أكد عدد من العلماء على فضل العشر الأواخر من رمضان، مشيرين إلى أنها أفضل ليالي العام، وعلى المسلم اغتنامها بالصلاة والذكر والعمل الصالح، وقيام الليل، وتلاوة القرآن، والاعتكاف. وأوضح الدكتور سعود الثبيتي المدرس في المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر شد المئزر كما في الصحيحين والمعنى أنه يعتزل النساء في هذه العشر وينشغل بالعبادة والطاعة وذلك لتصفو نفسه عن الأكدار والمشتهيات فتكون أقرب لسمو القلب إلى معارج القبول وأزكى للنفس لمعانقة الأجواء الملائكية وهذا ما ينبغي فعله للسالك بلا ارتياب ومما ينبغي الحرص الشديد عليه في هذه العشر: الاعتكاف في المساجد التي تصلي فيها فقد كان هدى النبي صلى الله عليه وسلم المستمر الاعتكاف في العشر الأواخر حتى توفاه الله كما في الصحيحين عن عائشة. وإنما كان يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعا لانشغاله وتفريغا للياليه وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجز حصيرا يتخلى فيه عن الناس فلا يخالطهم ولا ينشغل بهم. وقد روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام اعتكف في العام الذي قبض فيه 20 يوما. قال الإمام الزهري رحمة الله عليه: (عجبا للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل). من أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث (إلا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فلما كان الصيام وقاية للقلب من مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام والشراب والنكاح فكذلك الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب وتفسد اجتماعه على طاعة الله وقال الشيخ الزهراني ومما يجدر التنبه إليه هنا أن كثيرا من الناس يعتقد أنه لا يصح له الاعتكاف إلا إذا اعتكف كل أيام العشر ولياليها، وبعضهم يعتقد أنه لابد من لزوم المسجد طيلة النهار والليل، وهذا ليس صوابا إذ أن الاعتكاف وإن كانت السنة فيه اعتكاف جميع العشر إلا أنه يصح اعتكاف بعض العشر سواء نهارا أو ليلا كما يصح أن يعتكف الإنسان جزءا من الوقت ليلا أو نهارا إن كان هناك ما يقطع اعتكافه من المشاغل فإذا ما خرج لأمر مهم أو لوظيفة مثلا استأنف نية الاعتكاف عند عودته، لأن الاعتكاف في العشر مسنون أما إذا كان الاعتكاف واجبا كأن ينذر الاعتكاف مثلا فإنه يبطل بخروجه من المسجد لغير حاجة الإنسان من غائط وما كان في معناه كما هو مقرر في موضعه من كتب الفقه ومن أهم الأعمال في هذا الشهر وفي العشر الأواخر على وجه الخصوص تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع، واعتبار معانيه وأمره ونهيه قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فهذا شهر القرآن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدارسه جبريل في كل يوم من أيام رمضان حتى يتم ما أنزل عليه من القرآن وفي السنة التي توفي فيها قرأ القرآن على جبريل مرتين. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضل القرآن وتلاوته فقال: (إقروا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) رواه الترمذي وإسناده صحيح، واخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن يحاج عن صاحبه يوم العرض الأكبر فقال: (يوتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما) رواه مسلم، ولقد كان السلف أشد حرصا على تلاوة القرآن وخاصة في شهر رمضان فقد كان الأسود بن يزيد يختم المصحف في ست ليالي فإذا دخل رمضان ختمه في ثلاث ليال فإذا دخلت العشر ختمه في كل ليلة، وكان الشافعي رحمة الله عليه يختمه في العشر في كل ليلة. وكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله . وقد أفاد الحافظ بن رجب رحمه الله أن النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث إنما هو على الوجه المعتاد أما في الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها أو في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان والعشر منه فلا يكره وعليه عمل السلف. من جانبه، أوضح الدكتور صالح المرزوقي الأمين العام للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة وعضو مجلس الشورى قال: للعشر الأواخر من رمضان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أهمية خاصة ولهم فيها هدي خاص، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصا فيها على الطاعة والعبادة والقيام والذكر. وأهم الأعمال التي كان يحرص عليها الأولون وينبغي علينا الاقتداء بهم في ذلك إحياء الليل، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر أحياء الليل وأيقظ أهله وشد المئزر ومعنى إحياء الليل: أي استغراقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما، وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت: «لا اعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهرا كاملا قط غير رمضان»، فعلى هذا يكون إحياء الليل المقصود به أنه يقوم أغلب الليل، ويحتمل أنه كان يحيي الليل كله كما جاء في بعض طرق الحديث. وقيام الليل في هذا الشهر الكريم وهذه الليالي الفاضلة لاشك أنه عمل عظيم جدير بالحرص والاعتناء حتى نتعرض لرحمات الله جل شأنه ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر: إيقاظ الرجل أهله للصلاة، فقد كان من هديه عليه الصلاة السلام في هذه العشر أنه يوقظ أهله للصلاة كما في البخاري عن عائشة، وهذا حرص منه عليه الصلاة والسلام على أن يدرك أهله من فضائل ليالي هذا الشهر الكريم ولا يقتصر على العمل لنفسه ويترك أهله في نومهم، كما يفعل بعض الناس وهذا لاشك أنه خطأ وتقصير ظاهره شد المئزر.