في ظل مناخ صحراوي متطرف وشديد الجفاف يبقى الماء العنصر الأساس وإكسير الحياة ليس للإنسان فحسب بل وللحيوان والنبات على حد سواء فبدون الماء؛ تخلو الأرض من الحياة ويبقى فقط شخوص الجمادات كما في سائر الكواكب الأخرى، والكوكب الأزرق ميزه الله عز وجل بأن (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)،( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، فهذه الآية قانون فيزيائي، تخضع له الحياة على وجه البسيطة. وأوضح «د.عبدالله المسند» -عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم- ل»الرياض» أنّ المملكة أرض صحراوية أقصى طول لها نحو 2000كم، وأقصى عرض لها نحو 1700كم، ومساحتها تقدر بنحو 2 مليون كم مربع، وعدد سكانها نحو 27 مليون نسمة، ومتوسط الأمطار في معظم مناطقها يتراوح بين 40 و130 ملم سنوياً، عدا المرتفعات الجنوبية الغربية، ونسبة استهلاك الماء للفرد فيها عالية تبلغ نحو 240 لتراً يومياً، وإضافة لما سبق من حقائق، فلا يوجد في أرضها أنهار جارية، ولا عيون سائحة، ولا بحيرات سائغة، ولكن الله سبحانه وتعالى قد منّ علينا بخزانات مائية جوفية إحفورية، تجمعت يوم كانت الجزيرة العربية مروجاً وأنهاراً قبل آلاف السنين، ولكننا مع الأسف لم نحسن استخدامها، فنضب بعضها، وتدهورت نوعية المياه في بعضها الآخر، وما تبقى من هذا المخزون النفيس يتم استنزافه حالياً بصورة غير حكيمة، وبطريقة غير سليمة، مبيناً أن التعاطي مع مسألة المياه في المملكة كأمن وطني، وعنصر أساسي، يجب أخذه بعين الاعتبار في خطط التنمية المختلفة، وفي سبيل التفاعل والتعايش مع هذه الحقيقة تبنت حكومة المملكة التوجه إلى تحلية مياه البحر كأفضل خيار في سبيل توفير المياه العذبة للسكان، على رغم ما يكتنف هذا الخيار من مخاطر كامنة، وتكلفة عالية. مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول أوجد حلولاً تقنية ثبت نجاحها 230 سداً للمياه * ماهي علاقة الإنسان بالماء؟ - لا يخفى على الجميع كيف تعايش الإنسان منذ القدم مع الماء خاصة عند شحه وندرته فقد قادته فطرته إلى جمع الماء ونقله، واستخدم في هذا كل ما يملك من قوى ذهنيه، وبدنية، حتى يوفر الماء له، ولحيواناته، ومحاصيله الزراعية، ومن أجل ذلك شيّد السدود، ومجاميع الماء، من حفر أولية، وبرك ذات أشكال هندسية، من أجل أن يحفظ إكسير الحياة لفترة زمنية أطول، وينعم بما جمع وحصد من مياه السيول الجارية، وهذه الآلية القديمة لا تزال فلسفتها قائمة، ومُفعلة في العالم أجمع، وفي المملكة على سبيل المثال شيد أكثر من 230 سداً بأنواعها وأحجامها وأشكالها ووظائفها المختلفة، وتجمع تلك السدود بحيرات مائية متباينة المساحات، وبمختلف الكميات، يتبخر جلها، ويتسرب إلى باطن الأرض بعضها، وقد يستفاد من بعضه في الري أحياناً.. وبين الدكتور المسند أن مئات الأودية الصغيرة والمتوسطة بل والكبيرة في أرض المملكة بدون سدود، ويجري بعضها في السنة مرة أو أكثر، ومن ثًم سرعان ما يتسرب في الأرض، أو يتبخر إلى السماء، ولا شك أن استهداف بعض تلك الشعاب والأودية في فكرة علمية وعملية مبتكرة، لمحاولة حصد وخزن وجمع كميات السيول الجارية قدر المستطاع أمر في غاية الأهمية والفائدة، لذا نرى الرعاة قد قادتهم الظروف والحاجة إلى عمل كمائن ومصائد، أو قل حفرا في بطون الشعاب والأودية، وأحياناً سدود ترابية متواضعة، حتى إذا ما جرى الوادي وسال يملأ هذه الحفر أو السدود الصغيرة، ويبقى الماء فيها لعدة أيام، وأحياناً أسابيع، ينتفع بها الرعاة، وهذا ما فعلته زبيدة زوجة هارون الرشيد رحمهما الله جميعاً في مشروعها الهندسي المائي البيئي العظيم، وذلك عندما شيدت بركاً جميلة على درب زبيدة يجتمع فيها الماء بعد جريان السيول في الأودية، فنفع الله بها خلقاً كثيراً، ممن يسلكون درب زبيدة من العراق إلى مكةالمكرمة أو العكس في حقبة زمنية غابرة، والعجيب أنّ بعض الرعاة حتى الآن يستخدمون بعض برك زبيدة.. ( ولو أن النساء كما رأينا.. لفضلت النساء على الرجال ). علينا عدم الاستسلام للواقع البيئي الحرج ومحاولة الاستفادة من الإمكانات المتاحة خزن السيول * هل هناك آلية مناسبة لخزن السيول؟ - هناك ما يُسمى بحصد الأمطار أو قل حصد أو خزن السيول (Rainwater harvesting) هي فكرة بسيطة، نتائجها جداً مفيدة، تتلخص بعدد من النقاط ومنها: أولاً: يتم اختيار وادٍ أو شعيب يسيل غالباً في السنة مرة على الأقل. ثانياً: اختيار مكان مناسب في مجرى الوادي لعمل سد ترابي، أو حجري صغير، من أجل جمع الماء في غدران اصطناعية Catchment area أثناء جريان الوادي. ثالثاً: وهو الجديد في الفكرة صناعة خزانات مائية خفيفة، ورخيصة Water tank تكون من مادة البولي إيثيلين Polyethylene أوما شابهها بمقاسات ضخمة ومختلفة نحو 100، 150، 200 متر مكعب، توضع بالقرب من السد ومثبتة بالأرض بشكل محكم. رابعاً: بعد جريان السيول في الوادي، وتجمع الماء خلف السد، مباشرة يقوم موظف مختص بجلب سيارة خاصة بحصد السيول، تكون مجهزة بمضخة قوية، لتسحب المياه من البحيرة المؤقتة، وتنقله إلى الخزان الاصطناعي المعد سلفاً. خامساً: يُعمد إلى وضع فلاتر عند الشفط والضخ حتى تصل مياه السيول إلى الخزانات المستهدفة نقية قدر الإمكان. سادساً: من الممكن عمل أكثر من مصد وسد في الوادي الواحد، وتوزيع الخزانات الاصطناعية في أكثر من موقع في الوادي، ومن الممكن أيضاً وضع أكثر من خزان في الموقع الواحد. سابعاً: بعد ذلك تنطلق سيارة حصد السيول نفسها لوادي آخر سال أيضاً وعمل الخطوات نفسها لملء خزانات أخرى. ثامناً: تنمية الوعي البيئي لدى الرعاة والمتنزهين في الصحراء بكيفية استخدام المياه من الخزانات والحفاظ عليها عبر لوحات إرشادية. الخزانات الاصطناعية *ماهي أهم فوائد وثمرات هذه الفكرة والمشروع؟ - حفظ (بعض) مياه السيول والحيلولة دون تبخره، أو تسربه إلى الأرض خلافاً للسدود، والخزانات الاصطناعية ستكون نقطة مائية مهمة للرعاة وذلك لسقي مواشيهم، أو نقل الماء لمضاربهم عبر الوايتات، وهذا هو الهدف الأساس من المقترح، وقد يدوم الماء في الخزانات بضعة أشهر، وقد يستفاد من الخزان أيضاً في ري أشجار صحراوية، تستزرع حول الخزان لجعل ما حوله واحة غنية بخضرتها، وتوطين الحياة الفطرية حولها، ومتوقع أن يكون موقع الخزانات نقطة استقطاب المكاشيت، والمتنزهين المحتاجين إلى الماء، وقد يستفاد من الخزان المائي بري مزرعة قريبة وصغيرة كخطوة تالية، وتزعم الدراسة أنه في حالة تعميم هذه الفكرة على عدة أودية فسوف يعتمد الرعاة بالدرجة الأولى على تلك الخزانات طول أشهر الصيف فضلاً عن غيرها، كما ستوفر تلك الطريقة آلاف الأمتار المكعبة من المياه المحفوظة للسقي أو للري، إلى جانب أنه سيتحول محيط الخزانات بعد بضع سنين إلى واحات شجرية دائمة الظل والمياه بإذن الله، وتكلفة المشروع جداً زهيدة مقارنة بأفكار أخرى، وفي الوقت نفسه جدواها ومنافعها أكثر مما تعد وتحصى، وتأتي هذه الفكرة في صميم التنمية البيئية المستدامة، ومن أجل دراسة وتجربة الفكرة من جميع النواحي، ينبغي إقامة تجربة أولية في وادٍ أو اثنين ودراسة الحالة، ومراقبة النتائج، ومن ثًم تقييمها، وفي حالة نجاحها، عندها يمكن أن تتوسع الفكرة وتعمم في أماكن متعددة. الحلول * هل نستسلم للواقع البيئي دون إيجاد الحلول؟ - إن كان قدرنا أن نعيش في أرض صحراوية، فقيرة في حياتها الفطرية، وشحيحة في مواردها المائية، إلا أن الإسلام حثنا على فعل الأسباب {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وألا ننتظر أن تتفجر الأرض عيوناً، فتتحول البسيطة مروجاً، بل لابد من إعمال العقل، وإيجاد الحلول، وعدم الاستسلام للواقع البيئي الحرج، ومحاولة الاستفادة من الإمكانات المتاحة، وتفعيل تقنيات حصد وخزن السيول، والحاجة أم الاختراع، وظروفنا المائية حرجة، وحاجتنا للمياه متزايدة، وهناك جهود لمركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، وعلى وجه الخصوص مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول بالمملكة، والذي بحمد الله وفضله أوجد حلولاً تقنية في حصد وخزن مياه الأمطار، والذي ثبت وفقاً لتقارير المركز نجاحها، وفي الوقت نفسه آمل من الدكتور عبدالملك بن عبدالرحمن آل شيخ المشرف على مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء دراسة الفكرة المطروحة تلك، وتجربتها، فقد تكون فتحاً ينفع الله بها البلاد والعباد، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. السدود تنتظر حلولاً تقنية لخزن مياه الامطار الاستسلام للواقع البيئي محبط في تجاوز خزن المياه