قضت محكمة تركية بالسجن مدى الحياة على رئيس الأركان التركي المتقاعد الكر باشبوج الإثنين لدوره في مؤامرة ارجينيكون للاطاحة بحكومة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. وأصدر القضاة أيضاً أحكاماً على ثلاثة برلمانيين معارضين بالسجن لمدد تتراوح بين 12 و35 عاماً وتعلن المحكمة أحكامها على 275 متهماً في القضية. وبرأت المحكمة 21 شخصاً في قضية أعضاء أرغينيكون التركية متهمين بمحاولة الانقلاب على حكومة رجب طيب أردوغان. حظر الاحتجاجات وقد أقامت قوات الأمن المتاريس حول مبنى المحكمة غرب إسطنبول بعد أن توعد مؤيدو المتهمين بتنظيم مظاهرة ضد المحاكمة المستمرة منذ خمس سنوات، والتي تعد من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام في البلاد. وقبل صدور الحكم، حظرت السلطات التركية الاحتجاجات عند المحكمة الواقعة في مجمع سجن سيليفري (90 كلم غرب إسطنبول)، كما داهمت الشرطة يوم السبت مكاتب جهات معارضة وقناة تلفزيونية واحتجزت 20 شخصاً لدعوتهم إلى تنظيم مظاهرات، وذلك تزامناً مع تفريق الشرطة عدداً من المحتجين في شوارع قريبة من ميدان تقسيم وسط إسطنبول. جماعة أرغينيكون ويواجه المدعى عليهم -ومن بينهم ضباط جيش وصحفيون وأكاديميون- تهم الانتماء لجماعة أرغينيكون القومية المتهمة بالتآمر للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان عبر سلسلة من الهجمات والاغتيالات تمهد لتنفيذ انقلاب عسكري عام 2009، وقد ضمت قائمة الشخصيات المستهدفة بالاغتيال لدى الجماعة كلا من أردوغان ورئيس الأركان العامة السابق ياسر بويوكانيت والكاتب الحائز على جائزة نوبل أورهان باموق. يذكر أن المجلس العسكري قرر السبت -في اجتماع ترأسه أردوغان- تعيين الجنرال هولوسي أكار قائداً للقوات البرية، بدلاً من أهم المرشحين للمنصب وهو قائد قوات الأمن بكير كاليونجو الذي أحيل إلى التقاعد الإجباري بعد ظهور اسمه في أقوال أدلى بها في محاكمة أرغينيكون، كما تقرر في الوقت نفسه إجراء تعيينات عسكرية أخرى عكست قدرة الحكومة على تحجيم دور الجيش الذي ظل يهيمن خلال حقبة طويلة على الحياة السياسية. باشبوغ قائد الجيش التركي الأسبق ايلكر باشبوغ أرفع ضابط يحاكم في قضية التآمر لقلب الحكومة الإسلامية المحافظة، عسكري محترف تدرب في بريطانيا وحلف شمال الأطلسي. وهذا الجنرال السابق البالغ من العمر 70 عاماً، قاد الحملة العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني لفترة طويلة، ليجد نفسه بعد تقاعده متهماً هو نفسه بقيادة مجموعة إرهابية. ويقول مراقبون: إن باشبوغ ليس متطرفاً موضحين أنه دافع عن معالجة معتدلة لقضية حزب العمال الكردستاني عندما كان رئيساً للأركان ويميل سياسياً إلى حزب معارض من يسار الوسط. ليس صقراً وصرح رئيس مركز اسطنبول لدراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية سنان اولغن في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس: «إنه ليس من الصقور». وباشبوغ المولود في افيون قره حصار غرب تركيا في 1943، تخرج من الكلية العسكرية في 1962 ثم من مدرسة المشاة بعد سنة من ذلك، كما ورد في نبذة على الموقع الالكتروني للحلف الأطلسي. وفي 1973، تخرج من الكلية الحربية وعمل لاحقاً في قسم الاستخبارات لدى الحلف الأطلسي. درس باشبوغ في كلية المملكة المتحدة للأركان (يونايتد كيندوم ارمي ستاف كوليج) وفي معهد الدفاع التابع للحلف الأطلسي قبل أن تتم ترقيته إلى رتبة بريغادير جنرال (عميد) في 1989، حسب المصدر نفسه. وأصبح برتبة جنرال (لواء) في 2002 ثم تولى في آب/اغسطس 2008 قيادة الجيش التركي الذي يضم 515 ألف رجل وهو ثاني أكبر قوة في الحلف الأطلسي بعد الجيش الأميركي. وبقي في منصبه هذا حتى تقاعده بعد سنتين من ذلك. واعتقل باشبوغ في يناير 2012 وسجن منذ ذلك الحين بتهمة قيادة مجموعة إرهابية تسعى لإطاحة حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وقال باشبوغ في إفادته الأولى أمام المحكمة العام الماضي: إن «توجيه اتهامات إلى قائد جيش كهذا بتشكيل وقيادة منظمة أمر مضحك مبك». وأكد «التزمت طوال عملي بالقانون والدستور». ويقول مراقبون: إن قيادة باشبوغ من 2008 إلى 2010 تزامنت مع تراجع في حدة النزاع الكردي الذي تصاعد مجدداً بعد رحيله. وقال اولغن: إن باشبوغ «أدلى بتعليقات بناءة جداً حول المسألة الكردية». ففي 2009 مثلاً، دعا باشبوغ أنقرة إلى العمل ليحظى مواطنوها الاأراد ب»فرص متساوية» ولتغيير نظرتهم إلى أنفسهم على أنهم «ضحايا». وقال الأستاذ الجامعي أحمد اينسل الذي ألف كتابين عن القوات المسلحة التركية: إنه لا يعتبر باشبوغ بين الجنرالات المتشددين الذين ساهموا في 1997 في إسقاط حكومة نجم الدين اربكان الإسلامية. وأضاف: إنه «جنرال حاول إبقاء الجيش في ثكناته». وتابع: إن باشبوغ كان معروفاً بميله إلى أكبر أحزاب المعارضة حزب الشعب الجمهوري مع أنه لم يعبر يوماً علناً عن دعمه لهذا الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة الذي أرسى قيم العلمانية في الجيش. ويقول المراقبون: إن باشبوغ المعتدل في معظم القضايا، أجبره تصميمه على الدفاع عن الجيش بوجه تهم محاولات الانقلاب، على تبني بعض المواقف المتشددة. ففي بداية 2007، دافع عن أوائل الضباط الذين اتهموا بتدبير محاولة انقلاب. وعندما عثرت الشرطة على مخبأ للأسلحة خارج اسطنبول، نفى باشبوغ أن تكون هذه الأسلحة عائدة للجيش وقال: إن أكثر من عشرين قطعة سلاح خفيف مضاد للدبابات لم تكن سوى «أنابيب». وقال اينسل: «يبدو أنه شخص مستعد لقول أي شيء ليدافع عن الجيش». وأكد الادعاء أن باشبوغ وضباطاً آخرين خططوا لإنشاء مواقع الكترونية لنشر دعاية ضد الحكومة بهدف زعزعتها، وهي اتهامات نفاها. لكن الحديث عن مؤامرات عسكرية لا يمكن تجاوزه بسهولة في تركيا التي شهدت ثلاثة انقلابات قام بها الجيش في 1960 و1971 و1980.