احتفالا بالذكرى المئوية الأولى لنشر (جانب منزل سوان)، المجلد الأول من رواية الروائي الفرنسي مارسيل بروست ذات الأجزاء السبعة (البحث عن الزمن الضائع)، طلبت النيويورك تايمز من مجموعة من الكتاب والنقاد أن يتحدثوا عن تجربتهم الخاصة مع هذا الكتاب وغيره من أجزاء الرواية الشهيرة، وفيما يلي ترجمة لما كتبه الروائي برايان مورتن بهذا الشأن. في رصيد مورتن أربع روايات وهو مدير برنامج الكتابة في كلية سارا لورنس. حين وصلتْ (البحث عن الزمن الضائع) للمرة الأولى إلى القراء الأمريكان والإنجليز، أصيب الجميع بالذهول. قالت إيديث وارتون: إنها تستحق أن توضع في مصاف أعمال تولستوي وشكسبير. وقال إي.إم.فورستر : إنها «روايتنا العظيمة الثانية» بعد (الحرب والسلام). أما فرجينيا وولف فكتبت في يومياتها : « إنني في حالة من الدهشة؛ كما لو أنني أشاهد معجزة تحدث أمام عيني». وبعد قرابة خمسين عاماً، حين وصل بروست إلى مدرسة تينك الثانوية، أصبنا نحن بالذهول، أيضاً. فبعد أن عاد أحد الأصدقاء الذين أمضوا عاماً في فرنسا بأخبار عن رواية مختلفة تماماً عن كل ما قرأناه من قبل، انكببت على قراءة (جانب منزل سوان)، وأحببت كل شيء فيها : الصبر الذي يتفحص من خلاله مارسيل، السارد، ما يعرض له من مشاهد ورؤى؛ واستحضار حالة الحزن التي تتملك الطفل عبر منغصات طفيفة بشكل واضح لدرجة أن الكبار لا يلاحظونها مطلقاً؛ وهناك بالطبع الجزء الذي أولع به صديقي، حين تفتح قطعة من الكعك المغمسة في الشاي ماضي مارسيل برمته ( وهو جزء لا يدركه البلى، مهما أعدت قراءته، وهو ما يثبت أن بوسع الرواية أن تبث الحياة في عوالم متباينة بطريقة تجعل أفلام السينما تبدو محدودة الإطار وفائضة عن الحاجة). كما أنني أحببت حس الدعابة، الذي هو بعيد عن اللامباشرة الدقيقة التي يستدعيها الذهن حين يفكر كثير من الناس في بروست: المرأة المولعة باستعراض ضحكتها الهادرة العالية النبر لدرجة أن فكها أصيب بالخلع. العمات اللاتي تلقّين هدية من سوان، واللاتي يدفعهن خوفهن من الفظاظة إلى شكره بطريقة بالغة التهذيب لدرجة أنه لم يكن يدرك أنهن يشكرنه؛ وسوان نفسه الذي وبعد أن يمضي سنوات عدة في حالة من الهوس بامرأة أهمل كل شيء في حياته لأجلها، يصل إلى النتيجة التي مفادها أن تلك المرأة « لم تكن تلائم مزاجي». ولكنني في نهاية المطاف أصبت بالملل. ربما كان المجلد الثاني، أثناء تحليل حب مارسيل لجيلبرت، الذي يعيد تصوير العديد من سمات حب سوان لإيوديت، لكن بمستوى أقل من التكثيف الدرامي والثقافي. أو ربما كان المجلد الثالث، أثناء وصف حفلة عشاء، أكتشف الآن بعد أن أعدت النظر فيها أنها تقع في قرابة المائة صفحة فقط، رغم أنها تبدو بلا نهاية.. ترى هل سيكون من الخطأ اقتراح أن يؤدي أحد ما خدمة للأدب عبر تقديم نسخة مختصرة من بروست؟ لقد عدت إلى بروست مرات عدة منذ ذلك الحين، لكنني لم أبلغ النهاية. وإنني ألقي باللائمة في ذلك على عادةٍ قادتني، في كل مرة، لأن أبدأ من جديد. أقرأ ألف صفحة، ألفي صفحة، ومرة أخرى، أتوقف. أشعر بأنني سيزيف معاصر يدفع بالمجلدات السبعة ل ( البحث عن الزمن الضائع) أعلى التلة. ورغم أنني قد لا أبدو جديراً ببروست، إلا أنني أحب أن أدرّس المجلد الأول للطلاب الذين يدرسون الكتابة عندي. وبروح ملؤها الرغبة في الاعتراف والبوح، أبدأ بإخبار طلابي أنني لم أتمكن من الانتهاء من قراءة الرواية كاملة. إن إحدى متع قراءة بروست مع طلاب الكتابة هي أنه يخالف كل «قواعد» الكتابة السخيفة التي صار يحتفى بها في العديد من برامج الكتابة. تقول لنا الحكمة التقليدية : يتوجب علينا أن « نُظهِر لا أن نُخبِر» لكن بروست يخبرنا ويواصل إخبارنا ولا يكف عن فعل ذلك. وتقول لنا الحكمة التقليدية : إن وجهة النظر لابد أن تكون منطقية وثابتة، ولكن بروست (مثل ميلفل وديكنز) يفعل ما يحلو له بوجهة النظر. العديد من طلابي قرأوا العمل كاملاً، مفندين الفكرة التي تقول: إن جيل اليوم لا يقرأون سوى التغريدات. يحلو لأحد طلابي القدامى أن يرسل لي مقتطفات من المجلدين الأخيرين، وهي مقاطع رائعة عن الفن والزمن والذاكرة لم أصل إليها بعد. لا أدري إن كان يفعل ذلك بغرض إلهامي أو مضايقتي. ذلك لا يهم. أعلم أنني سأبلغ النهاية ذات يوم. سأفعل. سأفعل. سأفعل.