كان الشرق الأوسط لفترة طويلة يتجاذبه محوران رئيسيان، الأول سُمي محور الاعتدال، ويضم السعودية ومصر وبقية دول الخليج بالإضافة الى الأردن والمغرب. وكان هذا المحور داعما لاستقرار الدول ويتعامل مع الحكومات ولديه سياسة معتدلة مع الغرب. أما الثاني، فكان يُسمى «محور المقاومة والممانعة»، ويضم إيرانوسوريا وحزب الله وجماعات الإسلام السياسي. وكان هذا المحور لا يؤمن بسيادة الدول واستقرارها داعما للحركات الثورية داخل الدول وعلى علاقة متوترة مع الغرب، وكان يتخذ من القضية الفلسطينية وشعار المقاومة شرعية للتدخل في الشؤون الداخلية في الدول العربية وزعزعة أمنها واستقرارها. وكانت الإدارات الأمريكية المتتالية تميل إلى دعم محور الاعتدال ودعم سياساته في مقابل محاصرة محور ما يسمى «محور المقاومة أو الممانعة». ورغم محاولة 4 رؤساء إيرانيين، وهم علي أكبر رفسنجاني وحسن روحاني ومحمود أحمدي نجاد ومحمد خاتمي، للتقارب مع واشنطن بكل السبل إلا أن النتيجة كانت صدا أمريكيا لتلك المحاولات بحسب تقرير بنفشة كينوش، المترجمة السابقة للرؤساء الإيرانيين لصحيفة «الغارديان» البريطانية. بعد صعود أوباما إلى سدة الحكم الرئاسي في عام 2009، سعت إدارته إلى إحداث تغير جذري في تعاطيها مع الشرق الأوسط من خلال التقارب مع محور ما يسمى «محور المقاومة الممانعة» وتحويلهم إلى حلفاء جدد، في مقابل التخلي عن الأنظمة الحاكمة الحليفة في المنطقة، وذلك لإنهاء التورط الأمريكي في الشرق الأوسط وعدم الدخول في أي حروب جديدة في سبيل إعادة إنتاج دورها الإستراتيجي بالتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادي. وعليه لتسوية ملفات الشرق الأوسط كان لا بد من التعامل مع إيران، فالتمدد والتغلغل الإيراني في كثير من هذه الملفات سواء بصورة مباشرة كما يحدث في سوريا وخاصة منذ الثورة أو في لبنان عبر حزب الله أو العراق خاصة بعد حرب 2003 أو بصورة غير مباشرة عبر ميليشياتها وشبكات التجسس في اليمن ودول الخليج. وبالتالي سعت إدارة أوباما إلى عقد الاتفاق النووي مع إيران في تجاهل كامل لسلوكها المؤذي في المنطقة، مما أعطى إيران ضوءا أخضر لتعاظم نفوذها والتدخل في المنطقة دون رادع، حيث استغلت إيران رفع العقوبات في زعزعة الاستقرار في المنطقة. وعندما اندلع ما يسمى بثورات الربيع العربي مطلع العام 2011، في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا بدت إدارة الرئيس أوباما بموقف داعم لتنظيمات وحركات الإسلام السياسي إلى مفاصل الحكم في المنطقة. ووفقا ل «ديريك تشوليت» الذي عمل في وزارة الخارجية الأمريكية خلال ولاية أوباما، ذكر في كتابه «اللعبة الطويلة»، كيف تحدى أوباما واشنطن، وأعاد تعريف دورها في العالم وقف الرئيس باراك أوباما في غرفة (بن فراكلين) المزخرفة في الطابق الثامن في وزارة الخارجية، ودعا إلى تغيير واسع في نهج أمريكا تجاه منطقة الشرق الأوسط، موضحا أنه يساند الإصلاح السياسي والاقتصادي. قادت ما سمي «الربيع العربي» إلى هدم وإسقاط النظام القديم وتفكيك بناه السياسية والاجتماعية. وفي ظل غياب البديل الجاهز لقيادة المجتمع، اتجهت الأمور إلى حالة من الفوضى. وبعد وصول ترامب إلى الحكم، عادت إدارته إلى التقارب مرة أخرى مع «محور الاعتدال» في الشرق الأوسط، بقيادة السعودية ومعهم مصر والأردن وبقية دول الخليج، بعد فشل سياسة أوباما في فوضى الربيع العربي ومحاولة «شراء الخصوم» تحويلهم إلى حلفاء جدد وما نجم عن التقارب معهم في سقوط الدول الوطنية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي نزوح ملايين اللاجئين العرب لأوروبا والدول المجاورة إلى جانب تخلي أمريكا عن موقعها كقوة عظمى وإيجاد بيئة مناسبة لصعود جماعات التطرف الأصولي ك «القاعدة» و«داعش».