هذا هو الأحد الأخير قبل رمضان ، والشهر الكريم يقبل علينا بجماله ووقاره وبهائه ، وفي جيوبه خزائن غير قابلة للنفاد من الغنائم والكنوز التي تنتظر من يغرفها ، ويزيد مدخراته بعروض ربح مضاعفة لا تجدها في مطويات من يبيع الدنيا . رمضان لحظة ميلاد متجددة تشرق معها صرخات التوبة ، وتنهمر فيها دموع الفرح ، ويصدح المكان بضحكات الغفران ، فهل يشهد رمضان ميلاداً جديداً لك ، أم تفوتك قافلة المواليد .. في رمضان موسم خصب لولادة قلب جديد ومن تأمل قول المولى جل جلاله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) يدرك دون عناء أن ولادة قلب تقي هي الغاية من الصيام وليس الجوع والعطش هو المستهدف ، فابحث عن روح التعظيم بين جنبات قلبك وأطلقها لهذا القادم الكريم فربك العظيم يقول : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ، فاستشعار عظمة هذا القادم هي البوابة الأولى للدخول ، والبحث عن قلبك الأبيض في ظلمات فتن الدنيا هي الثمرة الرمضانية الأهم ، وعبادات القلوب أهم من التزامات الجوارح ، وأي عبادة رمضانية لا تصب في بحر قلبك فراجعها وأصلح خللها ، فالقلب هو كلمة السر في معادلة رمضان ، وكما قال يحيى بن معاذ : ( مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام، ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب ) . ابحث عن أمراض قلبك واغسلها بزمزم رمضان ، فالحسد والغل والكره ونحوها تهلك قلبك وتفسد رمضانك ، ونبينا الطاهر صلى الله عليه وسلم يقول : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله .. ألا وهي القلب ) ، والكثيرون منا ينكبون على تعديل جوارحهم في رمضان ويغفلون عن شغاف قلوبهم ، وساعد على ذلك تركيز كثير من الدعاة على أعمال الجوارح على حساب أعمال القلوب العظيمة . العمل على إصلاح القلب سيصلح الجوارح تلقائياً ، وسيكسبك رحلة جميلة في التصالح مع الذات ، والانكفاء على عيوبك عن عيوب الآخرين ، وسيجعل نظرتك للحياة تختلف كلياً لأنك تهتم بجواهر الأمور لا ظواهرها ، وسيعيد لغة الخطاب بينك وبين الله على مستوى رائع من المناجاة ، فتَجبر نفسك بانكسارك بين يديه ، وتعلق فؤادك بالطرق الممدودة إليه ، وتفتح باباً إلى السماء بعيداً عن أعين المتفرجين . استعد لرمضان بقلبك ، وعش قصة حب رمضاني تشعل فيها مصابيح الحياة القلبية ، واسأل ربك قلبا سليماً فهو شفرة الوصول المنجية ، وربنا العليم يقول : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) .