أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس أنه قد ثبت لديه استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، ولكنه قال إنه يحتاج إلى تفاصيل، قبل أن يقرر اتخاذ اجراءات هدد بها منذ تصريحاته المبكرة بأن استخدام الأسلحة الكيماوية خط أحمر. وواضح أن أوباما لن يعرف التفاصيل قريباً، أو لا يعلنها إذا ما عرفها، لأسباب تتعلق بسياسة المراوغة والتلكؤ التي تمارسها واشنطن فيما يتعلق بترددها في دعم الشعب السوري الأعزل. وإذا كان الرئيس الأمريكي لم يأبه للمذابح الوحشية البشعة التي ينفذها نظام الأسد وداعموه ضد الشعب السوري. ولم تهز انسانيته وواجباته الأخلاقية مئات الآلاف من القتلى والجرحى ومعذبي السجون وملايين من المشردين، فإن المعلومات حول استخدام الأسلحة الكيماوية لن تكون حافزاً مهماً لتحمل واشنطن على التحرك لوقف المجازر في سوريا. وإذا كانت واشنطن وقعت في شرك المساومات الإيرانية، ومهارات طهران الحاذقة في المراوغة والمداهنة وتسويق خدماتها لواشنطن وإسرائيل، فإن الرئيس أوباما لن يعرف أية تفاصيل حول استخدام الأسلحة الكيماوية وإذا كان يعلم فإنه لن يعلن ذلك لا قريباً ولا بعيداً.. ولا تبدو المسألة في الموقف الأمريكي هي التفاصيل حول استخدام الأسلحة الكيماوية وهوية المنفذين، بقدر ما هي المهارة الإيرانية في تقديم خدمات لواشنطن وإسرائيل، وبالتالي تحييد الموقف الأمريكي، على حساب مبادئ أمريكا وأخلاقياتها وتاريخها الديمقراطي. خاصة أنهما إسرائيل وطهران، على الرغم من عدائهما في التلفزيونات وشعارات مظاهرات الشوارع، فانهما تتبادلان خدمات جوهرية وضرورية لكليهما على حساب البلدان والشعوب العربية. لهذا فإن إسرائيل لا تحاول المساس بمصالح إيران، أو الوقوف ضد توسعها وعدوانياتها في الشرق الأوسط. وفي المقابل فإن إيران تمارس سلوكية وخطوات على الأرض تصب في النهاية في مصلحة إسرائيل، بل ان معظم السياسات الإيرانية تجير فعلياً لصالح إسرائيل، ولا تستفيد طهران منها إلا العناوين والضجيج في وسائل الإعلام. وأكبر دليل على تبادل المنافع بين طهران وإسرائيل هو الحرب التي يشنها حزب الله وميلشيات الحرس الثوري الإيراني الأخرى، على سوريا والسوريين، حيث كان يفترض، حتى قبل سنتين، أن تشن إسرائيل هذه الحرب. ولكن ما حدث أن حزب الله وميلشيات طهران الأخرى، قد تبرعت بتنفيذ هذه المهمة، بينما إسرائيل تتفرج على كيف أن السوريين قد خدعوا بشعارات المقاومة إلى درجة أن المقاومة ومنظريها وأبطالها، من إيران إلى العراق إلى لبنان وسوريا، قد أصبحوا حلفاء طبيعيين لإسرائيل، ويشنون حروباً، بالنيابة عنها. وأن المقاومة المزعومة وجدت الجهاد والأعمال العظيمة في شن حرب مدمرة على حماة وحمص وقرى في غرب سوريا ومدن في غرب العراق، بدلاً من الانشغال بتحرير فلسطين والجولان وأراض لبنانية. وهذا هو السبب الطبيعي والمنطقي الذي يجعل واشنطن تتلكأ في الإقدام على أي عمل ضد نظام الأسد، لأنه وحلفاءه، في طهران ولبنان، يقدمون خدمات جليلة لإسرائيل ويسفكون دماء السوريين من أجل مصالحها.