كان الحديث في المقال السابق عن كفاءة الدِّين، وهو الوصف الأول من الأوصاف الأربعة التي تحصل بها الكفاءة، ومقال اليوم حول الأوصاف الثلاثة الباقية، وهي النَّسب وكمال الخِلْقة والمال، وهي أوصافٌ يجب إخبار المرأة بها قبل الزواج، لتكون على بيِّنة من عدم مساواة الزوج لها فيها، ذلك أنها إنْ لم يتبيَّن لها عدم كفاءة الزوج لها إلا بعد الزواج، فإنَّ لها الحق في ردِّ الزوج بالعيب وفسخ العقد، أما الوصف الثالث فالكفاءةُ في كمال الخِلْقة، أي السلامة من العيوب، فالمقصود ألا يكون الزوجُ ناقصاً في خِلقته، أي أن يكون سليماً من العيوب، وهذا لا يعني أن يكون كامل الأوصاف، وإنما أنْ يَسلم من العيوب التي تجعل للزوجة الخيارَ في أنْ ترضى به زوجاً فمِن حِكمة اشتراط الولاية على المرأة في النكاح ألا يُغرَّر بها، وألا تُضيَّع بالزواج عند مَن ليس بكفء لها، ذلك أن الوليَّ ليس له أن يمنعها من الزواج بمن تقدَّم لها إنْ رضِيَتْه، ولا أنْ يُجبرها بالزواج، باستثناء الأب فإنه يُجبر ابنه وابنته بشروطٍ وضوابط سبق ذكرها في مقال سابق، فأبدأ بالوصف الثاني وهو النَّسب، فهو وصف لم يَعتبره بعض الفقهاء، باعتبار أنَّ بني آدم أكفاءٌ، فالعربيُّ والهندي والفارسي سواء، غير أنَّ بعض الفقهاء اعتبروا هذا الوصف، وجعلوه حقَّاً للمرأة، بل وأشرَكوا أقاربها معها، وأدلَّةُ الطرفين مبسوطة في كتب الفقه، وبذلك فلو جاء رجل فلبِّينيٌّ أو تايلندي أو هندي صالحٌ وتقيٌّ، وخطب فتاةً عربية، فرَضيَتْ به زوجاً، فالإمامُ أحمدُ وغيرُه يرون أن رِضاها وحدها لا يكفي، بل يُشترطُ أنْ يرضى أقاربُها كذلك، لأن هذا الزواج بسبب مضادَّته لأعراف البلد يَعدُّه الناس عيباً ونقيصةً على أقارب المرأة، وقد يُفضي إلى قطيعة رحم وإلى خصومات اجتماعية، كتطليق أخواتها مِن أزواجهم، أو غير ذلك من المفاسد، فرَأوْا أنَّ للأقارب أن يعترضوا على هذا الزواج قبل حصوله، وأنَّه إنْ وقع فإنَّ لهم أنْ يرفعوا الأمر للقضاء لفَسْخَ العقد الذي تمَّ بدون رضاهم، وأما الإمام مالكٌ وغيرُه فيرون أنَّ الزواج ينعقد إذا رَضِيَتْ المرأةُ بزوج عربيٍّ أو غير عربي، ولا عبرة باعتراض أبيها ولا غيره من الأقارب، فالقولُ قولُها وحدها في قبوله وفي ردِّه، فالمسألة محلُّ خلاف بين الفقهاء، وكلا الرأيين له حظٌّ من النَّظر، فهذه خلاصةُ معنى الكفاءة في النَّسب التي أثارت الرأيَ العام، واستشكل معناها وحِكْمَتَها كثيرٌ من الناس، وأما الوصف الثالث فالكفاءةُ في كمال الخِلْقة، أي السلامة من العيوب، فالمقصود ألا يكون الزوجُ ناقصاً في خِلقته، أي أن يكون سليماً من العيوب، وهذا لا يعني أن يكون كامل الأوصاف، وإنما أنْ يَسلم من العيوب التي تجعل للزوجة الخيارَ في أنْ ترضى به زوجاً، وتبيح لها أن تطلب فسخ عقد الزوجية لدفع الضرر عنها، وإلى هذا المعنى أشار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: (يَعمَدُ أحدُكم إلى ابْنَتِهِ فيُزوِّجُها القبيحَ الذميمَ! إنَّهنَّ يُرِدْنَ ما تريدون ( فمن العيوب التي نصَّ الفقهاءُ على أنها نقصٌ في الرَّجل يَضرُّ بالمرأة، الجذامُ والبرص الجنون، وكِبَر السِّنِّ كالشيخ الهرم، وأمثال ذلك مما تتأذَّى الزوجةُ بسببه، وتفصيل العيوب من حيث ما يُردُّ به الزوج وما لا يُرَدُّ، مبسوط في كتب الفقه، والكفاءةُ هنا حقٌّ للمرأة وحدها، فلها أن ترضى بالزواج ولو كان به عيب، فإذا عَلِمَت بالعيب قبل العقد ورضِيَتْ به، فلها أن تتزوَّجه، فإن لم تَعلَم بالعيب إلا بعد عقد الزواج فهي بالخيار، فإنْ شاءت قَبِلَتْهُ بعيوبه، وإن شاءتْ طلبت فسخ العقد، ولا تعيد له شيئاً من الصَّداق، فإخفاءُ العيوب غشٌّ لا يجوز، فقد جاء رجلٌ إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: تزوَّجت ُامرأةً، فقال له عمر: هل أخبرتها أنك عقيمٌ لا يولدُ لك؟ فقال الرجلُ: لا، فقال عمر: فأخبرها وخيِّرها، وأما الوصف الرابع فهو كفاءةُ الرجل للمرأة في المال، بأن لا يكون فقيراً فَقراً تتضرَّر منه، أي فقراً يُعجِزه عن النفقة عليها وعن أداء حقوقها الزوجيَّة، والكفاءة في المال كذلك حقٌّ للمرأة وحدها، فإنْ غرَّر بها وأخفى عنها فقره الشديد، فلها أن تطلب الطلاق، ولها الصداق كاملاً، بل وتطالبه به إن كان لم يدفعه لها، وهكذا حاطتْ الشريعةُ الإسلامية الرابطة الزوجية بأحكامٍ وآداب تدفع أسباب الخلاف والتنازع، وتحفظ حقوق الطرفين .