حتى وقت قريب لم تكن مشكلة الاعتداء على الزوجات والأبناء وممارسة العنف من قبل الرجال على زوجاتهم وأبنائهم تشكل نسبة تذكر في مجتمعنا. وفجأة بدأت الحالات تتزايد في مجتمعنا ووصلت نسبتها إلى درجة تستحق الدراسة والبحث عن حلول عاجلة لها من قبل المختصين والجهات المعنية بالأسرة والمجتمع. منطقة نجران على سبيل المثال شهدت في الآونة الأخيرة حالة عنف أسري ضحيتها طفل لم يتجاوز عمره الخمسة أعوام، وذلك إثر تعنيف زوجة والده له، بعد طلاق والدته من والده، فيما تمثل حالة الطفل حلقة جديدة في مسلسل العنف الأسري الذي يذهب ضحيته الأطفال والنساء على وجه الخصوص. ويذهب مختصون إلى أن العنف الأسري بكل أنواعه ضد النساء والأطفال والخادمات وكبار السن في تزايد، وأن غالبية الحالات المسجلة لا تمثل الرقم الحقيقي على اعتبار أن كثيرا من حالات العنف لا يتم الإبلاغ عنها، إما بسبب الخوف من المجتمع أو من الأسرة أو من تبعات البلاغ أو محاولة تغطية الجريمة، ما يتطلب وضع برامج احترافية لمواجهة ظاهرة تزايد العنف الأسري في المجتمع. وقالوا إن كثيرا من قضايا العنف الأسري لا تظهر على السطح ولا تدخل في الحسابات أو حجم هذه الظاهرة، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها حرص الأسرة على عدم تدخل الأجهزة الرسمية في خصوصيتها، وذلك عندما يكون العنف الموجه داخل الأسرة، إضافة إلى مفهوم العيب الاجتماعي في الإبلاغ عن جرائم العنف الأسري والذي يؤدي إلى وجود حرص شديد على إخفاء هذه الجرائم داخل نطاق الأسرة وعدم التبليغ عنها للجهات والمؤسسات المعنية. نظام الحد من الإيذاء مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية أكد ل «عكاظ» أن نظام الحد من الإيذاء رفع إلى مجلس الشورى للموافقة عليه ومن ثم رفعه للمقام السامي. وأضاف المصدر أن الوزارة بالاشتراك مع ثماني وزارات وجهات حكومية شاركت في إعداد هذا النظام الذي من شأنه توفير الحماية للنساء والأطفال من الإيذاء بمختلف أنواعه من خلال الوقاية وتقديم المساعدة والمعالجة، والعمل على توفير الإيواء والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والنظامية اللازمة، ومن خلال اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة لمساءلة المتسبب ومعاقبته، فيما تتحرك وزارة الشؤون الاجتماعية مع وزارت الداخلية والعدل والصحة والتربية والتعليم وهيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة حقوق الإنسان لمعالجة المشكلة، إلا أن المصدر لم يفصح عن موعد الانتهاء من إقرار النظام. استراتيجية الوقاية والتثقيف وأوضحت ذات المصادر أن استراتيجية وزارة الشؤون الاجتماعية تركز على الجانب الوقائي والتثقيفي للحماية من خلال إصدار نشرات التوعية والمحاضرات وبرامج تلفزيونية، وأن الوزارة أنشأت 17 وحدة للحماية الاجتماعية في جميع المناطق، وأسست مركز بلاغات مجانيا هو 1919 لتلقي البلاغات، ونسقت مع الجمعيات الخيرية في المملكة لافتتاح أقسام للحماية الاجتماعية، وأوجدت وحدة الإرشاد الاجتماعي، وتعاونت مع القطاع الخاص لوضع برامج توعية وقائية، ونفذت حملة توعية تعريفية، كما نسقت مع برنامج الأمان الأسري لإنشاء دورات تدريبية وحملات توعوية، إضافة للتنسيق مع الجمعيات الخيرية المعنية لتفعيل الجانب الوقائي التوعوي. وبحسب الإحصائيات المسجلة بشأن حالات الاعتداء على الأطفال في منطقة مكةالمكرمة، فإن الحالات المسجلة بلغت نحو 308 حالات في عام واحد، منها 