سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د.آل الشيخ: انخفاض تكلفة «الحصد والخزن» مقارنة ب«التحلية» أو إعادة استخدام مياه الصرف الصحي معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه نجح في «الغدران الاصطناعية» وآبار التغذية في السدود
حظي مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول في المملكة الذي تم تنفيذه من قبل معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بجامعة الملك سعود منذ بدايته في عام 1425ه؛ بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - مالياً ومعنوياً، وكان لتلك الثقة من لدُن سموه الأثر الكبير في دفع المعهد لبذل المزيد من الجهد في إجراء الدراسات والأبحاث وتحري الدقة في تنفيذ ومتابعة المشروع. وقال "د.عبدالملك بن عبدالرحمن آل الشيخ" - المشرف على معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بجامعة الملك سعود - في حديث ل"الرياض": كانت النتائج ولله الحمد مشجعة وناجحة، وتفاعل معها المواطنون بالشكر، وتحديداً ممن نُفذ المشروع في مناطقهم، كما تلقى المعهد أيضاً خطابات شكر عديدة من المواطنين مع طلبات للتوسع في تنفيذ هذا المشروع في مناطق مختلفة من المملكة، مشيراً إلى أن المشروع حظي بتأييد وتوجيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وزير الدفاع، حيث حدد سموه الكريم في بداية المشروع مجموعة من المواقع التي نفذت فيها أساليب حصد وخزن مياه الأمطار والسيول، ووجه الجهات المعنية بالتعاون مع المعهد في تنفيذها، كما ثمّن سموه أهمية هذا المشروع؛ فوجه وزارة المياه والكهرباء بتقييمه بهدف تعميمه في كافة مناطق المملكة لتحقيق الفائدة القصوى من مياه الأمطار، وفيما يلي نص الحوار: حصد وخزن المياه * ما هي دواعي استخدام أساليب حصد وخزن مياه الأمطار في المملكة؟ - تعد مياه الأمطار من أكثر الموارد الطبيعية أهمية في البيئات الجافة وشبه الجافة. وتتسم المملكة والمناطق الجافة بصفة عامة بظروف مناخية وبيئية جافة في معظم الأوقات، تتخللها بعض الفترات القصيرة من الهطول المطري الغزير الذي تسيل على إثره الأودية والشِعاب؛ مما يحتم ضرورة الحد من مخاطر هذه السيول والإفادة من المياه وتقليل فقدها بالتبخر؛ نتيجة لتعرُضِها لدرجات حرارة عالية باستخدام أساليب غير مكلفة اقتصادياً لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول، وبشكل يناسب تلك الظروف المناخية والبيئية. وتقدر كمية الأمطار التي تهطل على المملكة بحوالي 2 مليار م3 سنوياً يستفاد بنسبة قليلة منها فقط. وأوضحت الدراسات الحديثة التي أجرتها لجنة التغير المناخي وجهات بحثية دولية أخرى توقُع زيادة معدل سقوط الأمطار على وسط وشرق المملكة خلال العقود القليلة القادمة بإذن الله؛ كنتيجة للتأثيرات الناتجة عن التغيرات المناخية؛ مما يستدعي زيادة الاهتمام بأساليب حصد وخزن مياه الأمطار والسيول في المملكة، وبمعنى آخر التأقلم مع التغير المناخي المتوقع -إن شاء الله-. موارد المياه * ماذا عن موارد المياه في المملكة؟ - تعتمد المملكة على المياه الجوفية ونسبة ضئيلة من المياه السطحية المتجمعة خلف السُدود في تأمين احتياجاتها المائية للأغراض السكانية والزراعية والصناعية. ولشح هذه الموارد وسد العجز في تأمين المياه تقوم المملكة بالحصول عليها من موارد غير تقليدية مثل تحلية مياه البحر وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي المعالجة، إلاّ أن هذه الموارد مُكلفة ولا تفي بالطلب المتزايد على المياه بسبب النمو السكاني والزراعي والصناعي المتزايد. ولعل أيسر وأفضل الحلول في بيئة جافة مثل المملكة هو اللجوء إلى تطوير وتنمية أساليب حصد وخزن مياه الأمطار والسيول. كمية الأمطار التي تهطل على المملكة حوالي 2 مليار م3 سنوياً ونتوقع زيادتها خلال العقود المقبلة حجز المياه * ماذا يعني حصد وخزن مياه الأمطار والسيول؟ - يقصد بحصاد مياه الأمطار تجميعها بأساليب مختلفة بعد الهطول وجريان المياه على شكل سيول، حيث يتم حجز مياه الوادي عن طريق بناء سد في مجراه، ومن ثم إجراء عملية التغذية الجوفية، أو عن طريق تنفيذ منشآت تحويلية بهدف التخزين والإفادة من هذه المياه في أوقات انعدام نزول الأمطار أو أوقات الجفاف، حيث يقل تصريف أو توقُف جريان الأودية. فوائد كثيرة * ما هي فوائد حصد وخزن مياه الأمطار؟ - هناك العديد من الفوائد لحصد وخزن مياه الأمطار، منها: تأمين المياه لسكان القرى والهجر والبادية وسقيا الماشية والمزروعات، إعادة تأهيل القرى والهجر للحد من الهجرة منها إلى المدن المزدحمة بسبب نقص المياه، إلى جانب تحقيق الزراعة المستدامة في المناطق الزراعية التقليدية الواقعة على ضفاف الأودية -التي أصبحت تُعاني من نقص الماء بسبب ضعف المخزون المائي نتيجة عدم إفادتها من مياه السيول-، وتأمين مخزون استراتيجي من المياه حول المدن والقرى للإفادة منه وقت الحاجة. تجارب دولية * هل سبق أن طبقت هذه الأساليب في أي دولة عربية؟ - تشكّل مياه الأمطار في كثير من الدول العربية المصدر الوحيد لجريان المياه السطحية وتغذية المخزون الجوفي. وتوصي الجهات المختصة في هيئة الأممالمتحدة باستخدام أساليب حصد وخزن مياه الأمطار والسيول في معظم الدول العربية، وقد طبقت هذه الأساليب منذ أكثر من 45 سنة في كل من السودان وسوريا والمغرب واليمن والأردن وتونس وفلسطين وغيرها. وكمثال على الأساليب المتبعة في الدول العربية؛ نورد مثالين؛ فندرة الموارد المائية في الأردن جعلته يُدرك مبكراً أهمية ودور الحصاد المائي، سواء للأغراض الحضرية، أو سقاية الحيوانات، أو في استغلال الأراضي الزراعية. ففي مشروع تطوير حوض الحماد الأردني الذي تم في جزء من البادية الشمالية الشرقية، فقد أظهر إمكانية العمل في مجال الحصاد المائي تحت ظروف مطرية لا تتجاوز 100 ملم في السنة، ومن أهم عناصر هذا المشروع هو حصاد مياه السيل السطحي وتجميعها في حفائر أو في خلف السدود بدون تخزينها في الطبقات الجوفية السطحية في أحواض هذه السدود. وتعد الموارد المائية في تونس محدودة، فعلى الرغم من أن الشمال والشرق من تونس يحظى بكمية معقولة من مياه الأمطار، ويصل معدل الأمطار فيها إلى 35000 مليون متر مكعب في العام، إلاّ أن الجنوب التونسي تقل فيه كمية مياه الأمطار كثيرًا، وتعد الأمطار في الشمال والشمال الشرقي غير منتظمة، كما يبلُغ معدل التبخر المتوسط بين 1000 و1500 مليمتر في العام. وتحصل تونس على 45% من حاجتها من المياه، من خلال حصد وخزن مياه الأمطار إذ استخدمت العديد من تقنيات حصاد المياه شملت المدرجات، الجسور أو السدود، والمساقي. وقد ساهمت هذه التقنيات في الحد من النزوح السكاني واستقرار المزارعين في أراضيهم والعناية بها رغم صعوبة الظروف