ليس ثمة سعادة تشرق على محيّا الروح أكثر منها في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وليس ثمّة عمل أرجى نتطلبه كي تهب نسائم تلك السعادة على أرواحنا العطشى، ونفوسنا المثخنة من أعمال قلبية كالمحبة له سبحانه، والخوف منه والرجاء له، والتوكل عليه، والصبرعلى أوامره ، وعن نواهيه ، وعلى أقداره ، والرضى به وعنه، وغيرها من أعمال القلوب التي طالما كانت في مكان قصي عن بصائرنا، مع أنّها الخير كلّه ، والفلاح والفوز كلّه منوط بذاك القلب. قال صلى الله عليه وسلم "ألا وإنّ فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب" وقال صلى الله عليه وسلم" إنّ الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وفي الحديث القدسي" يا عبادي ! لو أنّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا". قال ابن رجب في شرحه لهذا الحديث :(وفي هذا دليل على أنّ الأصل في التقوى والفجور هو القلب .فإذا برّ القلب واتقى, برّت الجوارح, وإذا فجر القلب, فجرت الجوارح , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (التقوى ها هنا) وأشار إلى صدره . وكثيرا ما نوّه العلماء بأهمية القلب في الأعمال، فابن تيمية يقرر: أنّ الدين القائم بالقلب من الإيمان علما، وحالا هو الأصل والأعمال الظاهرة هي الفروع، وهي كمال الإيمان، فالدين أول ما يبنى من أصوله ويكمل بفروعه. بل إن الأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسط عمل القلب . وتلميذه ابن القيم يؤكد كثيرا على أن أعمال القلوب فرضها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها وعمل الجوارح بدونها، إما عديم المنفعة، أو قليل المنفعة. وفي الحديث" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" وابتداء ثمّة سؤال: أين أنت من قلبك؟ وهل حقا أنت سعيد به؟ وهل عرفت سعادته؟