110 حالات سجلت في مستشفى القوات المسلحة في جدة، و45 حالة مسجلة في مستشفى الولادة والأطفال، و25 حالة أخرى مسجلة في مستشفى النور التخصصي في مكةالمكرمة، و60 حالة مسجلة في مكتب الإشراف الاجتماعي النسائي، وهي حالات حمل من زنا المحارم، أما الحالات المسجلة في شرطة جدة وهيئة التحقيق والادعاء العام والمحاكم فزادت عن 65 حالة. حالات من العنف الأسري «عكاظ» رصدت قصصا عديدة عن حالات العنف التي باشرتها الشؤون الاجتماعية، منها تعرض طفل إلى حروق من زوجة أبيه، وتعرض فتاة إلى عنف وضرب مبرح من والدها لإجبارها على الزواج من مسن، إضافة لتعرض زوجة إلى كسر في يدها من زوجها الذي ضربها وشقيقها المعاق، كما تقدمت زوجه بشكوى لحقوق الإنسان تشكو من عدم ضم زوجها لأبنائه في دفتر العائلة وعدم استخراج وثائق لهم مما حرمهم من الدراسة. وتتابع مطلقة في الطائف شكواها أمام القضاء مدعية تعرضها للعنف من طليقها وحماتها، في حين كشفت معلمة عن تعرض طفل لعنف من زوجة الأب عبارة عن حرق في اليدين وأبلغت الجهة المختصة بذلك، كما استقبلت دور الحماية عددا من حالات العضل والتي تصنف في خانة العنف الأسري، فضلا عن عشرات حالات الضرب والإيذاء لنساء من أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن، في حين يطالب مختصون في الشأن الاجتماعي تشريح حالات العنف والعمل على الحد منها حتى لا تتحول إلى ثقافة مجتمع، كما يطالب مختصون بسرعة وضع تشريعات تجرم العنف الأسري وتحدد عقوبات رادعة، وبين تلك العقوبات المطالبة بإيقاع عقوبة القتل تعزيرا على منتهكي حرماتهم أو ما يعرف بزنا المحارم، فيما تسجل محافظة جدة نحو 30 حالة عنف أسري في الشهر الواحد بمعدل حالة عنف واحدة يوميا. ويقول مدير وحدة الحماية الاجتماعية شاكر الأزوري، إن هناك جهلا كبيرا من بعض الأسر في الإبلاغ عن حالات العنف والإيذاء، فيما تفضل بعض الأسر التعامل بصمت مع قضايا العنف لا سيما التحرش ضد الأطفال، وقال إن الشؤون الاجتماعية تستقبل قضايا العنف على هاتفها (1919)، إضافة لأقسام الشرط والمستشفيات ويتم عادة الكشف على حالات العنف الأسري من قبل محيط الأسرة أو المدرسة ويؤكد الحالة تقرير طبي، وقال إن وحدة الحماية تدرس الحالة المعنفة (الضحية) وتسعى لتوفير الحماية والأمان لها ومن ثم العمل على معالجة القضية، وإذا ما تعذر ذلك فإنها تحال لجهات الاختصاص لاستكمال التحقيق رسميا وإحالتها للقضاء. وكشف الأزوري أن كثيرا من الحالات التي تتعرض للعنف الأسري تكون قد تعرضت أكثر من مرة للعنف لا سيما في قضايا التحرش بالأطفال، مبينا أن العنف تجاه النساء يكون إما عنفا جسديا أو لفظيا أو نفسيا أو اجتماعيا باستخدام عدة وسائل كالضرب والحرمان، فيما تسجل حالات محدودة لتعرض أزواج لعنف من زوجاتهن أبرزها زوج طردته زوجته من المنزل وأجبرته على النوم في غرفة السائق. دورات حل المشاكل وتحدث الدكتور وجدي شفيق عن ضرورة العناية بالإعداد للحياة الزوجية وأهمية تنظيم دورات في تدبير المشاكل الزوجية ووضع برامج إعلامية وتعليمية متخصصة في البناء الأسري وخلق ثقافة التناول الصريح لقضايا الأسرة، ناصحا بعقد شراكات بين القطاعات المختلفة قصد تطوير قيم المودة والسكن والرحمة داخل الأسرة ورعاية أطفال الأسر المفككة وتأسيس مراكز للتوجيه والإرشاد الأسري. وكشف الدكتور وجدي في دراسة حديثة متخصصة عن قضايا العنف الأسري وكيفية علاجها وأساليب وسبل الحد من انتشارها في المجتمع السعودي عن قائمة بأبرز