يقضي طلابنا وطالباتنا جل وقتهم في مقاعد الدراسة في الغرف الصفيّة التقليدية لتلقي دروسهم، وربما لم نفكر في إتاحة الفرصة لهم للابتعاد فترة من الزمن عن الرتابة والتكرار وإكسابهم تجربة وأفكارا جديدة في أماكنها الحقيقية خارج هذه الغرف. لذلك طرح خبراء التربية إستراتيجية الزيارة الميدانية A field visit التي يقوم بها مجموعة من المتعلمين إلى مكان ما خارج إطار الغرف الصفيّة التقليدية، لتحقيق مجموعة من الأهداف التي لا يمكن تحقيقها بالوسائل التعليمية الأخرى، حيث يمكن أن تكون الزيارة لمصنع أو مزرعة أو شركة أو مؤسسة حكومية أو غيرها من التجارب العملية التي تثري عملية التعلم وتعظم العائد منها. ومن مزايا هذه الطريقة أنها تيسر عملية تعلم المفاهيم الجامدة المجردة، فأخذ المشاركين في رحلة ميدانية يجعل التعلم أكثر فعالية لأنهم سيكونون قادرين على جمع أكبر كمية ممكنة من المعلومات حول الموضوع المستهدف ومن عدة زوايا وبشكل مادي محسوس وتضفي المتعة على تجربة التعلم التقليدية داخل الصف، كما تعزز الزيارات الميدانية المناهج الدراسية والتدريبية وتثري المعلومات النظرية من خلال تجربة ما تم شرحه ورؤية ما تم السماع عنه في قاعات التدريب وفي الكتب على أرض الواقع، والمهم لتحقيق هذه المزايا التخطيط المنظم لها حتى لا تصبح مجرد رحلة ترفيهية. وفي القرآن الكريم نموذج للتعليم ينطلق فيه المعلم بالمتعلم إلى مواقف الحياة العملية التي تحتاج إلى معالجة بأساليب جديدة، كما في قصة الخضر (المعلم) مع موسى -عليه السلام- (المتعلم). لقد جاء موسى -عليه السلام- بعد رحلة شاقة إلى الخضر وقال له: «هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا» سورة الكهف (66)، وبعد أن اتفقا على ضرورة المثابرة والقيام بالمهام المطلوبة، وجدنا أن التعليم لم يكن في غرفة مغلقة بل انطلق العالم والمتعلم إلى ثلاثة أماكن (البحر والسفينة) و(البيت والغلام) و(القرية واليتامى)، وكان القرآن ينص في كل مكان على التعبير بالانطلاق «فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ...» «فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا...» «فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ...». ومع الاستغلال الإيجابي للتطور التكنولوجي في الرقي بأساليب العملية التعليمية التعلمية والتي تعتمد أساسا على دمج شبكة الإنترنت في تقديم المعلومة للطلاب ظهرت إستراتيجية الرحلات المعرفية عبر الإنترنت WebQuest وهي من بين إستراتيجيات التعلم الحديثة الهادفة إلى تغيير النهج التقليدي للفعل التربوي والتعليمي، وتشجيع الطالب على بناء تعلماته بنفسه متجاوزا حدود الكتاب المدرسي إلى ما توفره التقنيات الحديثة من وسائل التفاعل والمشاركة والتعاون في التحصيل الدراسي. وصاحب فكرة الويب كويست هو بيرني دودج Bernie Dodge الأستاذ الباحث بجامعة سان دياغو بولاية كاليفورنيا، حيث يقوم خلالها الطلاب بالبحث عبر الإنترنت بشكل جماعي بهدف الوصول الصحيح والمباشر للمعلومات انطلاقا من مصادر موثوقة ومعدة مسبقا من طرف المدرس. ويهدف الويب كويست في الآن ذاته إلى تنمية بعض القدرات والمهارات الذهنية والعقلية للمتعلمين، كالتحليل والتركيب والتقييم، إضافة إلى بث روح التفكير النقدي والإبداعي لديهم. يقدم الويب كويست تخطيطا ممنهجا ومدروسا ودقيقا للحصة الدراسية ومن مميزاته تحويل الحصة الدراسية إلى فعل استكشافي ممتع، وتعزيز طريقة التعامل مع مصادر المعلومات وانتقاء ما يتميز منها بالجودة والدقة، وتشجيع العمل الجماعي وبث روح التعاون وإكساب الطلاب مهارة البحث الفعال والتفكير النقدي والتعلم الذاتي والقدرة على التقييم مع الاستخدام الآمن للإنترنت عبر توجيهات المعلم. والمعلم هنا يعمل على تحويل محتوى الدرس إلى مجموعة من الأسئلة الجوهرية المتدرجة، على الطلاب الإجابة عنها في وقت وجيز من خلال عمل جماعي تعاوني ووفق إطار زمني محدد وتوفير أدوات رقمية وبرامج تفاعلية وروابط لمواقع إلكترونية ملائمة؛ لتوجيه الطالب في بحثه على أن تكون ملائمة للفئة العمرية وآمنة وبها معلومات موثوقة.