عند مدخل خيمتها البيضاء في مخيم للاجئين السوريين الاكراد قرب اربيل، تتربع شقلاوة محمد رشيد (16عاما) فوق سجادة رثة، والى جانبها والدتها برشان، تراقبان ابناء جارتهما وهم يلعبون امام خيمة مماثلة في الجهة المقابلة. تبتسم شقلاوة لوالدتها التي غطت نصف وجهها لاتقاء موجات الحر المجبول بالتراب وهي تذكرها باعيأد الاضحى التي مرت عليهما في سنوات مضت، فتدير وجهها الصغير الابيض نحوها، وتفتح عينيها الزرقاوين على وسعهما، وتهمس لها بثقة «وضعنا هنا مؤقت». فعيد الاضحى الذي يصادف اليوم الثلاثاء، هو اول عيد يمر على 14 الف لاجئ سوري كردي وهم يقيمون في خيم بعيدا عن منازلهم في سوريا، داخل مخيم كوروكوسك الذي يقع على بعد نحو 30 كلم غرب مدينة اربيل، عاصمة اقليم كردستان العراق. في إحدى زوايا المخيم الذي يلفه سياج حديدي يمنع سكانه من مغادرته إلا بعد حصولهم على إذن أمني بذلك، أو بعد استحصال إقامة، تتناقش فرقة الفنان الكردي حسن يوسف أغان حول مسرحيات تنوي تأديتها في المخيم خلال أيام العيد. الهروب من الحرب وشيد هذا المخيم عقب موجة النزوح الجماعي للاجئين السوريين التي شهدتها المنطقة في منتصف اغسطس الماضي، حيث وصله في البداية نحو خمسة آلاف شخص قبل ان يتضاعف عدد هؤلاء اللاجئين الذي اتى معظمهم من حلب والقامشلي ودمشق، وفقا لادارة المخيم. واعلنت مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة حينها ان اكثر من 30 الف سوري دخلوا العراق خلال ايام هربا من المعارك بين المسلحين الاكراد والمعارضين الموالين لتنظيم القاعدة، في احد اكبر عمليات اللجوء السوري منذ بدء النزاع في هذا البلد المجاور. وبحسب ارقام الاممالمتحدة، تستقبل محافظات اقليم كردستان الثلاث حاليا اكثر من 185 الف لاجئ سوري. وتقول شقلاوة التي ارتدت قميصا اخضر، وبنطالا اسود، ووضعت طلاء احمر واخضر على اظافرها «جئنا من المزة في الشام. تركناها بسبب الوضع هناك، حيث لم نكن نستطيع ان نذهب للمدرسة، او نخرج من منازلنا، وسط التهديد المستمر بالذبح والقتل والخطف». وتضيف «هذا اول عيد لنا خارج سوريا. كنا في السابق نجهز الحلويات ويزور بعضنا البعض. كنت اشتري ملابس جديدة واخرج مع اصدقائي فنذهب الى الملاهي او نلتقي في المطاعم». وتتابع بينما يراقبها من داخل الخيمة شقيقها الاصغر شيركو (13عاما) «الامور هنا مغايرة، فلا شيء من ذلك ابدا. لكن آخر عيد على كل حال كان ايضا مثل هذا العيد. صحيح انه كان في الشام، لكننا لم نكن نخرج من المنزل حينها. وبالعكس، هنا الوضع افضل لأن الامان موجود». فرقة موسيقية وفي احدى زوايا المخيم الذي يلفه سياج حديدي يمنع سكانه من مغادرته الا بعد حصولهم على اذن امني بذلك، او بعد استحصال اقامة، تتناقش فرقة الفنان الكردي حسن يوسف اغان حول مسرحيات تنوي تأديتها في المخيم خلال ايام العيد. ويقول يوسف (44 عاما) وهو يتحدث ببطء وينظر الى الارض «في القامشلي، الناس ملت الموت»، قبل ان يؤكد بابتسامة «هنا لا نشعر أننا بعيدون عن وطننا. نحن نشعر بأننا في وسط وطننا لأن هذا وطننا فعلا». ويضيف «اقمنا فرقة للموسيقى والمسرح كي نسلي الاطفال والشباب والعائلات حتى يفرحوا ويصفقوا. وما احلاهم حين يفعلوا ذلك. نحن نقوم بواجبنا، نخفف الألم الذي يشعرون به، فهناك اناس تكون الغربة صعبة عليهم». وعلى وقع عبارات التشجيع، وخاصة من قبل رجل راح يقول لكل من يقف حوله بعينين دامعتين وابتسامة «هذا ابن خالتي»، يتوجه يوسف نحو كرسي بلاستيكي ازرق محاذي للسياج الحديدي، ويتناول آلة الساز، فيضعها في حضنه ويباشر العزف. تمر ثوان قبل ان يبدأ الفنان الغناء باللغة الكردية، فيسود الصمت، ويستمع الحاضرون بشغف اليه وهو يروي في اغنيته ما كان يحدث في القامشلي، قبل ان يقول بصوت حزين على وقع لحن بطيء «الامان افضل هنا، كردستان وطننا».