الخلافات بين الأسرة، منها المال، القروض، الشيكات بدون رصيد، تنظيم الوقت، العمل وطبيعته، مكان العمل، الراتب، أوقات المرح والترفيه (اختلاف الأوقات)، فقد العطف والمودة والاحتضان، تربية الأطفال، مشاكل المراهقين، الأهل، جو المنزل، هدوء البيت، صيانة المنزل، صنع واتخاذ القرار، الأصدقاء، المعتقدات الدينية، القيم، الإدمان (الكحول، مخدرات، نت)، اضطرابات نفسية، أمراض باطنية أو عضوية والبطالة، مشيرا أن أكثر الفئات عرضة للعنف هي المرأة والطفل والمسن. وعن أهم دوافع العنف الأسري، قال إما أنها تكون دوافع ذاتية وهي تلك الدوافع التي تنبع من نفس الإنسان وتقوده نحو العنف الأسري، أو دوافع اقتصادية في محيط الأسرة لا يريد الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف إزاء أسرته وإنما يكون ذلك تفريغا لشحنة الفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من قبل الأب إزاء الأسرة، أو دوافع اجتماعية تتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها المجتمع وتتطلب من الرجل قدرا من القوه فيضطر لإظهار ذلك من خلال العنف. وقدم الدكتور وجدي نماذج من العنف الجسدي، مثل الضرب، الخنق، الرفس، القرص، العض، البصق، الحرق، التهديد بالسلاح، رمي الأشياء على الضحية والاحتجاز. كما قدم نماذج من التعنيف بالكلام والعنف العاطفي والنفسي، منها الصراخ والشتم، مناداة الضحية بألفاظ مبتذلة، التهديد بالوعيد أو بالقتل، التقليل من إنجازات الضحية، انتقاد الشكل الخارجي الاعتذار بأعذار واهية في سبيل إنهاء العنف، وعزل الضحية عن المجتمع والسخرية واللوم وإهمال الاحتياجات النفسية والبدنية للضحية ومراقبة المكالمات الهاتفية وإحراج الضحية أمام الآخرين. المعالج الأسري للزوجين وطالبت الدكتورة رفعة المطيري أخصائي الطب النفسي تقديم مساعدة متخصصة من قبل المعالج الأسري للزوجين؛ لكي يكونا متوافقين من الناحية الزوجية، حيث يدرس أسبابه من حيث العملية واختلاف الثقافات والعادات والتقاليد بين الزوجين والسمات الشخصية وغيرها من أسباب تؤدي إلى سوء التوافق ومما يقود إلى أي من أنواع العنف، مطالبة وزارة الشؤون الاجتماعية بدعم برامج التوجيه والإرشاد الاجتماعي والأنشطة الوقائية للحد من انتشار المشكلات والسلوكيات الاجتماعية السلبية واستحداث دور للحضانة الاجتماعية الإيوائية لرعاية الأيتام ومن في حكمهم، وإنشاء وحدات للحماية الاجتماعية في المناطق لدعم التماسك الاسري وحماية الفئات المعرضة للإيذاء. الاعتراف بالخطأ وتحدث الدكتور علي عمر بادحدح، عن الاعتراف بالخطأ وعلاقته بالعنف الأسري، معتبرا الاعتراف والاعتذار بين الأزواج ليس عيبا وتعد شجاعة من ذات الفرد تعكس اعتزازه بالقيم الإسلامية والإنسانية، مستعرضا أحوال ومشاكل الأسر السعودية من منظور إسلامي، والعنف الذي يولد بين الأزواج وتأثر الأبناء به، مطالبا باعتماد الاعتذار كأسلوب حضاري لإنهاء الخلافات، بعيدا عن الاعتذار المتبوع بالعتب أو الإهانة. تعاطي المخدرات ويقول مدير عام الشؤون الاجتماعية في منطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي إن وحدة الحماية الاجتماعية تتولى معالجة قضايا العنف الأسري، مرجعا أسباب العنف الأسري لانفصال الوالدين عن بعضهما، أو بسبب تعاطي المخدرات بأنواعها والظروف المادية الصعبة التي تعاني منها بعض الأسر وعدم وجود وسائل إرشادية من قبل مؤسسات المجتمع للتنويه بالطرق المثلى في كيفية علاج الخلافات الأسرية.