح كاتبا برتبة سابقة استحقها لأنه استمر في فعل الكتابة فالعملية هنا ليست طارئة إطلاقا ، أما عن الفرق الذي يفصل بين الحالتين فيرى " بأن رئيس التحرير حينما يكتب وهو مازال متقلدا قيادة دفة صحيفته فإن ارتباطاته تكون كبيرة ومهامه أكبر فتؤثر تلك الانشغالات على الكتابة المنتظمة ، إلا أنه حينما يترك العمل اليومي ثم يصبح متفرغا للكتابة هنا يصبح الوقت أكثر اتساعا للمتابعة والبحث والكتابة ، ولذلك فإن أي رئيس تحرير حينما يتفرغ للكتابة فإنه يشعر بالحرية الكبيرة والمقدرة المتسعة لتفرغ للكتابة العميقة والدقيقة وهما الأمران اللذان قد لايتوفرا له حينما كان رئيس تحرير ، كما أن موقع رئيس تحرير في الصحيفة التي يقودها قد لايتيح له الحرية المتاحة لغيره من الكتاب لأنه يفهم رأي رئيس التحرير حينما يكون كاتبا في صحيفته " وكأنه رأي الجريدة " وربما ذلك مايدفع بعض رؤساء التحرير لأن يمتنعوا عن الكتابة في أمور معينة ولكنه _ حتما _ حينما يتحرر من المنصب فإنه يصبح كاتبا حرا وطليقا يغرد على جميع الأغصان ... معبرا " الغامدي " على تفضيله الشخصي أن يكون كاتب رأي على أن يكون رئيسا للتحرير " .