قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد، 11) الذوق العام يُعنى باحترام الإنسان بمبادئ تتبع لثقافة وتقاليد بلد معين، واتباع الآداب العامة، وأن يتصرف ببالغ الأناقة واللباقة تجاه نفسه والآخرين مع مراعاة مشاعرهم. بل هو أيضا مجموعة من الأخلاق الحسنة، التي تتأصل في البشر وتظهر على سلوكهم وتعاملهم مع الناس نتيجة لمعتقداتهم الدينية والثقافية وتربيتهم. يعتبر الالتزام بالذوق العام معبرا عن مدى رقي وتحضر الشعوب. والسعوديون نساء ورجالا، فتيات وفتية، هم أهل لذلك. ولدينا الكثير والكثير من القيم والعادات والتقاليد، التي نحرص على المحافظة والالتزام بها. بل هم للرقي عنوان، ونستعيب فيما بيننا عدم مراعاة الذوق العام، فنستعمل مصطلحات كثيرة تدل على ذلك ومنها «لا تفشلونا». وجميعنا يستنكر من تصرفات البعض كالتجول بثياب النوم في الأماكن العامة ورمي المخلفات في الحدائق وتشويه المرافق العامة وغيرها. وعلى الرغم من ذلك ما زالت هذه الممارسات وغيرها موجودة، لذا فإن موافقة مجلس الوزراء على لائحة الذوق العام أتت في التوقيت المناسب لمواكبة الرؤية الطموح، حيث إن احترام الذوق العام في الوقت الراهن -وفي كل وقت- يشكل أهمية قصوى في كثير من المجالات كالسياحة والترفيه والحياة العامة ككل. وقد يستنكر البعض هذه اللائحة، ويعتقد أن وجودها يعني أننا لم نكن نحترم الذوق العام قبلها لكن وجب التنويه بأن هذه اللائحة قد لا تناسب شريحة من المجتمع؛ لأنهم يمارسون الذوق العام دون الحاجة للائحة. لكن هناك شريحة أكبر في حاجة لهذه اللائحة، فالسعودية مترامية الأطراف، وفيها العديد من الثقافات، وهنا تكمن الحاجة إلى مثل هذه اللائحة، التي تضبط بعض التجاوزات من الأفعال والسلوكيات الخادشة وغير المقبولة كالتنمر والكتابة على الجدران، ويكون التطبيق على الجميع من مواطنين ومقيمين وسائحين. فالقوانين والعقوبات الموضوعة في هذه اللائحة ترغم الجميع على أن يلتزم بها ويتهيب من مخالفتها، وترتقي بذوقنا العام، وتجعله متأصلا بالإنسان السعودي. فنرى بعض المواطنين السعوديين في كثير من الدول المتحضرة يلتزمون بالقوانين وينفذونها بالتمام والكمال، لكنهم عندما يعودون لأرض الوطن يجدون بعض الانسيابية في التطبيق لنفس القوانين بحذافيرها فيتركونها ليتماشوا مع الوعي الجمعي. وهنا أتضامن مع مقولة «مَنْ أمن العقاب أساء الأدب»، فنلاحظ بعد عقوبات ساهر الصارمة والمبالغ الضخمة لقطع إشارة، أن تلك الممارسات الخطرة على حياة السائق ومَنْ معه على الطريق كادت أن تختفي. لذلك، فإن العمل على توعية المجتمع بهذه اللائحة أمر في غاية الأهمية، فالعمل على حملات إعلامية خاصة بالذوق العام تضخ على مراحل وبجرعات مختلفة تعرّف ماهية الذوق العام، وتوضح البنود بدقة ذو أهمية قصوى؛ حتى لا يكون هناك مجال للاجتهاد الشخصي. كما أن غرس القيم وترسيخ مفاهيم الذوق العام في أبنائنا من خلال البرامج الوطنية، التي تتبنى هذه اللائحة هو مسؤولية وزارة التعليم؛ لنخرج بجيل تتأصل فيه هذه الأخلاقيات ليواكب رؤية الوطن الطموح. وأخيرا.. نأمل معرفة الجهة التنفيذية لهذه اللائحة مع التأكيد على أهمية الصرامة في التطبيق، وربما وجود شرطة تسمى ب«شرطة الذوق العام»، وتكون تابعة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني تساعد في التطبيق بشكل أكبر.