الطبيعية لبعض المناطق. وتستخدم المياه المحصودة لأغراض حضرية مختلفة وفي سقاية الحيوان والمزروعات. وقد تمكنت تونس ومن خلال خطة محكمة من عمل تنمية شاملة للموارد المائية حيث يوجد 22 سداً منها ثلاثة سدود ذات حجم كبير و131 سد جبلي و519 بحيرة جبلية و3000 منشأة لنشر المياه وتغذية الخزانات الجوفية، كما تشير معلومات الموارد المائية إلى وجود 600 بئر عميقة و930 بئراً مراقبة، وأمكن من خلال هذه المنشآت خزن أكثر من 1100 مليون متر مكعب من مياه الأمطار. ويبدو أن إدارة موارد المياه في الجمهورية التونسية تمثل تجربة ناجحة في حفظ وتنمية موارد المياه والإتفادة من أكبر كمية ممكنة من الأمطار وبتكلفة منخفضة نسبيًا، وذكر لنا أن الحياة قد عادت إلى واحتين في منطقة القيروان الأشد حرارة والأقل أمطاراً من المملكة والتي هجرت بسبب قلة المياه فيها، ثم عادت إليها الحياة وازدهرت زراعياً وارتفع منسوب الماء الأرضي بعد تنفيذ مشروع الحقن الصناعي للخزانات الجوفية بدعم من المملكة. تجربة المملكة * حدّثنا عن تجربة المملكة في مجال حصد وخزن مياه الأمطار والسيول؟ - زار معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء مواقع حصد وخزن مياه الأمطار والسيول في بعض دول الجوار، بعد ذلك طور الفريق العلمي في المعهد تجارب رائدة في مجال الإفادة من مياه الأمطار والسيول التي تسقط على المملكة بغزارة ولفترات زمنية محدودة، وذلك من خلال تنفيذ مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول بالمملكة، تلاه مشروع الأمير سلطان لإعادة تأهيل القرى والهجر في العديد من مناطق المملكة. ويهدف المشروعان إلى زيادة المصادر المائية بالمملكة، والإفادة من مياه الأمطار والسيول بخزنها في الطبقات السطحية في أحواض السدود (Atmospheric Aquifers) المتأثرة بالضغط الجوي للمحافظة عليها من التبخر، أو بتحويلها إلى غدران اصطناعية لاستخدامها مباشرة ولفترات أطول، إلى جانب الحد من مخاطر السيول التي تحدث نتيجة للأمطار التي تسقط على المملكة بغزارة خلال فترات زمنية قصيرة. وتتميز هذه الأساليب بكونها صديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة. الأمير سلمان ثمّن حصد وخزن مياه الأمطار والسيول ووجّه «المياه» لتقييمها بقصد التعميم.. وتعتمد إستراتيجيات تنفيذ المشروع على (أ) إنشاء غدران اصطناعية (حفائر تخزينية) كبيرة تحول إليها مياه السيول المتدفقة في الأودية للإفادة منها بدل ضياعها بالانتشار أو التبخر، أو (ب) حفر آبار التغذية الاصطناعية في أحواض السدود لتغذية الطبقات الجوفية بمياه الأمطار والسيول. (أ) الغدران الاصطناعية: يعتمد هذا الأسلوب في حصد مياه الأمطار والسيول على إنشاء غدران اصطناعية (حفائر تخزينية) كبيرة يتم فيها تحويل مياه السيول المتدفقة في الأودية نحو الغدران، ويتم اختيار وتحديد مواقع الغدران بعناية فائقة بعد دراسة الظروف المناخية والوضع الطبوغرافي والبيئي للمنطقة والاستعانة بتقنيات الاستشعار عن بعد وصور الأقمار الصناعية والنماذج الأرضية الرقمية الثلاثية الأبعاد؛ لتحديد أنسب المواقع لإنشاء وتنفيذ هذه الغدران، ثم يتم إنشاء الغدير الاصطناعي على أي ممر مائي بالقرب من أماكن حاجة سكان البادية والهجر للمياه، والهدف الرئيس من هذه الغدران هو السقاية وليس التغذية الجوفية للمياه، ويتم التحكم بمنع ترشيح المياه