مقالاتي عن المياه.. في جزء منها.. دعوة للتفكير والتأمل.. لكنها دعوة.. لرؤية وضع مائي يتردى.. البعض لا يراه.. لاختلاف الاهتمام.. هناك جهات معنيّة.. يجب أن تعمل.. أن تركز اهتمامها على المياه.. وشئونها.. ومشاكلها.. في النّهاية.. إدارتها بما يحقق المصالح.. حتى للذين لم يولدوا بعد.. الكثير من تعليقات القراء.. تعطي انطباعا وقناعات باليأس.. لا أحد يستمع.. لا أحد يكترث.. لا تغيير.. لكن الحقيقة.. هناك من يهتم.. بدليل دفاعي عن المياه.. دفاع ممتد منذ أكثر من ثلاثين سنة.. ومازال.. وسيظل بعون الله. استكمالا لحديثي السابق.. أنهيته بقولي.. الأمطار محور مهم.. يعوّل عليه لتعزيز الحياة في شبه الجزيرة العربية.. لدينا منطقة مهمّة تُشكل ثلث مساحة المملكة.. منطقة جغرافية استراتيجية.. قادرة على اقتناص مياه الأمطار وتخزينها.. تُشكل خزان ماء ضخما وطبيعيا.. يمكن تغذيته وتنميته بمياه الأمطار. هذا الخزان في حال تشبعه بمياه الأمطار.. يمكن أن يغذي المياه الجوفية حتى للمناطق الداخلية للمملكة.. ويجب أن يكون كذلك.. اكتشف الأوائل من الأجداد تضاريس هذا الخزان بعد انفجار سد مأرب.. وبعد مرارة تجربتهم مع السد وكوارثه.. وحتى لا يتكرر الأمر.. تجنّبوا إقامة سدود جديدة.. توصلوا إلى أساليب وأدوات وتقنيات أخرى وبسيطة كبديل للسدود.. نمط جديد وعظيم عمليا.. يعتمد كليا على فهم عميق للبيئة.. استيعاب دقيق وفاعل وعاقل للتضاريس.. كان استيطانهم في هذه المنطقة الجغرافية.. مبني على رؤية.. وليس مجرد وجود عشوائي.. المطر كان محور الرؤية ولبّها. كل الشواهد لمن أراد الاستفادة واضحة للعيان.. لكن تحتاج إلى خبير يقرأها.. يوضح مفاتيح أسرارها.. يعطي تفسيرا علميا لوضعها.. هذا ما أحاول طرحه بين أيديكم.. وجودنا على هذه الأرض المباركة مبني على أسس علمية.. وفنون تقنية.. وفهم أشمل وأوسع للبيئة بكل مكوناتها.. كنتيجة كان نجاح استمرارنا على هذه الأرض الشحيحة بالماء والغنية بالفكر البيئي المتميز. ستظهر الصور بكل وضوح.. من خلال سلسلة هذه المقالات.. محاولة مسئولة وجادة.. لكشف فنون العلاقة بين البيئة والإنسان.. لصيد وتجميع وتخزين مياه الأمطار.. لتوضيح ممارسات الأجداد العملية والعلمية.. أيضا لتوضيح مدى خطورة العبث بهذه العلاقة وتجاهلها.. خاصة وأن بيئتنا العربية بيئة حساسة.. مزاجية إلى أبعد حد.. يجب أن تكون العلاقة معها مبنية على الصدق.. وعدم الاستغلال الجائر.. بعيدا عن الأطماع وتوحش النفس البشرية.. علاقة تبادل منافع.. وبشكل متزن وفي خطوط متوازية. نعرف من الحقائق أن ثلثي مساحة المملكة مناطق صحراوية.. أو أقرب إلى التصحر.. أقرب إلى العزلة.. أقرب إلى الهلاك.. لكن أجدادنا مع كل هذه المخاطر.. استوطنوا أجزاء منها.. لأن بها ينابيع مياه جوفية.. ونعرف أن هذه المساحة الهائلة مناطق غير مطريّة.. تسمى هذه المواقع في هذه الصحاري ب(الواحات).. مفردها (واحة).. أشهرها واحة الاحساء.. تقع على حافة الصحراء.. تحيط بها الرمال الميتة من كل اتجاه.. وهناك واحات أخرى استوطنها سكان شبه الجزيرة العربية عبر العصور. بالمقابل نجد أن الثلث الباقي من مساحة المملكة يعتمد على المطر.. من الملاحظ أن كثافته السكانية عالية.. وقد تحقق لأهله عبر التاريخ.. وبنجاح.. العيش على مياه الأمطار فقط.. برع أهالي هذا الجزء من المملكة وبشكل دقيق في حسن إدارتهم لمياه الأمطار.. وظلت هذه الإدارة قائمة إلى أن بدأ العد التنازلي الواضح لهذه الإدارة مع بداية هجرة أهالي هذه المناطق المطيرة إلى منابع البترول. هذه المناطق الجافة المطيرة استأنسها الإنسان عبر تاريخه وفقا لخبراته التراكمية ومهاراته المائية والزراعية والبيئية.. حولها إلى ما يشبه المطارات المعروفة.. حيث يتم استقبال الأمطار بنجاح.. وبترحيب منقطع النظير.. هذه المناطق المطرية تحمل تخطيطا بارعا ودقيقا.. يدل على اعجاز بشري.. كان قائما وله الكثير من الشواهد والدلالات. وبالعودة إلى الفكر البيئي الذكي لأجدادنا.. تنتابني الدهشة من حسن استغلال البيئة وحسن التعايش معها.. تم توظيفها بشكل مساند لحياتهم.. وكان جهدهم أيضا منصبا لخدمة البيئة أيضا.. تتجلى قدرات الأجداد في تقسيم البيئة وفقا لقدرتها على جذب مياه المطر نحو جسدها البيئي.. جسد نال عناية فائقة من الإعداد والتشييد والتجميل لهذا الغرض.. تم توظيف مهارة الملاحظة بشكل بارع ومبدع. لننظر إلى المواقع الاستيطانية التي شيدها الأجداد في هذه المنطقة المطرية.. قرى أشبه بمراكز لإدارة البيئة والمطر.. وقفت على معالمها من الطائف إلى أبها.. شاهدت معجزة إنسانية.. سيتم كشفها.. لم يلاحظها أو يتحدث عنها أحد.. تفعيلها قرار يجب اتخاذه.