للتنمية مبررات.. تفرض نفسها.. سواء للدول المتقدمة.. أو للدول النّامية.. الغنية أو الفقيرة.. السؤال.. لماذا عناء تحقيق التنمية؟!.. يأخذ الجواب بُعدين.. بُعد (السُكّان).. وبُعد (الموارد).. التكاثر البشري.. يتطلب المزيد من الموارد.. إذا لم تتحقق.. فهذا يعني الضغط.. على الموارد المتاحة.. إلى درجة عدم قدرتها.. على الوفاء.. بكامل الاحتياجات.. كنتيجة لهذا الضغط.. تُجهد الموارد وتُنهك.. وتُستنزف طاقتها.. إلى أن (تطيح) نهائيا.. من جور الإجهاد.. وهذا ما يحصل حتى مع موارد المياه. ذا كنّا نعي ذلك الوضع.. فعلينا العمل وبقوة.. لتنمية مواردنا المتاحة.. منها الموارد المائية.. وتأخذ أي التنمية شكلين.. تنمية أفقية واخرى رأسية.. تأخذ بعض الدول بالتنمية الأفقية.. وأخرى تأخذ بالتنمية الرأسية.. وقد يكون بهما معا.. لا تملك الدول أن تختار كما تشاء.. لكن هناك ظروفا تفرض طريقة التنمية رأسية أو أفقية.. ولكن ماذا نعني بتلك المصطلحات؟!.. الأفقية تعني زيادة في كم الموارد.. الرأسية تعني زيادة انتاجية الموارد المتاحة بطرق علمية. كمثال.. المملكة اختارت طريق التنمية الأفقية في المجال الزراعي.. أي استصلاح المزيد من الأراضي البور لزيادة الإنتاج.. هذا يتطلب أموالا ضخمة وهائلة.. (تم صرف أكثر من 100 مليار ريال في أقل من 15 عاما).. وهذا غير ممكن لبعض الدّول.. التوسع الأفقي يتطلب أيضا موارد مائية هائلة لكي يستمر نجاحها. نعرف أن الموارد المائية محدودة أمام واضعي السياسة الزراعية في المملكة.. إلا أن هذا العامل تم تجاهله.. تم القفز على محاذيره.. وخلال سنوات معدودة.. قفزت المساحة الزراعية إلى رقم خيالي.. فاق المساحة المزروعة في مصر بنهرها العظيم.. يعني تعاظم استنزاف مياهنا الجوفية المحدودة. كمثال على تجاهل المحاذير.. كان الاندفاع في زراعة القمح.. الذي شكّل محور التنمية الزراعية.. فأصبحت المملكة سادس دولة في العالم إنتاجا لهذا المحصول.. هذا شكل ضغطا هائلا على مورد الماء المتاح والمحدود أصلا.. بجانب زراعات أخرى كان يجب عدم التوسع في زراعتها. ذلك الدرس يؤكد أن غياب تحقيق الوفاء بتخفيف الضغط المتزايد على مواردنا المائية المتاحة.. يعرضها للاجهاد والاستنزاف السريع.. يحصل هذا نتيجة لجور الإنسان .. وسوء تعامله مع البيئة ومواردها.. ونتيجة لواقع الحقائق التي تم تجاهلها توقفت زراعة القمح.. ولكن بعد استنزاف المياه الجوفية في زمن قياسي.. وبشكل قياسي أيضا.. التعامي عن الحقائق يقود إلى خسائر لا يمكن تعويضها أو تلافي نتائجها المضرة والقاسية.. التنمية المستدامة هي الحكمة التائهة في المناطق الجافة ذات الموارد المائية المحدودة. وعبر تاريخ البشرية.. ونتيجة لتراكم الخبرات.. أصبحت هناك تقنيات تراثية مهارية تستغل المطر كمورد ثابت.. تجاهلها منقصة.. التنقيب عنها مسئولية في ظل استنزاف المياه على زراعات عشوائية.. من مهام العلماء والباحثين إيجاد تفسير علمي لتلك الممارسات.. هذا يفرض السؤال التالي.. كيف استطاع الإنسان البقاء في الأراضي الجافة رغم القحط وقلة المياه الجوفية وانعدام المياه السطحية؟! الجواب له أبعاد.. يمكن تلخيصه في كلمات: نجاح إدارة المياه في هذه المناطق.. الأمر يتطلب الربط بين مكونات كثيرة لمعرفة مفاصل ذلك النجاح في إدارة مياه الأمطار وحسن استغلالها.. ثم العمل على توسعة وتعظيم الفوائد بطرق علمية متاحة.. أو الابتكار.. أو توسعة وتنمية تلك المهارات التقليدية.. بهدف تغذية المياه الجوفية وتعويض المُستنزف. المملكة أرض واسعة بمساحة تزيد عن المليوني كيلو متر مربع.. هذه المساحة تقع في الحزام الصحراوي الشديد الجفاف.. والثلث الباقي عبارة عن أراض يمكن تصنيفها جافة ومطيرة.. كنتيجة لذلك الوضع الجغرافي المعقد والواضح نجد أن البشر يستوطنون الأرض وفقا لقياسات المطر وتواجد المياه الجوفية التي يغذيها المطر. التجمعات السكانية في المملكة.. وعبر التاريخ.. نشطت في مناطق تعتمد على الماء.. بشكليه.. المطر وينابيع المياه الجوفية.. ما عداها مناطق لا يمكن الحياة في ربوعها.. حتى العبور عبرها يتطلب خبرة وحكمة وحسن تصرف.. ويتطلب أيضا دراية بيئية فائقة الدقة والملاحظة. تظل الأمطار المحور الذي يعوّل عليه لتعزيز الحياة في شبه الجزيرة العربية.. لدينا منطقة مهمة تشكل ثلث مساحة المملكة.. منطقة جغرافية استراتيجية مهمة قادرة على اقتناص مياه الأمطار وتخزينها.. تشكل خزان ماء ضخما وطبيعيا.. يمكن تغذيته وتنميته بمياه الأمطار.. يغذي حتى المناطق الداخلية.. خزان ماء يعاني عوامل الانهيار والتهدم.. تآكلت كل الهياكل المساندة لتغذيته.. إضافة إلى زيادة السحب الجائر من مخزونه.. علينا انقاذه أو مواجهة نتائج نضوبه المرعبة.. twitter@DrAlghamdiMH