أمرت محكمة كويتية بإغلاق قناة تلفزيونية لمدة شهرين وتغريم كل من القناة ومديرها عشرة آلاف دينار بسبب عرض إساءات تمس قبيلة مطير الكريمة. وواضح أن المحكمة قد تيقنت من ارتكاب القناة انتهاكات للقواعد الأخلاقية الصحفية التي تحظر نشر أو بث أية إساءة شخصية أو ما يتسم بالتمييز ضد العرق أو الدين أو النيل من الخلقة أو الكرامة الشخصية لأي إنسان. ولو أن هذه القناة تحلت بثقافة النشر المنضبط والأخلاقيات المهنية وحفظت كرامات الناس لما قدمت لمحاكمة ولما أدينت. كي لا نظلم هذه القناة وحدها، فإنه لو بحثت المحاكم عن الانتهاكات المخلة بالشرف المهني في السماوات العربية (وسماوات أخرى) ربما ستحدث «مذبحة» سماوية وستغلق المئات من الفضائيات وسيتقلص مستعمرو البث الفضائي ومستخدموه إلى عدد محدود مما سيؤدي حتماً إلى إفلاس مبين لشركات الأقمار الصناعية، فكثير من القنوات (العربية بالذات وما يشابهها وما يشبهها) بقصد أو بجهل ترتكب حماقات من هذا النوع. وكثير من وسائل الإعلام العربية، المقروءة والمسموعة والمرئية، مصاب بجهل، قاتل ومعد، بالأخلاقيات المهنية، لأن آخر ما يفكر به مخططو هذه المشروعات (إن فكروا) هو الأخلاقيات المهنية. وهذا يوضح كارثة أخرى هي أن مخططي المشروعات الصحفية أو مؤسسي القنوات العربية، إلا ما رحم ربي، هم «مقاولون» وسماسرة «إعلام الشنطة»، أو هم صحفيون نظرياً ولكنهم مقاولون او متمرسون في «ثقافة المقاولات» فكراً وإحساسا ومشاعر. والاخيرون وإن «تملحوا» نظرياً وشفوياً بمبادئ الصحافة فإنهم لا يتورعون عن إطلاق العنان لانتقاماتهم وميولاتهم، لتستحيل الوسيلة الإعلامية «سيفاً» مسلطاً على عنق كل ضد ومن لا تستسيغ، وتمتهن ثقافة «الغاية تبرر الوسيلة» بأشنع إرتكاباتها، فتتحول الوسيلة من الدفاع عن فكر إلى الدفاع عن مصالح وثم تندلع «حروب تمييز». وهذا أشد ما يمقت في الصحافة، لأنه الإعلام الميت او ما يمكنني تسميته «إعلام الاستخدام للمرة الواحدة». ولو تفحصنا القنوات التي يضج بها الفضاء العربي ربما لما وجدنا إلا قنوات قليلة تحاول الالتزام بالقواعد المهنية للنشر أو «تجبر نفسها»، بلا طيبة نفس، على الالتزام تتظاهر بالالتزام. السؤال الأهم.. ما هي وسيلة النشر العربية التي فكرت في عقد دورة تثقيفية لصحفييها في الأخلاقيات المهنية؟ إذا وجدتم جواب «نعم» لدى أي من آلاف المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي.. فأرجو تنبيهي. وتر قال جئتك يا قمر السهب.. من وعثاء الوهاد.. وقصائد الجدايل.. وما تلد بروق الأنواء.. وحمأ الهموم المتحولة.. إذ ينهض التاريخ من رحم الثرى.. [email protected]