ربما كان الدعم الذي قدمته حكومة إقليم كُردستان العراق لمخيّم «دوميز» للاجئين الكرد السوريين، وهو (50) ليتر مازوت لكل خيّمة يقي السكان النازحين من البرد القارس الذي يعصف بالمنطقة منذ أيام، لكنه لا يخفف المعاناة التي لا تقف عند حدود التدفئة الموقتة، فالمخيّم يفتقر إلى ابسط شروط الحياة مثل العوازل البلاستيكية والمرافق العامة والمطبخ، إذاً لا يمكن أن تكون الخيمة محلاً للنوم والجلوس والغسيل ولا تتسع مساحتها لعائلة من خمسة أفراد. باختصار يمكن القول إنّ معاناة اللاجئين الكُرد السوريين في هذا المخيم تشبه معاناة السوريين في أماكن لجوئهم الأخرى. «اعتقدنا أننا نترك الجحيم خلفنا وأننا متوجهون إلى الجنة» تقول إحدى الفتيات في المخيم، وهي لم تستطع ضبط دموعها،» ما إن وطئت أقدامنا أرض «دوميز» حتى شعرنا بالأسى والندم وشعرنا كم من الويلات ينتظرنا». معاناة بالجملة أم سيوار امرأة خمسينيّة كانت تعيش في سبينة في دمشق قبل أن تصبح لاجئة هنا، تسرد معاناتها ومعاناة غيرها من العائلات في المخيّم قائلة:» لم أكن أعرف أن حال اللاجئين هكذا، ولو عرفت ما كنت خاطرت بحياتي وبحياة أبنائي ولجأت إلى هنا. كنت أظنّ أنّ كُردستان أفضل مكان لنا نحن الكُرد « وتابعت» بالأصل لم اكن اعلم أننا سنعيش في المخيّم كنت أظن أن باب كُردستان مفتوح لنا». وأضافت بحسرة» كان بوسعنا تحمّل أصوات الطائرات التي بين الفينة والأخرى تضرب أماكننا، كان يمكننا اللجوء إلى مكان آخر، لكن ما الفائدة اصبحنا هنا وعلينا أن نتحمّل العذاب». يقول (نهاد) وهو من أهالي كوباني:» إنّ العذاب الذي تراه الآن لا يعادل 10 بالمئة مما نعيشه. طوال الليل، لا يصل النوم إلى جفنيك وأنت تسمع أنيناً من الخيمة التي تجاورك»، ويجيب عن سؤالنا عن وجود مستوصف أو عناية صحية في المخيم قائلاً: «نعم ... لكن ما الفائدة من المستوصف إذا كان هذا المريض يحتاج إلى المستشفى وإلى عناية دقيقة». فتاة أخرى تقول: «نحن عائلة لا نتجاوز عدد أصابع اليد، والدتي تعاني عدداًَ من الأمراض، وكذلك أخي الذي عجز عن تأمين لقمة العيش لنا فكيف سنتدبر أمرنا إذا لم تقف حكومة الإقليم إلى جانبنا بشكل جديّ؟». مخيم» دوميز» يؤوي ما يقارب 60 ألف لاجئ كُردي سوري موزعين على الشكل التالي: 25 عائلة من كوباني، وعشرات العائلات من عفرين، والبقية من الجزيرة أي من القامشلي وتوابعها. اللاجئون هنا لا يعرفون إلى أي جهة يتقدمون بشكاواهم، حيث ثمّة منظمات دوليّة خاصة باللاجئين، وحكومة إقليم كُردستان، لكن المنظمات الدولية لا تصرّح للصحافيين عن خطط العمل لمعالجة أوضاعهم، وحكومة إقليم كُردستان العراق تقول إنّ هؤلاء» ليسوا لاجئين إنما ضيوف عند أهلهم». مسؤولية حكومة الإقليم يقول عبدالله حمو (مدير مخيم اللاجئين في كردستان، والذي كان نفسه لاجئاً في إيران قبل تسعينات القرن المنصرم عندما هجرّ الكُرد هرباً من الحرب الكيماوية): «إنّ الخدمات متوافرة وحكومة إقليم كُردستان حريصة على تأمين الخدمات والرعاية الصحية وتأمين المأكل والشرب لأهلنا الكُرد بأفضل الطرق»، ويتابع» نسهّل أمور النازحين القادمين إلى المخيم، وقد خصصنا مبلغاً كبيراً من المال لخدمة اللاجئين»، وقال: «حكومتنا مستعدة لإصلاح أي خلل حدث أو يحدث بحق اللاجئين في المخيم». لكن ما لا يدركه حمو أن هؤلاء الذين يعانون أبسط شروط الحياة لا يلومون الحكومة فقط، إنما يلومون قياداتهم التي التجأت أيضاً إلى كُردستان العراق ونسيتهم «ليس لنا أي حق على حكومة إقليم كُردستان، فهي قدمت ما استطاعت تقديمه إنّما حتى الآن لا نعرف ماذا قدمت قيادتنا التي تقوم وتنام بالفنادق، حتى انهم لم يزورونا ولم يقدموا لنا الدعم المعنوي ولا المادي» يقول شاب يدعى زردشت، ويتابع:» ألا يحتاج هؤلاء الناس إلى الرعاية والاهتمام والنصائح ورفع المعنويات؟!». في المخيم الأوحال تصل إلى الركب والسيول تتساقط على الرؤوس، ويقول احد الموظفين: «لا ندري التقصير من من: من حكومة الإقليم أم من المنظمات الدوليّة!. مَن شوه صورة اللاجئين؟ وشاطر هذا الموظف رأيه سائق التاكسي الذي أقلنا من دهوك إلى «دوميز» فتأسف على الوضع الذي يعيشه اللاجئون لكنه ردّ السبب إلى اللاجئين انفسهم: «في البداية اهتمت حكومة الإقليم بهم واعتبرتهم أهلاً وأخوة لكن سرعان ما تحول البعض من لاجئين إلى حرامية ونشالين، وأنت تعرف ما هو الحرامي في إقليم كردستان العراق حيث من الممكن أن يقبل منك كل شيء ولا يقبل منك أن تسرق».