بقيت قضية (العنف الأسري) تحت الرماد زماناً طويلاً، حتى نبشتها (غصون)؛ الطفلة التي عذبها أبوها وزوجته حتى الموت!! وقد لقي الجانيان جزاء فعلهما بقتلهما تعزيراً في مطلع عام 1429ه (2008م)، تلتها (شرعاء) التي كررت مأساة (غصون)؛ فماتت على يد والدها وزوجته كذلك. وبين آونة وأخرى يُفجع المجتمع بجريمة جديدة، يزيد من بشاعتها كونها تقع بيد من كان متوقعا أن يكون الحامي والحارس والمدافع. إن الدراسات تثبت أن الفئات التي تتعرض للعنف أربع فئات ضعيفة في الأسرة: الطفل، والمرأة، والمسن، والخادمة. وغالب العنف يقع في الأسر المفككة بسبب الطلاق أو وفاة أحد الوالدين، أو المبتلاة بإدمان أحد أفرادها، والإهمال هو أكثر أنواع الإيذاء الذي يتعرض له الأحداث، كما لاحظت الدراسات أن أسرة الضحية لا تتعاون مع الجهات المسؤولة، ورأت أنه لابد من تزويد وحدة الحماية الاجتماعية بكوادر متخصصة للتعامل مع حالات (العنف الأسري). وأكثر ما يتعرض له النساء هو العنف النفسي والجسدي. والعمالة المنزلية هو العنف الجسدي، كما أن أكثر العنف الذي يتعرض له المسنون هو الإهمال من أسرهم. وتعد الدراسات من العنف الأسري الإجرائي: «أي اعتداء بدني أو نفسي أو جنسي يقع على أحد أفراد الأسرة من فرد آخر من الأسرة نفسها». إن ظاهرة (العنف الأسري) ليست وليدة الساعة، وإنما هي إفراز عصر كامل، أي أن من يمارس العنف اليوم، هو مدفوع بدوافع داخلية شديدة جداً؛ تراكمت منذ مراحل النمو الأولى؛ وخاصة الطفولة والمراهقة، حيث كان العرف يقضي بالشدة والعنف في التربية، بهدف التدريب على خشونة الحياة وقسوتها، ولا سيما في البادية وفي المجتمعات القبلية والريفية التي تسودها قيم متوارثة. ثم ساعد على اشتعالها مؤثرات بيئية داخلية وخارجية؛ جعلت الإنسان يخسر أهم طاقاته؛ وهي القدرة على إدارة المشاعر، والتحكم القوي في توجيهها وضبطها، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)). ومن أجل الإسهام في معالجة هذه الظاهرة السيئة والمسيئة لمجتمعنا الكريم، أضع مجموعة من الحلول، لربما تسهم في الحد منها: أبدأها بالمطالبة بالإكثار من إنشاء دور حماية للأسرة في كل محافظة على الأقل، وتفعيل هذه الدور بأن تقوم بحملات الوقاية من العنف الأسري، وبالمعالجة للحالات التي تردها، إلى جانب الإيواء، وقد بدأت وزارة الشؤون الاجتماعية في المملكة العربية السعودية بإنشاء عدد منها، ولكنها حتى الآن محدودة الأثر. عقد شراكات واسعة بين مؤسسات المجتمع المدني، والدوائر الحكومية والأهلية التعليمية وذات العلاقة، للقيام بحملات واسعة، تتحقق من خلالها ثقافة بديلة، مؤصلة شرعا، ومدعمة علما، تُسَوَّق بطرق ترفيهية مقبولة من كل الفئات. تجريم الإيذاء الأسري عن طريق وضع مشروع متكامل للعقوبات المستقاة من الشريعة الإسلامية. تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون الى الأسر التي ينتشر فيها العنف، ودعمهم مباشرة لإنقاذهم من أية محاولة للاعتداء. تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطاؤها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى الأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري. الوعظ والإرشاد الديني المهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، إذ ان تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري، وهناك كثير من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة التي تظهر منها أهمية ذلك الأمر. التوعية الجادة للمرأة والطفل والمسن والخدم وتثقيفهم بحقوقهم وعدم التقليل من شأنهم ومن قيمتهم . توعية الطرف المعتدي بكونه الشخص المفترض بأنه يقدم الحماية للمعتدى عليه. العمل على تعزيز ثقافة الحوار واحترام الآخر داخل الأسرة من خلال برامج توجه للأسرة وللمقبلين على الزواج . ولا شك أن الأساليب أكثر من ذلك، وكلنا مطالب بإشاعة ثقافة الحب والتسامح والرفق بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين أفراد المجتمع كله.