بعمل طبقات عازلة في أرض الغدير، كما يتم التحكم هندسياً بأبعاد الغدير بما يتناسب مع حاجة أهل المنطقة وبتصميم يعمل على تخفيف التبخر من الغدير عن طريق زيادة عمق الحفرة وزراعة أشجار كمصدات للرياح، وإنشاء الغدير بشكل عمودي على اتجاه الرياح، ويمكن الإتفادة من المياه وسحبها من الحفرة بواسطة أنابيب تنشأ على مستوى أرضية الغدير وترتفع خارجها لتزويد الصهاريج بالمياه. وقد نفذ المعهد غديران اصطناعيان في كل من ضرما وعشيرة سدير سعة كل منها 325م X 125م وبعمق ما بين 7 و9م. وتوضح (الصور المنشورة) آبار التغذية الجوفية في حوض أحد السدود وتخزين مياه الأمطار تحت السطح خلال فترة وجيزة وبالتالي وصولها إلى آبار المزارع المجاورة وزيادة منسوب المياه فيها. (ب) آبار التغذية الاصطناعية في أحواض السدود: يسود المملكة طقس حار وجاف ترتفع فيه معدلات التبخر وتتباعد الفترات المطيرة؛ لذلك فإن تخزين المياه في بحيرات سطحية خلف السدود يجعلها عرضة للفقد؛ نتيجة التبخر خصوصاً في فصل الصيف حيث ترتفع درجة الحرارة وتفوق معدلات التبخر كثيراً معدلات الترشيح الطبيعي (التغذية الطبيعية)؛ لذلك فإنه من المنطقي النظر إلى زيادة معدلات الترشيح باستخدام التغذية الاصطناعية، وذلك بحفر آبار للتغذية الاصطناعية في بحيرة السد تهدف آبار التغذية الجوفية إلى الاستفادة من المياه المتجمعة في أحواض السدود وذلك بتخزينها لاستخدامها وقت الحاجة إليها. وتعتبر الخزانات الجوفية والطبقات الجيولوجية الموجودة في الأودية هي البيئة المناسبة اقتصادياً (من حيث انخفاض تكلفتها) وبيئياً لتخزين المياه الفائضة والمحافظة عليها من الفقدان نتيجة للتبخر بجانب حفظها في الطبقات تحت سطح الأرض بعيداً عن الملوثات السطحية. ويعتمد المشروع في شقه المتعلق بتخزين المياه على تغذية الطبقات الجوفية ضمن أحواض السدود المقامة فعلاً من خلال آبار تغذية اصطناعية تحفر في بحيرة السد بمواصفات علمية يستعان فيها بأسس تحديد الأبعاد والأعماق والانحدارات الملائمة للمنطقة والظروف المناخية والبيئية المحيطة بها وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من السدود القائمة والمنتشرة في أماكن كثيرة من المملكة، والتي يتجاوز عددها 250 سداً بما يحقق زراعة مستدامة مع تقليص الاعتماد على المياه الجوفية الأزلية وخاصة تلك السدود القريبة من المدن ذات الكثافة السكانية العالية، والسدود القريبة من الواحات والأماكن ذات التربة الرسوبية العميقة القابلة للزراعة المروية. كما تم تنفيذ أساليب التغذية الجوفية لمياه أحواض السدود في (17) سبعة عشر سداً، وحققت هذه التجربة نجاحاً باهراً في رفع مستوى المياه وخفض نسبة الملوحة في جميع المناطق التي طبق فيها المشروع. وتوضح (الصور المنشورة) آبار التغذية الجوفية في حوض أحد السدود وتخزين مياه الأمطار تحت السطح خلال فترة وجيزة وبالتالي وصولها إلى آبار المزارع المجاورة وزيادة منسوب المياه فيها. ويعمل معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء حالياً في إجراء دراسات مكثفة في كيفية الاستفادة من مياه الأمطار التي يتم حقنها في الطبقات الصخرية، وذلك عن طريق ضخها بعد تنقيتها إلى شبكات المياه في المدن أو الإبقاء عليها كمخزون استراتيجي يمكن الرجوع اليه في حالات الطوارئ وذلك للاستفادة منه للتجمعات السكنية القريبة لهذه المشروعات.